الدكتور حاجم الحسني
في معظم دول العالم منصب الوزير هو منصب سياسي وهذا الوزير السياسي يحاول من خلال تصديه للمنصب دفع برنامج الحكومة الى الأمام لأن ذلك يصب في خدمة الحزب او التيار الذي ينتمي اليه من حيث استمرار نجاحه في الدورات الانتخابية ويثبت للشعب بأنه هو المؤهل في تقديم الأفضل له من الخدمات والتنمية والتطور. وشرط التكنوقراط ليس مهما في الوزير بل شرط القيادة وقدرة الادارة والتخطيط، قياديا يجيد نقل صلاحياته الفنية الى المناصب الفنية في وزارته، تلك المناصب التي يفترض توليها عناصر التكنوقراط المتدرجين في العمل الاداري والفني. هذه الطبقة في الوزارات هم التكنوقراط، ولكن في العراق من يتصدى لهذه المواقع الفنية او لنقل معظمهم هم خارج دائرة التكنوقراط، منا أدى الى خلق ترهل كبير في جسد الدولة العراقية وأتاح للفاسدين دورا كبيرا في نهب ثروات العراق.
ما حصل يوم أمس هو ابعاد شبح الفوضى والانفلات الأمني في وضع عراقي قاهر، هذا هو جانب النجاح الوحيد في تفاعلات الأمس، وهو نجاح كبير ولا شك، ولكن قادم الأيام سيكشف لنا ان مشكلتنا أكبر بكثير من تغيير كابينة وزارية بغيرها، فنحن نمتلك دولة نخرها الفساد وسوء الادارة وتسلط الارهاب بجميع أشكاله وفرقة سياسية واجتماعية، وغياب الرؤية وانعدام الاسترايجيات والخطط التنموية. الخطوات الاقتصادية القاسية المطلوبة للمرحلة القادمة قادرة وحدها على اسقاط أية وزارة مهما كانت شخصياتها. الخروج من الأزمة يتطلب بناء رؤية مشتركة من قبل الأطراف السياسية الفاعلة في الساحة العراقية بعيدا عن المصالح الضيقة الحزبية والفئوية والطائفية، نحتاج تثقيف الشعب على ان المرحلة تتطلب شد الحجارة على البطون من قبل القيادات قبل الشعب وتحمل قساوة القرارات الاقتصادية . ان تحقيق دولة المواطنة يتطلب برامج فكرية وثقافية تعبر بنا من جزر الطائفية والاثنية الى الأرض والفضاء الممتد للمواطنة.
وأمر كهذا ليس مستحيلا تحقيقه لو توفرت القيادة الحكيمة الواعية والرؤية العميقة والخطط العملاقة والأحزاب الواعية. أما حكومة غير مسنودة من الكتل والفعاليات السياسية، بل المحاربة لها، فمآلها الفشل والانهيار. فالسلاح اليوم ليس بيد الحكومة وحدها، والتدخلات الخارجية ستجد فراغات أكبر للنفوذ في دوائر الصراع الداخلي وتدفع الحالة العراقية الى مزيد من التشرذم والتفرق والانقسام.
الكلام الجميل المنمق في الفضاء الواسع لا يعني شيئا عندما يقابله كلام مناقض في الغرف المغلقة، فالجميع خائف على مصالحه الحزبية والطائفية والاثنية، والثقة مفقودة ، والثقة كقعر القنينة فإن انكسرت سال كل ما فيها، فالصف الواحد كالبنيان المرصوص يصعب اختراقه والخلل في الصف يسهل الاختراق والتدمير.
العراق بحاجة الى حكماء أكثر من تكنوقراط
https://telegram.me/buratha