وأضافَ رشاد سلامة: “بعد علي والحسين زار والدي سماحة العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين الذي طلب منه أن يكون أول شاعر عربيّ ينظم ملحمة شعريّة، فوجد والدي نفسه أمام بطلٍ حقيقيٍّ وليسَ بأسطوريّ كأبطال بقية الملاحم اليونانيّة أو الهنديّة. فكان الإمام علي محور ملحمته التي تضمنت أربعة آلاف بيت شعري. وكانت “عيد الغدير”بكر الملاحم العربية وأول ملحمة عربية في الأدب العربيّ، ومدارها التاريخ الإسلاميّ وواقعة الغدير والإمام عليّ كبطل عظيمٍ لها بصورةٍ خاصّة.” مقلبا بعض الصفحات امامه، يستشهد رشاد سلامة بما ذكره والده في مقدمة الكتاب:” رب قائل يسأل لم آثرت عليًا دون سواه من أصحاب محمد بهذه الملحمة، ولا أجيب على هذا السؤال لأن الملحمة كلها هيَ جوابٌ عليه”.
ويتابع سلامة عن حالة والده الصحية: “كان والدي مقعدًا ولم يستطع الوصول لمجمل المكتبة، إذا كان يتوجّب عليه أن يستعين بأحد منا للوصول للكتب، أما الكتب التي كانت بقربه دومًا هي القرآن الكريم وكتب المفسرين التقاة ونهج البلاغة الذي قرأه أكثر من ألف مرّة، فكان شخصية مسيحية تملك مثالًا أعلى يتمثل بآل البيت المكرمين، مضيفًا أنه عندما كتب ملحمة “عيد الغدير” كتبها بكامل إرادته وقناعته واعتبر أن مصدر إلهامه هو هاتين الشخصيتين العظيمتين بالمعنى الإيماني وكلّ ما علموه على مستوى المجتمع من حكم ومواعظ وخطب، فكان إنسانًا عاشقًا لشخص الإمام علي”. بولس سلامة والمراجع الدينية
وحول علاقة بولس سلامة مع المراجع الدينيّة، وما الذي دفع السيد عبد الحسين شرف الدين أن يطلب من بولس سلامة أن ينظم هذه الملحمة، نوه سلامة بشخص السيد شرف الدين مشيرًا إلى عظمته إيمانيًا ووطنيًا على مستوى لبنان، معتبرًا ما كتبه السيد شرف الدين في زمن الانتداب يبيّن بشكل واضح كيف يجب للبنان ومجتمعه أن يكون.
وأضاف سلامة: “إلى جانب هذه الشخصية التاريخية العظيمة، كان الإمام موسى الصدر الذي لعب دورا رديفًا لتعاليم العلامة شرف الدين ونهضَ بدور عظيم على مستوى لبنان، وربطته علاقة طيبة مع والدي وزاره عدة مرّات في بيتنا الذي أصبح مقصدا لنخبة من علماء الدين من لبنان وخارجه”. وتأسى الشاعر الراحل بولس سلامة بالإمام علي والإمام الحسين وكان خلال عذاباته وآلامه الصحية يستحضر عذابات وآلام هذين الامامين فكانت دموعه تبلل وسادته خلال نظمه مصرع الحسين عليه السلام. علاقة بولس سلامة بالامام علي
وحول ما دفع بولس سلامة للقراءة للإمام علي عليه السلام، أجاب نجله، ان “بولس سلامة كان مولعًا بالقرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، أما أول علاقة لهُ مع الإمام علي كانت أربعة أحاديث ألفها للإذاعة اللبنانية، فكتب عن الإمام علي اول حديث بعنوان “علي فارس الاسلام”, الثاني:”علي أمير الكلام”, الثالث:”علي الزاهد المتصوف”, جميعهم بلغة النثر. هذه الاحاديث جعلته يعتبر أن الامام علي محكوم بوقت معين, بينما الامام عنده يستحق وقت أكثر بكثير من أن يكتبه نثرا محكوما لصوت الدقائق التي كانت تتاح له على الإذاعة. من هنا ذهب والدي للمطولة الشعرية الرابعة “علي والحسين”, التي في خاتمتها قال: “يا اله الأكوان أشفق علي, لا تمتني غب العذاب شقية, أولني أجر عامل في صعيد الخير يبغي ثوابك الأبدية, مصدر الحق لم أقل غير حق