بعد أن قدم العبادي تشكيلته الوزارية الخميس 31 مارس/آذار، وأنهى الصدر اعتصامه، بدأت تظهر أمام العبادي عوائق سياسية وقانونية.
بعد أن حدد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري مهلة عشرة أيام لمناقشة التشكيلة الوزارية، وشهرا لحسم الهيئات والمناصب الأمنية؛ يخشى رئيس الوزراء حيدر العبادي في حالة عدم تمريرها أن يعود زعيم "التيار الصدري" السيد مقتدى الصدر ليطيح بالمجلس بعد تهديداته بتحويل المطالب من "شلع" (استقالة الوزراء فقط) إلى "شلع.. قلع!" (استقالة الحكومة ورئيسها).
وكان "التحالف الكردستاني"؛ أول المعترضين؛ إذ رفضت كتلة التحالف النيابية أن يتم اختيار أي وزير من خارجها، وطالبت بمنح الأكراد حصتهم الحقيقية في الحكومة. وفيما أعلن المرشح إلى وزارة النفط ضمن الكابينة الوزارية الجديدة نزار محمد سليم عن انسحابه من الترشيح لأنه لم يتم بموافقة رئاسة إقليم كردستان العراق ووجود توافق سياسي، أكد وزير المالية هوشيار زيباري اليوم (03/04/2016)، أن الشعب الكردي لن يسمح لأي طرف بأن يفرض ممثلين عنه ضمن قائمة التكنوقراط، التي قدمها العبادي إلى مجلس النواب.
ومن جانبها، أبدت كتلة "الحل" التابعة لـ"تحالف القوى العراقية" تخوفها من أن تكون الدعوة إلى التكنوقراط محاولة جديدة للإقصاء والتفرد في الحكم. مضيفة أن خيار حكومة التكنوقراط هو بشير تحول مهم في إدارة تخصصية لموارد الدولة العراقية بعد أبريل/نيسان 2003.
أما بالنسبة إلى "ائتلاف دولة القانون"، فقد أشار النائب علي المالكي إلى أن مجلس النواب لن يصوت على الكابينة الوزارية تحت التهديد. مشيرا إلى أن العراق دخل عصر الدكتاتورية والتفرد بالسلطة من جديد. وأوضح المالكي أن رئيس الوزراء، عندما جلب أسماء التشكيلة الوزارية، سلمها بظرف مغلق إلى رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس النواب شكل لجنة لدراسة هذه الأسماء متجاهلا دور النواب الذين هم ممثلو الشعب.
في هذه الأثناء، لفت رئيس كتلة "الفضيلة" البرلمانية عمار طعمة إلى أن تاريخ بعض المرشحين إلى الكابينة الوزارية الجديدة سيئ، وأنهم كانوا من أزلام النظام السابق؛ ما يتعارض برأيه مع غايات الإصلاح المنشود. وأضاف أن كتلته تدعم كل الخطوات الإصلاحية المدروسة والهادفة. لكنه شدد على ضرورة مراعاة المعايير والموازين الأساسية والتزامها بتحقيق مخرجات وخطوات مثمرة تسهم في معالجة الإخفاق والفشل.
في غضون ذلك، ذكر رئيس "ائتلاف المواطن" السيد عمار الحكيم أن ائتلافه فوجئ بالتغيير الوزاري الجديد. مؤكداً أنه سيراقب خطوات الإصلاح المقبلة. ودعا الحكيم خلال كلمة متلفزة إلى توفر الكفاءة والخبرة في الشخصيات، التي تم ترشيحها لشغل المناصب الوزارية.
أما بالنسبة إلى موقف مرجعية النجف من تشكيلة العبادي الوزارية، فقد أكد السيد حيدر الغرابي، الأستاذ في الحوزة العلمية، والمقرب من المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، أن الحكومة التي يجري الحديث عنها الآن ليست واضحة المعالم. وقال إن الغالبية ممن تم ترشيحهم ليسوا أهلا لهذه المهمة حتى لو كانوا من التكنوقراط، لسبب رئيس يتمثل في أن "أصل القصة يتعلق بالنظام السياسي لا بالوزراء، سواء من التكنوقراط أم من غيرهم، حيث لا يوجد لدينا قانون أو إطار صحيح للحكم الرشيد؛ ما يعني أننا لو جلبنا الحكومتين الأمريكية أو البريطانية ومنحناهما مسؤولية الحكم في العراق فإنهما في ظل ما نحن فيه لن تنجحا!".
وانتقد الغرابي ترشيح بعض الشخصيات التي قال عنها إنها "ذات ولاءات مختلفة مثل الشريف علي بن الحسين، الذي رُشح إلى منصب وزير الخارجية فهو ليس عراقيا بالأصالة، وذلك مخالف لشروط التنصيب للمناصب السيادية في العراق، فضلا عن أنه يحمل أكثر من جنسية؛ وهو ما ينطبق على العبادي نفسه الذي لا يزال يحمل الجنسية البريطانية". وأشار الغرابي إلى أن ما حصل في الواقع هو توافقات تمت في غرف مظلمة، وأريد إخراجها بهذه الطريقة لامتصاص نقمة الشارع؛ وبالتالي، فإنها لن تنجح. وتوقع الغرابي أن يكون مصيرها الفشل الذريع، وأن يطاح العباديُ في غضون ستة أشهر لا أكثر.
وفي ظل هذه الاعتراضات، يبدو أن تداعيات المخاض العسير، الذي جاء بتشكيلة العبادي الوزارية، لا تزال متواترة. وربما أدت إلى وفاة مبكرة لتشكيلة العبادي.
وفاة مبكرة في حالتين: أولهما، عدم تصويت البرلمان؛ وهو بدوره سيؤدي إلى تداعيات سياسية قد تقود إلى إعلان حالة الطوارئ وحل مجلس النواب وتجميد العمل بالدستور والعودة إلى النصف الثاني من عام 2004 كتحصيل حاصل. والحالة الثانية، ولعلها تؤدي إلى نفس تداعيات الحالة الأولى. وتتمثل في أن نجاح تشكيلة العبادي يحتاج إلى قرارات يصعب تنفيذها من دون نزع سلاح المليشيات، وهذا بدوره قد يدفع إلى إعلان حالة الطوارئ أيضا.
وما يؤيد ذلك، ما كشفه وزير النفط عادل عبد المهدي، نقلاً عن مسؤول رفيع المستوى، من أن العمل يجري على استقالة الحكومة الحالية برئاسة العبادي وحل مجلس النواب وتجميد الدستور العراقي، بحسب ما نشره في صفحته الشخصية على "فيسبوك".
ويرى المحلل السياسي محمد العكيلي أن حل البرلمان وتجميد الدستور أو تشكيل حكومة إنقاذ وطني هي أحد مطالب كتلة "المواطن". والدليل على ذلك سحب وزرائها من الحكومة لأنها تريد أن تحرج العبادي لدفعه إلى الاستقالة.
لكن العكيلي يضيف قائلا إن الأزمة الحالية ستُحل سياسياً، وإن التصعيد يأتي لرفع سقف المطالب للكتل السياسية. مؤكداً أن الكتل، التي ترفض الإصلاح كالكتل الكردستانية، تعمل على الحفاظ على حصتها في الحكومة.
وقال العكيلي إن المشكلة الكبرى هي في "التحالف الوطني"، الذي تسعى فيه القوى للاستحواذ على رئاسة الوزراء ككتلة "المواطن"، التي ترى أنها هي الأَولى برئاسة الوزراء من حزب "الدعوة"؛ لذلك سحبت وزراءها الثلاثة من الحكومة، ومنهم عادل عبد المهدي المرشح لرئاسة الوزراء لدورات عدة.
وأكد العكيلي أنها إحدى وسائل الضغط التي تلوّح بها كتلة "المواطن".
فهل كانت ولادة التشكيلة الجديدة هروبا إلى الأمام وتنفيسا مؤقتا للاحتقان داخل "التحالف الوطني" في محاولة لكسب الوقت؟ وهل كانت التشكيلة الوزارية صفقة سياسية بين أطراف "التحالف الوطني" أرضت الصدر فانسحب، وضمن حزب "الدعوة" بقاء رئاسة الوزراء له، ورضيت منظمة "بدر" لأن وزيرها للداخلية لم يتغير؟ أسئلة وغيرها كثير.. وكلها بحاجة إلى إجابة بانتظار الأيام العشرة المقبلة، ويبدو أن لكل حادث حديث.
عمر عبد الستار
https://telegram.me/buratha