التقارير

حلب-الموصل، كيف الخروج من المتاهة ؟

1516 2016-11-14

ترجمة :عقيل الشيخ حسين 

الكاتب : Pepe escobar
عن موقع   Mondialisation/ca  الالكتروني  
20 تشرين الأول / أكتوبر 2016

لا شك بأن بغداد تحتاج إلى استعادة الموصل من داعش. لم يكن بإمكانها أن تفعل ذلك من قبل. أما اليوم، فقد أصبح ذلك ممكناً من الناحية النظرية.
المشكلة الحقيقية تتمثل بالدوافع المتعارضة للأطراف المعنية بالصراع ودور كل منها. يمكننا أن نحصي بغير انتظام اللواء التاسع من الجيش العراقي، البيشمركة الأكراد بقيادة الانتهازي الفاسد المحتال برزاني، شيوخ القبائل السنية، عشرات الألوف من الميليشيات الشيعية القادمة من جنوب العراق، الإسناد العملياتي من قبل القوات الخاصة الأميركية، القصف الجراحي من قبل الطيران الأميركي، أو الضربات الموجهة بشكل غير معلن من قبل القوات الخاصة والطيران التركيين. تلكم هي الوصفة المؤكدة لضمان حدوث المتاعب.
شأنها شأن حلب، الموصل هي، على وجه الدقة، قضية تاريخ مفعم بالأحداث الكبرى. هي وريثة نينوى القديمة التي بنيت قبل ثمانية آلاف عام، وهي العاصمة القديمة للإمبراطورية الأشورية في أيام الملك سنحاريب في القرن السابع قبل الميلاد. اكتسحها البابليون في القرن السادس قبل الميلاد، وبعد ألف عام على هذا التاريخ، أصبحت تابعة [بعد الفرس واليونان والرومان والبيزنطيين – المترجم] للإمبراطورية الأموية، ثم العباسية. خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، أصبحت في القرون الوسطى قاعدة دولة الأتابكة، ومرفقاً أساسياً للعثمانيين على طريق الحرير  في القرن السادس عشر، لتسيطر بذلك على كامل الطريق الممتدة من المحيط الهندي إلى الخليج الفارسي ومنه إلى وادي دجلة وصولاً إلى حلب وطرابلس على البحر المتوسط.


بعد الحرب العالمية الأولى، كان الجميع -من فرنسا إلى تركيا- يطمحون إلى الاستيلاء على الموصل. لكن البريطانيين هم الذين نجحوا في مخادعة فرنسا عندما مكنوا العراق الذي كان قد أصبح مستعمرة بريطانية من ضم الموصل. ثم جاءت الفترة الطويلة من حكم حزب البعث العربي الاشتراكي. وفي العام 2003، وبعد عملية "الصدمة والرعب" والجحيم المرافق لها، جاء اجتياح العراق ثم احتلاله من قبل الولايات المتحدة، وأخيراً آلت الأمور إلى  الاضطراب الذي رافق حكومة نوري المالكي في بغداد وسيطرة داعش على المدينة في صيف العام 2014.
لا يمكن للتوازيات التاريخية ذات الصلة بمدينة الموصل إلا أن تأخذ طعماً خاصاً. فالدولة التي قامت في القرون الوسطى، خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، حدث لها أن قامت بشكل تقريبي ضمن الحدود الحالية لدولة الخلافة الكاذبة، وضمت كلاً من الموصل وحلب. ففي العام 2004، كانت الموصل فعلاً تحت حكم الجنرال القميء والفاشل دايفيد بترايوس بهيئته الرئاسية. بعد ذلك بعشر سنوات، أي بعد الصعود التافه لبترايوس، أصبحت الموصل تحت حكم الخلافة التي لا تقل تفاهة والتي أقيمت [من قبل الولايات المتحدة وعدد من الأطر القدماء في الجيش العراقي المهزوم] في أحد السجون الأميركية القريبة من الحدود الكويتية.
منذ ذلك الحين، غادر الموصل مئات الألوف من سكانها. أي ما يقرب من نصف سكانها البالغ عددهم في الأصل حوالي مليوني نسمة. وهذا العدد كبير جداً فيما إذا كان لا بد من تحريرها بطريقة لا لبس فيها.

سقوط حلب
الرواية السائدة حول المعركة التي تتواصل فصولها في شرق حلب هي التالية : هنالك محور شر هو عبارة عن اكتشاف جديد حققته هيلاري كلينتون [بعد المحور الذي اكتشفه جورج بوش الابن والذي ألبس حلة جديدة بإضافة روسيا إليه وإخراج العراق منه]. هذا المحور يتألف من روسيا وإيران والنظام السوري. وهو يقصف بلا توقف أو هوادة [بحسب قولهم] مدنيين أبرياء ومتمردين معتدلين ويدخل المدينة في أزمة إنسانية مرعبة.

