زينب عقيل
في مثل هذه الأيام قبل واحد وسبعين سنة، أنهى فريق البحث النووي الأميركي تجاربه العملية بإلقاء القنبلة النووية على هيروشيما وناكازاكي، خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت عملية إلقاء القنبلتين الشهيرتين مترافقة مع فريق تقني كامل لتصوير الانفجار العظيم، وكيف سيبدو من الجو، وكم هو قطره وارتفاعه. وقد ارتسمت ابتسامة الذهول من المشهد المهيب الناجح الذي جنته أيديهم.
المنظر الجميل الذي تسقط فيه أوراق زهور الكرز على سطح ماء نهر هيروشيما، لا يضاهي بنظر هؤلاء جمال الإنجاز: من السحب الذرية، إلى المطر الأسود والرياح الحارقة التي كشفت لحوم الناس إذ أسقطت جلودها.
تبددت العاصفة ولم ينتهِ الإنجاز بعد، فمن بقي من فئران التجارب "الملعوني الحظ" حيًا، كان يستيقظ صباحًا ويشعر بإرهاق شديد، ثم ينظر إلى وسادته فيجدها مليئة بشعر رأسه، وترتفع درجة حرارة جسمه حد الاحتراق فيقول: يا ألمي .. اقتلني، ثم يتقيأ دمه حتى الموت. ومن لا يموت، تتحول حروقه بعد 5 أعوام إلى ورم سرطاني ويخرج السوس من أذنه. وكانت تأتي سيارة جيب تقف أمام البيت، ويأتي أجنبي مع مترجم، ويطلب تسليم الجثة قائلًا بلطف: "من أجل البحث الطبي"!
وبعد 32 عامًا من البحوث والإحصاءات، أعرب مجلس الأمم المتحدة عن قلقه، وتم التستر على خسائر ومأساة القنبلتين، وفي تقرير تحت عنوان: "تأثير استخدام الأسلحة النووية على أمن واقتصاد الدولة بسبب السعي للحصول على الأسلحة النووية وتطويرها"، قُدر عدد الضحايا بـ 87 ألف شخص في هيروشيما و 27 الف في ناكازاكي قتلوا في الحال، وهو أقل من نصف العدد الذي قدرته البلديتان، وذلك في تقرير احتجاجي رفعته للأمم المتحدة. وبقيت أسرار القنبلة النووية بيد الولايات المتحدة الأميركية وحدها.
وفي الحرب العالمية الثانية أيضًا، مشهد "الهولوكوست"، وبحسب التعريف الاصطلاحي هو الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، وصف بأنه "حدث فريد لم يتكرر في تاريخ البشرية"، أنشئ له سبع متاحف، تبلغ ميزانية إحداها 50 مليون دولار، تمولها الميزانية الفيدرالية الأمريكية . وتفرضُ سبع عشرة دولة تدريس "الهولوكوست" في المدارس والجامعات.
وفي الذكرى الخمسين للحرب العالمية الثانية، أي عام 1995، قدم الرئيس السويسري اعتذارًا لليهود بسبب عدم السماح لهم باللجوء إليها، ولا زالت المصارف السويسرية تخضع للابتزاز اليهودي حتى اليوم. وأخيرًا وليس آخرًا، وقّعت الحكومة الألمانية على ثلاث اتفاقيات تلزمها بدفع تعويضات لضحايا المحرقة النازية، كان آخرها نهاية عام 2012. وشملت الاتفاقيات 80 ألف شخص جديد ادعت إسرائيل أنهم لم يُدرجوا من قبل في قوائم التعويضات، وتضم القائمة مبالغ مالية مجمعة، وأقساط شهرية، تدفع مدى الحياة. وتقدر القيمة الإجمالية للتعويضات التى دفعتها ألمانيا بأكثر من 65 مليار يورو. وعام 2014، وقعت فرنسا إتفاقية مع الولايات المتحدة تقضي بدفع فرنسا تعويضات ليهود من حاملي الجنسية الأمريكية، الذين تم نقلهم بواسطة شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية إلى ألمانيا بين عامي 1942 – 1944، وبلغت 60 مليار دولار. كما يدفع التعويضات عشر دول أوروبية أخرى يطول في عرضها المقال.
أما في تفاصيل المشهد: في حجرة غاز واحدة في معسكر "أوشفتز"، يضع النازيون دفعات من ألفين إلى ثلاثة آلاف يهودي كل نصف ساعة، حتى تمت إبادة 6 ملايين يهودي! وفي هذا الإطار، يقول الباحث الفيزيائي الفرنسي روبرت فوريسون والذي تعرض لأربع محاولات اغتيال: "أن أسطورة غرف الغاز النازية كانت قد ماتت يوم 21/2/1979 على صفحات جريدة اللوموند عندما كشف 34 مؤرخ فرنسي عجزهم عن قبول التحدي بصدد الاستحالة التقنية لهذه المسالخ الكيمائية السخيفة".
ويؤكد المؤرخ البريطاني ديفيد ايرفينغ عام 2004 في مقابلة على قناة الجزيرة، أن عدد اليهود في غرب أوروبا لم يتعد 3 ملايين حينها، ويضيف: "هذا هو مدى الأسطورة، أن ستة ملايين من اليهود ماتوا في المحرقة، وأن هتلر أمر بذلك، أو أنهم قتلوا في غرف الغاز،.. ولكننا لم نجد وثيقة واحدة على أن هتلر أصدر الأمر بذلك".
هيروشيما ونكازاكي مجددًا. في كتابه "هيروشيما وناكازاكي: مأساة القنبلة الذرية" يقول الكاتب تاكيشي إيتو وهو أحد المصابين: "المصابون الذين لم يكن لديهم أقارب خارج المدينة، لم يكن أمامهم إلا أن يرضوا بالحياة فوق الأرضين المحترقتين، اللتين قيل أنهما لن تصلحا للحياة قبل 75 عامًا". ويضيف: "حفر الناس البيوت المحترقة عسى أن يجدوا بعض اليقطين والبطاطا المحترقة، كانوا يصبرون على الجوع". وفي إطار حديثه عن البحوث الطبية التي أجريت على المصابين يؤكد إيتو أنه "لم يجرَ أي علاج لهم". بل "أُخذت الرسوم التي رسمها المصابون بالألوان المائية بالقوة، ومُنعت طباعة الدوواين الشعرية للمصابين". وذلك تحت بند الرقابة.
وتحت بند الدعاية، وظّف اليهود والاميركيون المحرقة لخدمة مصالحهم السياسية، وباتت شماعتهم لتبرير أفعال غير مقبولة . ويتم الترويج لهذه المحرقة "الملتبسة" والتي لم تثبت فصولها بعد، كحدث يجب أن تعتذر له ذرات الكون. وبين الرقابة والدعاية، تقف الذهنية الاستعمارية للشعوب. ويصبح الشتاء حارًا والصيف قارسًا تحت سقف الغلاف الجوي لكوكب الإنسانية، وتتضح السياسة الأميركية في إدارة الكون، السياسة التي لا ينفك العرب من الركض خلفها لاهثين.
آخر مشهد
فتاة مصابة ومشلولة من هيروشيما تقول: "أعيش الآن مع أمي ولكن اذا ماتت أمي ماذا افعل؟ أود أن أموت الآن. (توقف بالبكاء) لكن إذا متّ من يبلغ العالم عن بشاعة القنبلة الذرية".(تصفيق لم يتوقف).
https://telegram.me/buratha