شكلت التسويات أو ما بات يعرف بالمصالحات بين الحكومة السورية والفصائل المسلحة في عدد من المناطق والبلدات السورية عناوين إضافية في مسار المشهد السوري الدامي.
وكانت بمنزلة المتنفس لكلا الطرفين مع فروقات بين مصالحة هنا وأخرى هناك تبعا لواقع حال البلدة أو المدينة المعنية بها، علاوة على الرؤية الرسمية ومصالح الحكومة السورية العليا في تحديدها لخياراتها المطلوبة جراء هذه المصالحة.
في ميزان الربح والخسارة يبدو أن جميع الأطراف التي أنجزت مصالحاتها كانت رابحة والأمثلة على ذلك عديدة فمن تسويات ومصالحات حمص وتحديدا القصير وبقية أحياء المدينة وكذلك يبرود ومحيطها غرب العاصمة دمشق إلى تسويات برزة والقابون إلى التسوية التي يمكن وصفها بالأهم وهي تسوية داريا التي أنجزتها الحكومة السورية مع الفصائل المسلحة قبل حوالي أسبوع وقضت بتسليم السلاح الخفيف منه والثقيل للحكومة السورية وإخراج المسلحين من المدينة وتخييرهم بالبقاء مع عوائلهم في مراكز الإيواء التي أعدت لهم في بلدة حرجلة جنوب العاصمة وتسوية أوضاعهم أو خروج من يرغب إلى مدينة إدلب شمال البلاد مع إخراج أكثر من أربعة آلاف شخص من النساء والرجال كعوائل إلى مراكز الإيواء، فتم إخراج المسلحين السبعمئة إلى إدلب ممن رفض تسوية وضعه ونقل الباقون مع العوائل إلى مراكز الإيواء، وما إن أعلن عن بدء تنفيذ اتفاق داريا وإخراجها من دائرة الصراع العسكري مع الحكومة السورية وإطفاء أحد أكثر البؤر العسكرية تهديدا للعاصمة دمشق حتى سرت الأحاديث عن وجود تفاهمات واتصالات لإنتاج تسوية في مدينة المعضمية الملاصقة لداريا والتي شكلت خزان دعم لوجستي وتسليحي كبير لمسلحي داريا بسبب اتصالها مع الحدود الجنوبية للبلاد المفتوحة باتجاه درعا والقنيطرة وريفهما، وبدا أن هذه الأحاديث لم تأت من فراغ خاصة وأن المعضمية كانت من أولى المدن السورية التي أنتجت تسويتين في عام واحد هو 2013، وسرعان ما تحولت الإشاعات إلى واقع ملموس وهذا ما أفصح عنه السيد حسن غندور مسؤول ملف المصالحة في المعضمية في اتصال هاتفي مع مكتب قناة (آر تي) بدمشق حيث أكد أن الاتفاق تم إنجازه بشكل نهائي مع الفصائل المسلحة وتم الاتفاق على البنود المدرجة في نصه كافة على أن يبدأ تنفيذه بعد اثنتين وسبعين ساعة من تنفيذ اتفاق هام وهو إخلاء مدينة المعضمية من مسلحي داريا الموجودين فيها، وأجمل بنود الاتفاق بالآتي:
1-تسوية أوضاع المطلوبين والمنشقين والفارين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية تسوية شاملة.
2-تسليم السلاح بالكامل على عدة مراحل.
3-تشكيل مجموعات للوقوف مع أبناء المدينة الى جانب الجيش السوري ضد أي خطر يهددها من قبل التنظيمات الارهابية .
4-العمل على إخراج الموقوفين.
5-إعادة اعمار ما تم تدميره وإصلاح البنية التحتية للمدينة.
6-دخول جميع مؤسسات الدولة إلى المدينة وعلى رأسها مخفر الشرطة.
7-السماح للمنظمات الدولية والمحلية بالتنسيق مع الحكومة السورية وتقديم المساعدات لأهالي المدينة.
8-من لا يرغب من أبناء المعضمية في تسوية وضعه يتم إخلاؤه إلى ريف حلب أو ريف إدلب.
وأشار السيد غندور إلى أن هذا الاتفاق جرى بوجود الضامن الروسي.
أما في حي الوعر الحمصي فإن التسوية قد تم انجازها مبدئيا من خلال الاتفاق على تهدئة ووقف العمليات العسكرية وعمليات القصف المتبادل تمهيدا لتطبيق اتفاق التسوية الذي لا يبدو مغايرا لغيره من اتفاقات التسوية التي حصلت في أماكن أخرى، وفي هذا الصدد تحدث محافظ حمص الدكتور طلال البرازي الى مكتب (آر تي) بدمشق موضحا أن التهدئة المتفق عليها تمهد لبدء تنفيذ بنود الاتفاق الشامل الذي يقضي بإخلاء حي الوعر من المسلحين كافة ومن جميع أنواع وصنوف السلاح وتسوية أوضاع أبناء الحي الراغبين بذلك والسماح لمن لا يريد تسوية وضعه بمغادرة الحي إلى ريف إدلب، وأضاف محافظ حمص أن المدة المتفق عليها لإتمام تنفيذ الاتفاق هي ثلاثة أسابيع تبدأ مع ساعة إعلانه رسميا، مشيرا إلى أن الإعلان عنه سيكون خلال الساعات القليلة المقبلة. وبذلك يمكن القول إن اتفاق حي الوعر في حال تنفيذه سيعني خلو مدينة حمص كاملة من أي مسلح وسلاح غير رسمي كونه الحي الأخير الذي بقي فيه السلاح والمسلحون.
على مدار الأزمة السورية التي تجاوزت السنوات الخمس بدا واضحا أن البلدات والمناطق التي يوجد فيها مسلحون من جنسيات غير سورية سواء أكانت هذه الجنسيات عربية أو أجنبية لا تدخل في مثل هذه التسويات ولا يتم طرحها أساسا إلا على المسلحين السورين وهو ما تجلى في التسويات الكثيرة التي حصلت في غير مدينة سورية حيث يوجد مسلحون سوريون وكان لهم الأمر في ما يعتنقون من أفكار وبالتالي صار لهم الأمر أيضا في ما يرغبون من تغييرات في مسار حياتهم وقناعاتهم، طبعا في ظل هذا المشهد السوري المعقد والمتشابك تبرز الظاهرة الاستثنائية في حياة المجتمع السوري وهي ظاهرة تنظيم داعش الإرهابي ومن الطبيعي أن لا يكون له أدنى اهتمام على أجندة هكذا تسويات لسببين الأول يتمثل بالقيادات والعناصر الأجنبية الغريبة كليا عن السوريين وامساكها بزمام الأمور بشكل حاسم دون أي دور أو تأثير لرأي يناقض منهجهم، والسبب الثاني أن الإيديولوجية المهيمنة على التنظيم تحرم وتمنع مثل هكذا تفكير مع الخصوم.
عبد الحميد توفيق
https://telegram.me/buratha