الأكثرية الساحقة من الوف المتمردين المعتدلين ينضوون تحت علم جبهة فتح الشام ، أي لا شيء غير جبهة النصرة  التي نعرفها تحت اسم تنظيم القاعدة في سوريا. ويضاف إليها جمع من التنظيمات الإرهابية من قبيل "أحرار الشام".

وهنالك عدد من المدنيين العالقين داخل حلب الشرقية، لا أكثر من ثلاثين أو أربعين ألفاً من أصل ثلاث مئة ألف هم مجموع سكان المدينة.
وكل هذا يقودنا إلى لب المشكلة ويفسر لجوء البنتاغون إلى إفشال الهدنة الروسية-الأميركية، ونوبات السعار التي تجتاح المعتوهة سامنتا بوير التي أعماها حب السلطة، إضافة إلى المهزلة الدائمة المتمثلة باتهام روسيا بأنها ترتكب جرائم حرب في حلب.
وإذا كان هنالك من سلطة لدمشق، خارج حدود العاصمة وحلب وحمص وحماة واللاذقية، فإنها تشتمل على 70 بالمئة من السكان وعلى جميع المراكز الصناعية والتجارية الأساسية. ما يعني أن المسألة في حكم المنتهية. أما الأجزاء المتبقية فهي مناطق ريفية تكاد تكون خالية من السكان.

بالنسبة للفراخ بلا أدمغة، أي أولئك الذين يرسمون السياسة الخارجية التي تعتمدها إدارة أوباما حالياً، لم يكن وقف إطلاق النار في حلب غير وسيلة لكسب الوقت وإعادة تسليح أولئك الذين تعتبرهم واشنطن ثواراً معتدلين.
ومع هذا، فإن ذلك كان متعباً للبنتاغون الذي يواجه تحالفاً سورياً إيرانياً روسياً مصمما على المواجهة مع جميع التنويعات السلفية-الجهادية المجنونة (أياً تكن صفاتها) ، وملتزماً بالمحافظة على وحدة سوريا.

عليه، فإن استعادة حلب لا بد وأن تكون ذات أولوية مطلقة بالنسبة لدمشق وطهران وموسكو. وفي ما يتعدى ذلك، فإن الجيش العربي السوري لن يمتلك ما يكفي من القوة لأن يستعيد بالوسائل العسكرية المناطق الريفية النائية من البلاد، وهي مناطق سنية حتى العظم. كما أنه لن يتمكن من استرجاع الشمال الكردي، أي كردستان السوري الجنيني. فالواقع أن "وحدات حماية الشعب الكردي" تتلقى دعماً مباشراً من قبل البنتاغون. كما أن قيام كردستان كردي مستقل في سوريا لا يمكن إلا أن يكون مشكلة بلا نهاية ولا بد من إيجاد حل لها في المستقبل.
ثم إن الجيش العربي السوري مثقل بالمهام إلى أبعد الحدود. لذا، فإن العمل من أجل استعادة القسم الشرقي من حلب صعب جداً. وهنالك مشكلة إنسانية. وهنالك خسائر جانبية. وكل هذا ما يزال في بدايته. لكن الجيش العربي السوري المدعوم من قبل حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية لا بد له من استعادة شرق حلب عسكرياً وبإسناد من المقاتلات الحربية الروسية.
لب المشكلة هو في كون ما كان يسمى بالجيش السوري الحر الذي استوعبه تنظيم القاعدة في سوريا وغيره من التنظيمات السلفية الجهادية قد أصبح على وشك خسارة حلب الشرقية. فتغيير النظام في دمشق وتنحية الأسد بالوسائل الحربية أصبح الآن من المستحيلات. من هنا اليأس الكبير الذي يظهره آش كارتر، سيد البنتاغون وإمبراطور البكائين، كما تظهره خلايا المحافظين الجدد المزروعة في كل مكان داخل فريق البطة العرجاء أوباما، وما يحيط بكل هؤلاء من قطعان الإعلاميين العملاء.
وهنا، تظهر الخطة ب على المسرح : معركة الموصل.

الرجوع إلى الفلوجة
خطة البنتاغون بسيطة ولكن على سبيل المخادعة : هدفها محو كل ما يعنيه وجود دمشق وجيشها العربي السوري إلى الشرق من تدمر. وهنا بالذات تلتقي معركة الموصل مع الهجوم الجوي الذي شنه البنتاغون على دير الزور [والذي أدى إلى مقتل 80 جندياً سوريا]. إذ حتى لو حصل هجوم خلال الأشهر القادمة على الرقة من قبل وحدات حماية الشعب الكردي، أو حتى من قبل القوات التركية، فإن إمارة سلفية ستكون قائمة في شرق سوريا وصولاً إلى الحدود العراقية الغربية. وكل ذلك يتم تماماً وفق الخطة التي حلمت بها ورسمتها وكالة  الأمن القومي الأميركي.