أنت أجريته على شفتيا, أنت ألهمتني مديح علي فهما خندق البيان علي, وتخيرت للأمير وأهل البيت قلبا آثرته عيساويا..” ويتابع حديثه عن هذه الأبيات, التي من خلالها اختصر والده كل ما يريد الحديث عنه حول الامام علي (ع), وتابع سلامة القصيدة:”يا علي العصور هذا بياني, صغت فيه وحي الامام جلي, أنت سلسلت من جمانك للفصح, ونسقت ثوبها السحرية, يا أمير البيان هذا وفائي, أحمد الله أن خلقت وفيا, وهو جهد المريض ليس عليه من جناح إن لم يدق الثرية, أتلوى على الجراح صباحا, ويفت النسور عظمي عشيا, كدت أقضي لولا النهى والتأسي ونعيم أصوغه وهميا, أتأسى بإبن البتول فيوليني عزاء وبلسما معنويا, فاسم عيسى على الشفاه حبيب, طاب وقعا على القلوب نديا, أتأسى بالأكرمين خصالا لم يصيغو في العمر شربا مريا, بالذي باكرة الشهادة بدريا وأعلى إكليلها الكوفية, بجراح الحسين في كل جرح يجد الصبر كهفه الأزلية”. مصرع الإمام الحسين والوسادة المبللة
لم يكن بولس سلامة يحيي جميع المناسبات الدينية, بحسب ابنه رشاد, لكن في كل عاشوراء كان هناك مجلس عاشورائي في بيته حتما, “كان يخبرنا ما معنى عاشوراء والثورة الحسينية, وكيف افتدى الامام الحسين دينه بحياته وحياة أقرب الناس له من أصحابه وعائلته, فعندما سألته في الليلة العظيمة أي ليلة عاشوراء عن سبب بلل الوسادة كان جوابه الكامل الذي لا أنساه: يا بني نظمت الليلة مصرع الامام الحسين في كربلاء, لقد كنت الليلة في كربلاء. أي أنه انتقل بخياله ووجدانه الى كربلاء حتى يكتب القصيدة”. مشيرا الى أن بعد عيد الغدير له عدة قصائد أيضا, للإمامين علي والحسين (ع).
وتابع سلامة حديثه واصفًا والده كأحد مدارس الإمام عليّ عليه السلام، مشيرًا إلى أن والده كان يجمعهم في عاشوراء هو وأخوته ليلقيَ عليهم قصائد نظمها بحقّ هذه المناسبة الأليمة. فكان اليوم العاشر من محرّم هو مجلس عاشورائيّ بحقّ في بيت بولس سلامة.
وأوضح سلامة أن والده كان ينافس المتنبي بقصائده, عندما قال:”أنا المسيحي أبكاني الحسين, وقد شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي..”, فكان بهذه القصيدة يضارع المتنبي وكانت من أهم خصال والدي منافسته”.
وكشف سلامة انه يفخر بتلبية دعوات المجالس العاشورائية في لبنان, ليقول:” بيت بولس سلامة كان احدى مدارس الامام علي (ع), بمعنى أن هذا كلام يغني عن الشرح والتعبير, وأفاخر بأن الشاعر والأديب العظيم بولس سلامة والدي, الذي علمني عن الامامين علي والحسين, ونظم العديد من الشعر, وأفاخر به بشكل خاص أنه شاعر أهل البيت وصاحب علي والحسين (ع) وعيد الغدير.
ووجه رسالة لموالي أهل البيت بأن يفهموا ما معنى عيد الغدير, الذي هو واقع لا يمكن انكاره, صحيح أن هناك من يجادل بهذه البيعة لكنها حقيقة ثابتة بالتاريخ, فقال:”إن والدي لجأ الى علماء من أهل السنة وقد اعترفوا له ان المبايعة للأمير علي (ع) صحيحة”, متأسفا على من يثير الخلاف في هذه المناسبة لأنها موثقة تاريخيا بألسن العديد من علماء أهل السنة, الذين استشهد بهم والده أكثر مما استشهد بعلماء لأهل الشيعة, كي يكون موثقا أمينا على التاريخ. وختم سلامة ببيت شعر لوالده بولس: ” كان وهجُ الشروقِ يومَ حِراءٍ وجلالُ المغيبِ يومَ الغديرِ “. حسين شمص-شفقنا
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha