بعد إعدام "الشيخ النمر" وما تبعه من مجريات، كان الموقف الإيراني الرسمي واضحًا إذ أدانت الحكومة الإيرانية ما حصل في السفارة السعودية في طهران، كما أقالت مساعد محافظ طهران للشؤون الأمنية "صفر علي براتلو"، وكذلك دعى وزير الخارجية الإيراني إلى التهدئة مؤكدًا أن طهران لا تريد تأجيج التوترات مع السعودية وسائر جيرانها، ورغم التوجه الإيراني هذا لا تزال السعودية مصرة على التصعيد مُحيلةً الملف إلى الجامعة العربية.
لا تذهب أي دولة في العالم إلى هذا الحد من التصعيد لأجل حادثة كمهاجمة السفارة من قبل المواطنين، ولم يغب عن ذاکرتنا عدم اتخاذ تركيا أي إجراء ضد روسيا بعد هجوم مواطنين روس على السفارة التركية في موسكو إثر إسقاط الطائرة الروسية، وهذا يشير إلى أن مبالغة السعودية في ردة فعلها ناتج عن خلفيات أعمق وأبعد من حادثة السفارة التي لم تكن إلا ذريعة وفرصة لتبرز الرياض سياستها العدائية تجاه طهران.
السياسة السعودية المعادية لإيران لم تأتي بين يومٍ وليلة، بل تكونت طوال السنوات الماضية، وبدأ العداء السعودي لإيران يظهر للعلن منذ إبرام الإتفاق النووي الذي رفضته الرياض علنًا وأبرزت مخاوفها منه، ولهذا تحاول السعودية جاهدةً لإعادة فرض الحصار على طهران و الحد من تأثيرها في الساحة الدولية، إضافة إلى الضغط الاقتصادي عليها والذي حاولت السعودية فرضه من خلال تخفيض أسعار النفط.
الشيء الذي فجّر العداء السعودي لإيران أن كل ماجرى بعد الإتفاق النووي في المنطقة كان بخلاف الرغبة السعودية، ففي الملف السوري فشلت السعودية وتركيا في إقامة منطقة عازلة تحمي الجماعات التكفيرية التي تتلقى دعم الرياض وأنقرة، وبعد التدخل الروسي تراجعت فرص المنطقة العازلة إلى الصفر، كما بات العالم مجمعًا على أن تنظيم داعش إرهابي، وكذلك بدت المواقف الأمريكية أكثر ليونة في الفترة الأخيرة على خلاف الرياض التي بقيت متشبثة بمواقفها وخاصة فيما يتعلق بمسألة بقاء الرئيس "الأسد".
كذلك وزاد التوتر الذي تعاني منه الرياض في سورية بعد استهداف "زهران علوش"، الشخصية الأكبر التي تعول عليها الرياض وترى فيها الشخصية المناسبة لتسوِّق لها في المجتمع الدولي تحت عنوان "المعارضة المعتدلة"، وكذلك في العراق فشلت جميع المخططات السعودية، وباتت الحكومة العراقية أكثر قوة على الأرض بعد أن كانت السعودية تطمح لكسرها كونها "شيعية"، الأمر الذي زاد من ارتباك السلطات السعودية.
أما في الملف اليمني فقد عجزت السعودية عن تحقيق أي نصرٍ سياسي أو عسكري بعد أشهرٍ طويلة من العدوان، وكذلك بدت الرياض أكثر قلقًا بعد نجاح أنصار الله في استهداف قائد العمليات العسكرية لقوى العدوان الذي تقوده السعودية، هذه الأحداث جعلت السعودية تشعر بتعرضها لانكسار سياسي في المنطقة قد يجمدها سياسيًا لسنوات طويلة، ولهذا رأت الرياض أن استهداف إيران سياسيًا قد يحقق لها بعض المكاسب وقد يمنع تدهور مكانتها، وجاءت حادثة السفارة فرصة استغلتها السعودية لتحقيق بعض المكاسب في المنطقة وللنيل من إيران التي بات أقوى من قبل وخاصة بعدما أثبتت قدرتها على مواجهة الإرهاب الذي شوه سمعة الرياض في المحافل الدولية.
ومن الأهداف السعودية الكامنة وراء خلق التوتر مع طهران ضمان اتحاد الأسرة الحاكمة في الرياض وتثبيت أركانها، فالنزاع مع إيران سيوحد الأسرة الحاكمة وسيزيل الخلافات القائمة بين أعضائها، كما أن السعودية استغلت هذه القصة لتجيِّش الشعب العربي وخاصة أهل السنة ضد إيران وضد أهالي المنطقة الشرقية المطالبين بحقوقهم، وهذا ما سيعطي للسلطات السعودية فرصة ومشروعية لاضطهاد أهالي تلك المناطق دون إثارة الرأي العام الإسلامي والعربي.
ويمكن الإشارة إلى أن السعودية تحاول بث الفرقة الطائفية في المنطقة، لتصوير الصراع على أنه صراع سني-شيعي، وذلك حماية للوهابية وحفاظًا عليها، وخاصةً أن الجميع بمن فيهم أهل السنة باتوا يدركون أن التيار التكفيري يستمد عقيدته من الوهابية، ولهذا فإن السعودية ترى في تأجيج العلاقات مع طهران خيارها الوحيد لجلب تعاطف السنة مع السعودية، وهكذا ستستعيد الرياض مكانتها في العالم الإسلامي بعدما برزت في الفترة الأخيرة كدولة داعمة للإرهاب وللفكر المتطرف.
يمكن تلخيص ما سبق بالقول أن الرياض باتت ترى أنها خسرت في كافة الساحات، ولم تجد أي طريقة لتعيد هيبتها وشعبيتها إلى القلوب العربية والإسلامية، كما أنها باتت تدرك أن الدول العربية لا تقف إلى صفها إلا لأجل المال والنفط، ولهذا رأت السعودية أن الوسيلة المتبقية أمامها لتثبت وجودها الدخول في صراعات وتوترات جديدة تعيد لها قيادة المنطقة، كما أن سياسة إثارة الضجيج قد تعيد توجيه الأنظار إليها على مبدأ "عندما لا أحد يراك عليك بالصراخ لتجعل الكل يراك".
نقلاً عن موقع الوقت
https://telegram.me/buratha