فقد أكد المؤرخ السوري المقيم في لندن نزار نيوف، إضافة إلى العديد من المصادر الديبلوماسية التي لم تفصح عن هويتها، أن واشنطن والرياض قد اتفقتا على تمكين آلاف الجهاديين التابعين لدولة الخلافة الكاذبة من مغادرة الموصل نحو الغرب أي مباشرة نحو سوريا. إن نظرة على خارطة  المعركة تظهر أن الموصل قد أصبحت محاصرة من جميع الجهات... ما عدا الجهة الغربية.
ماذا عن السلطان إردوغان في كل هذا ؟ هو يتخيل أن القوات الخاصة التركية ستدخل إلى الموصل بالشكل الذي دخلت فيه إلى جرابلس على الحدود التركية السورية، دون أن تطلق رصاصة واحدة، بعد أن تكون المدينة قد نظفت تماماً من الجهاديين.
وفي هذه الأثناء تتهيأ أنقرة للدخول المهيب في المعركة بقيادة إردوغان بزيه السلطاني وهو يطلق النار حوله في كل اتجاه دون روية. فالواقع أن بغداد بالنسبة له ليست غير "المدبر لجيش من الشيعة"، وأن أكراد وحدات حماية الشعب لا بد لهم من أن يخرجوا "مطرودين من مدينة منبج السورية" بعد الانتهاء من عملية الموصل. ولا ننسى هنا أن أنقرة وواشنطن تتفاوضان بهمة ونشاط حول شن هجوم على الرقة في وقت لم ينس فيه إردوغان حلمه بإقامة منطقة آمنة بمساحة خمسة آلاف كلم مربع في شمال سوريا.

وبكلمة، فإن الموصل هي، بالنسبة لإردوغان، مجرد نزهة. فأولى الأوليات عنده هي في أن تكون سوريا مهشمة وممزقة، بما فيها المنطقة الآمنة، وأن يصار إلى سحق وحدات حماية الشعب، وذلك من خلال العمل جنباً إلى جنب مع البشمركة في العراق.
أما بالنسبة للخطة ب الأميركية، فقد كشف السيد نصر الله، قائد حزب الله، عن كامل آليتها. "ينوي الأميركيون إعادة حبكة الفلوجة عندما فتحوا الطريق أمام داعش لتمكينها من الخروج نحو الغرب باتجاه سوريا قبل أن تبدأ الطائرات العراقية بقصف أرتال الإرهابيين". وأضاف أن "الجيش العراقي والقوات الشعبية لا بد لها من أن تلحق الهزيمة بداعش في الموصل، وإلا فسيكون عليهم أن يطاردوها في شرقي سوريا".


ولا غرابة أيضاً في أن يكون وزير الخارجية الروسي قد رأى المشهد بوضوح عندما قال : "على حد علمي، ليست المدينة محاصرة بشكل كامل. آمل أن يكون السبب عجزهم عن ذلك بكل بساطة لا عدم نيتهم في فعل ذلك. فالخطورة في هذا الممر أنه يسمح لمقاتلي داعش بمغادرة الموصل نحو سوريا".
من الواضح أن موسكو لن تبقى مكتوفة اليدين فيما لو حصل ذلك. يقول لافروف :"آمل للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والمنخرط بشكل نشط في عملية الموصل أن يأخذ ذلك في حسابه".
وبالطبع، فإن الموصل تطرح، أكثر من حلب، مشكلة إنسانية خطيرة.
وتقدر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن حوالي مليون شخص معرضون لهذا الخطر. ويذهب لافروف مباشرة نحو الهدف عندما يشدد على التالي : "لا العراق ولا البلدان المجاورة تمتلك القدرة حالياً على استقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين، وكان من الضروري أن يؤخذ هذا الواقع بعين الاعتبار في التخطيط لعملية الموصل".
ربما لا يكون هذا الواقع قد أخذ فعلاً بعين الاعتبار. ففي النهاية، ما هو أولوي بالنسبة للتحالف الذي تقوده واشنطن من الخلف هو تأمين بقاء الخلافة المهزلة في مكان ما في شرق سوريا. فبعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على 9/11، ما زالت المعزوفة هي هي. هدية حية ومتواصلة تحصل عليها واشنطن من خلال الحرب على الإرهاب.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك