كثيرا ما يتشدق بعض الذين يرفعون لواء القومية العربية زورا ، من الذين كانوا يعتاشون على دولارات النفط العراقي عقودا طويلة ، بان الطاغية صدام كان علمانيا ، وان البعثيين الذين حكموا العراق قرابة اربعة عقود ، لم يكونوا طائفيين ، حتى بعد ان ثبت بالصوت والصورة ان 90 بالمائة من “دواعش” العراق هم من البعثيين الصداميين.
اصرار اشباه القوميين العرب على هذه الكذبة الفاضحة ، استمر حتى بعد ان كشفت التقارير الامنية والصحفية الغربية ، عن هيمنة كبار ضباط الجيش العراقي والحرس الجمهوري والحرس الخاص وفدائيي صدام ، على الهيكلية القيادية في “داعش” ، وفي “القاعدة” ، وفي جميع العصابات التكفيرية الاخرى التي ظهرت في العراق بعد عام 2003.
اغلب المراقبين للشأن العراقي ، يؤكدون على ان جذور الجماعات التكفيرية في العراق تعود الى فترة حكم الطاغية صدام ، وخاصة في مرحلة “الحملة الايمانية” التي قادها النظام الصدامي في العراق ، بعد هزيمته في الكويت ، حيث أمر الطاغية بكتابة القران الكريم بدمه ، وطفت على سطح المشهد الاجتماعي في العراق ظواهر لم يألفها المجتمع العراق ، حيث سمح الطاغية للتلفزيون ان يخصص ساعات طويلة لبعض وعاظ السلاطين للحديث في قضايا الدين ، كما كان يتم العثور كل يوم على جثث نساء مقطوعات الراس في الطرقات والازقة ، الى جانبها قصاصات ورق تؤكد ان الضحايا مومسات.
المراقبون للمشهد العراقي قبل سقوط الطاغية ، كانوا يؤكدون ان النظام وبعد هزيمته في الكويت ، وما تبعها من فرض حصار شامل على الشعب العراقي ، رأى ان جميع الابواب موصدة في وجهه امام العودة الى المجتمع الدولي ، وكذلك الخوف من قيام ثورة شعبية ضده ، بسبب الاوضاع المزرية التي عاشها الشعب العراقي على مدى عقد كامل من الحروب والدمار ، بدات من الحرب التي فرضها النظام الصدامي على الجمهورية الاسلامية في ايران ، وكذلك غزو الكويت ، وحروبه المتعددة مع الاكراد ، وقمعة للانتفاضة الشعبانية ، فكل هذه القضايا دفعت النظام الصدامي الى ان يشهر سلاح الدين في بعده الطائفي المقزز ، وان يكشف عن حقيقته التي طالما حاول التغطية عليها بشعارات الاشتراكية والعلمانية ، عندما كانت الامور تسير على هوى الطاغية صدام.
من اكبر المدفعين عن الطاغية صدام ،هو الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان ، الذي كان ومازال يدافع عن الطاغية ونظامه ، كلما سنحت له الفرصة ، ومنددا بالمقابل بالنظام العراقي الجديد ، عبدالباري هذا ألف كتابا قبل سنوات تحت عنوان “الدول الاسلامية ، الجذور التوحش المستقبل” ، اكد فيه وبشكل قاطع ان “الدواعش” ليسوا سوى البعثيين الصداميين ، ولكنه حاول جاهدا ان يحمل النظام العراقي الجديد مسؤولية انتقال البعثيين الصداميين من “العلمانية والاشتراكية ” الى “الداعشية” و “القاعدية” ، هكذا وبجرة قلم.
التوحش البعثي الصدامي ، الذي يعرفه العراقيون جيدا ، هو الذي ظهر جليا في مجزرة سبايكر ، فطريقة قتل نحو 2000 شاب من الشيعة في اقل من ساعة ، وطريقة الاعدام التي اظهرتها التسجيلات ، كانت بعثية صدامية بالكامل ، وهو ما تأكد لاحقا بعد التعرف على منفذي تلك المجزرة ، والقاء القبض على بعضهم ، فلم يكونوا سوى مرتزقة النظام الصدامي البائد ، من ضباط جيشه و مخابراته وحرسه الجمهوري ووحرسه الخاص ومن فدائييه.
اليوم وعلى وقع معركة تحرير الموصل ، حاول “الدواعش” رفع معنويات مسلحيهم المنهارة ، ولاشغال الجيش العراقي والحشد الشعبي ، عبر شن هجوم على مدينة كركوك يوم الجمعة الماضية ، اسفر عن مقتل وجرح المئات من المدنيين وقوات الشرطة في المدينة ، ولم يمر على الهجوم الفاشل سوى يومين ، حتى تبين ان اغلب المهاجمين “الدواعش” هم من البعثيين الصداميين.
قائد شرطة الاقضية والنواحي في محافظة كركوك ، العميد سرحد قادر ، اعلن عن إعتقال احد المشاركين في هجوم “داعش” على كركوك ، وهو المدعو نزار حمود عبد الغني ابن خال الطاغية صدام ، في قضاء داقوق ، داخل صهريج مخصص لنقل الماء، وضبط بحوزته 4 بنادق، وذخيرة ، وعدد من القنابل والمتفجرات.
وأوضح سرحد قادر ان ابن خال الطاغية كان يعمل في السابق ضابطا في جهاز الامن الخاص بصدام ، وان اشقائه ، وهم من الصداميين المعروفين ، يعملون حاليا مع “داعش” في جنوب غربي كركوك.
يبدو انه من الصعب جدا التذرع بخروج العراق من قبضة البعثيين الصداميين ، لتبرير تحول هؤلاء البعثيين الصداميين “الاشتراكيين العلمانيين اليساريين” الى “دواعش” وبهذا الشكل الصارخ ، لولا وجود ارضية عقائدية صلبة كان يقف عليها هؤلاء الناس منذ البداية ، والتي لم تكن ظاهرة للعيان ، لعدم وجود مبررات لذلك ، عندما كان العراق من شماله الى جنوبه ضيعة لصدام ومرتزقته ، بعثيو الامس داعشيو اليوم.
https://telegram.me/buratha