أشرف كمال
ثلاثة انفجارات في يوم واحد بالمملكة العربية السعودية، ويعتبر الأخطر من بينهم ذلك الذي كسر أجواء الهدوء والأمن والسلامة والطمأنينة في المدينة المنورة، واستهدف أحد أقدس الأماكن عند الملايين من سكان المعمورة.
الجريمة تحمل الكثير من المعاني، كما هي رسالة إلى المجتمع الدولي الذي يتقاعس في مواجهة الفكر المتطرف، ويقف عاجزا أمام ردع الأطراف الداعمة للتنظيمات الإرهابية والفوضى لتحقيق أغراض سياسية ومصالح ضيقة.
هناك من يحاول إثارة النعرات الطائفية من خلال استهداف المقدسات الدينية في منطقة الشرق الأوسط، المستهدفة بالتقسيم على أساس ديني وعرقي ونشر الفوضى والحروب والنزاعات المتواصلة بالإرهاب الذي تفشى منذ عقود، واشتدت قسوته بإعلان ما قالوا عنه "الجهاد" في أفغانستان، ومعروفة تلك الأطراف التي تورطت في بناء الفكر الجهادي واستقطاب عناصره من أفريقيا والمنطقة العربية وحتى من أوروبا للقتال في أفغانستان. ومع انتهاء المهمة انقلب السحر على الساحر وكُشفت أوراق الخريطة السياسية للعناصر التكفيرية الإرهابية في مناطق مختلفة من المعمورة.
صناعة الإرهاب كانت صناعة محكمة الأدوات منذ عقود لمواجهة كل من يقف في وجه مصالح الغرب. وما تنظيم "داعش" سوى الامتداد الطبيعي لتنظيم "القاعدة" الذي اكتفى بدور محدود في عدد من المناطق بتأجيج ملفات معينة، كإشعال الأزمات في الشمال الأفريقي وسوريا وشبه القارة الهندية، بينما "داعش" بات له التأثير الأقوى من حيث الدعم المالي اللامحدود من جانب أفراد ومؤسسات بل ودول غربية وشرق أوسطية، وفي النهاية الهدف سياسي لا علاقة له بالعقيدة أو الشريعة.
الجماعات الإٍرهابية تستبيح كل شيء، واتسعت رقعة الأهداف التي تحاول الوصول إليها من خلال عناصرها - الخلايا النائمة — التي تتبنى الفكر المتطرف، ومدربة على كيفية تجاوز الإجراءات الأمنية. فلم يعد هناك ما يعوق الحركة في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، ويجعل من أماكن غير متوقعة هدفا للانتحاريين لتحقيق خسائر بشرية ونفسية واسعة.
صحيح، ذهبت السعودية إلى اليمن وسوريا وليبيا. ومن الطبيعي أن تكون للتحركات العسكرية والسياسية انعكاسات على الوضع الأمني الإقليمي والدولي، وقبل هذا وذاك على الداخل السعودي الذي اثبتت الانفجارات الثلاثة أنه يرعى طابورا من الشباب المؤمن بالرؤى المتطرفة للإسلام، ويتبنى العنف ومستعدا للموت في سبيل تلك الأفكار التي تنتشر كالنار في الهشيم.
لكن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وعقيدته تفتقد كل معاني الإنسانية، ولم يظهر فجأة بل له أسبابه المتعددة ما بين السياسة والفكر والاقتصاد والظروف الاجتماعية والتربوية، وهي جميعا متشابكة وتتطلب تضافر الجهود الدولية لمكافحته واجتثاثه من جذوره ووقف مصادر تمويله ومعالجة أسبابه، وتبني رؤية موحدة بعيدا عن الازدواجية في المعايير التي تتحمل العبء الأكبر في انتشار ظاهرة الإرهاب، وحتى لا تدفع الشعوب والمقدسات ثمن صراع المصالح السياسية الذي نجح الغرب في تمريره إلى المنطقة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)
https://telegram.me/buratha