اما مضمون هذه المعلومات المغلوطة فهو " وجود قيادات حوثية " في موقع محدد من مدينة صنعاء، والتي قدمتها " جهة " تابعة لهيئة الأركان العامة اليمنية مع " اصرار منها "، على حد تعبير البيان ، على استهداف الموقع " بشكل فوري " باعتباره " هدفا عسكريا مشروعا " مما ادى الى قيام مركز توجيه العمليات الجّوية في الجمهورية اليمنية بالسماح بتنفيذ العملية دون الرجوع الى " قيادة قوات التحالف لدعم الشرعية " ودون اتباعها الاجراءات الاحترازية المعتمدة من قيادة قوات هذا التحالف للتأكد من عدم وجود الموقع ضمن المواقع " المدنية محضورة الاستهداف " ووجّه هذا المركز " احدى الطائرات " السعودية الموجودة في المنطقة لتنفيذ المهمة (!!)
ولم ينس تقرير نتائج التحقيق ان يستدرك ....انه " لا يزال يجمع التقارير والمعلومات التي تشير الى قيام " اطراف أخرى في موقع الحادث " باستغلال ما جرى من استهداف خاطئ للموقع لرفع عدد الضحايا " مع التأكيد ان " الفريق " سيستمر بالتحقيق في ملابسات الحادثة بالتنسيق مع الأجهزة المعنية في " الحكومة الشرعية "والدول المعنية والاعلان عن اي نتائج يتم التوصل اليها في حال انتهائه ....
واضح اننا امام مجموعة من المغالطات والفبركات التي لا تفلح في ستر حقيقة ما حصل او تبريره او القاء تبعته على كبش فداء سواء كان افرادا او جهات يمنية .... وهذه اللغة عن " قواعد الاشتباك "و " الإجراءات الاحترازية المعتمدة " والتأكد " من المواقع المدنية محضورة الاستهداف " تبدو مضحكة على لسان النظام السعودي وتحالفه اتجاه عشرات وربما مئات الاستهدافات المدنية خلال ما يقرب من سنتين من الحرب طالت الأسواق الشعبية والمدارس والمساجد والمستشفيات والمواقع الآثارية والتراثية حتى ان شهودها من الجهات الاجنبية امثال اطباء بلا حدود او هيومن رايتس ووتش او اليونسكو اعربوا مرارا عن الاشمئزاز وضجوا بالشكوى من هذا التعمد الواضح في استهداف المواقع المدنية... وهو يتناقض أصلا مع كل بنية وسلوك مملكة الدم خلال اكثر من 300 عام من القتل والترويع سواء بالنسبة للسكان المحليين او لل" اعداء " الخارجيين منذ ان كانوا قبائل وامارات صحراوية وحتى القرن الحالي الذي اصبحوا فيه دولا مجاورة ....
ان الأمر الجدير بالفحص الدقيق والتمعن والمثير ، بالفعل لشبهات قوية ، هو النفي القاطع من قبل النظام السعودي ،في البدء لكون المجزرة ناتجة عن القصف الجوي حيث اعلن ان اي من طائراته لم تكن في الاجواء ساعة وقوع القصف رغم ان الفلم / الوثيقة الذي صور من قبل احد المواطنين كان يظهر بجلاء وبالصوت والصورة الضربة الثانية هائلة التدمير التي وجهتها الطائرة الى المبنى الذي كانت قد قصفته قبل لحظات .
اذن فقد نفت السعودية حصول غارة وخرج الجنرال " ديفيد عسيري" مؤكدا ان جميع طلعات الطيران تجري وفق قواعد اجراءات لا تقبل الخطأ ولا مجال فيها للصدفة فهي تقلع لضرب هدف محدد وتتم متابعتها من المركز او القاعدة بالصوت والصورة وبعد التحقق من ضرب الهدف والقاءها القنبلة عليه وليس على غيره تعود لقراءة تسجيل بيانات المعلومات الموثقة فيها كما ان المعلومات الاستخبارية التي يتم على اساسها تحديد هدف الطلعة لا تمر الاّ بعد ان تعالج ويجري تدقيقها في اكثر من جهة !! بمعنى ان السيد " ديفيد عسيري " كان قد نسف ، سلفا ، كل ادعاءات بيان فريق التحقيق وفبركاته !
وفي الوقت الذي نفت فيه السعودية تصدت " داعش " للأمر وأعلنت مسؤوليتها الكاملة عن المجزرة بل واعلنت " قصة " مفصّلة لتفجير انتحاري مزدوج واوردت فيه " تفصيل هويات الأخوة الأستشهاديين " الذين استهدفوا مجلس العزاء ! ، وهذا اخطر ما في الموضوع ، اذ انه يفضح ان هناك تنسيقا وتبادل ادوار بين داعش والمملكة تتبنى فيه الأولى ما لا يمكن للثانية تبنيه لأي سبب من الأسباب .
ولكي تتلافى مملكة آل سعود وفريقها التحقيقي تهمة التنسيق وتبادل الأدوار مع داعش حرصت على اضافة فقره الى بيانها الذي أقرت فيه قصف طيرانها لقاعة العزاء في صنعاء ولكن بناءا على " معلومات مغلوطة " تتضمن الاشارة الى وتأكيد صحة ادعاء داعش ايضا ، حيث قالت ان " الوقائع والمجريات تشير الى ان هناك اطرافا اخرى عملت على زيادة اعداد الضحايا "!! فما هذا التوافق الغريب وكيف علمت داعش ان الطيران السعودي سيستهدف المكان فهيأت انتحارييها ؟! فأذا صحّت الرواية فأن داعش اعدت انتحارييها بناءا على تنسيق واتفاق مسبّق مع غرفة عمليات التحالف السعودي اما اذا لم تصّح ، وهو الشيء المؤكد ، فأنها تنسق مع السعودية على اعلى المستويات وتعلن من البيانات والادعاءات ما يناسب مصالح المملكة وما تقتضيه ظروفها وانها تأتمر ، حقا ، بأمرها .
ان ما تسبب بهذه الفضيحة وهذا الأرباك في تلافي وقائعها ومحاولة الأحاطة بنتائجها هو حدث عابر وربما عفوى اخرج المسرحية كلها عن النص المقرر ذلك هو الفلم الذي سجل بالصورة والصوت الغارة الثانية للطيران السعودي على نفس المكان وكيف ان القنبلة الثقيلة التي القيت ادت الى تناثر المبنى في الجو والى ارتفاعات عالية ولا يمكن ان ينتج عن اجتماع حتى عشرة انتحاريين !!، ان الصدفة وحدها هي التي قادت الى كشف الجريمة وألا لمضت السعودية في ادعاءاتها حتى النهاية ولانطلت ،ربما ، ادعاءات تفجيرات داعش الانتحارية وعدم مسؤولية " تحالف اسناد الشرعية " على الجميع ، اسّوة بعشرات الوقائع ليس في اليمن فحسب بل وفي كل مكان تقاتل فيه الشعوب العربية ضد العدوان وادواته المحلية من دول وحكام وجيوش وفرق موت سوداء تعمل تحت رايات اشّد سوادا ....
ان قراءة متمعنه وفحصا للأطر والسلوكيات التي رافقت هذه الفضيحة يمكن ان تلقي اضواء كاشفة على واقعة ابعد زمنا وتبدو غير ذات صلة هي حادثة تفجير برجي التجارة العالمية في نييورك في 1/9 / 2001غيران عالما تحكمه وتحاول ان تتحكم بكل مقدراته قوى الشر والجريمة البعيدة عن كل خلق سام وعاطفة انسانية نبيلة يمكن ان ينطوي على الكثير مما يبدو غريبا وبلا صلة لأول وهلة .....
وللمقال صلة .....
aw56maroof@yahoo.com
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha