التقارير

اغنياء وفقراء في علم الاقتصاد العصبي!

1354 2016-11-25

  أ. د. مظهر محمد صالح* واصل رونالد ترامب سيرهُ على الرصيف المؤدي الى شارع المال في مدينة نيويورك ليتوقف فجأة أمام شحاذ افترش الارض وهو يقلب الكثير من اللاشيء.  نظر ترامب الى ذلك الفقير بعين من الأسى محدثاً إياه: إنك أيها الرجل تمتلك صفر من الثروة وانا مدين بمبلغ 900 مليون دولار بعد ان فقدتُ ثروتي كلها فإنك بالمحصلة اغنى مني!  اجابه الشحاذ مبتسماً انا حقاَ اغنى منك.  ولكن ماذا ان حصلت على المال ثم خسرته، حينها سأكون من الفاشلين، وربما قد اخسر صحتي وانا احاول ان اجمع الثروة، وقد لا اعرف إن كان الناس سيحبونني لشخصي ام من اجل اموالي؟  واخيراً، يمكن ان اتعرض الى السرقة وعندها سأخسر الثروة فضلاً عن خسارة مكاني الذي اشحذ فيه على رصيف شارع المال. 
ترك ترامب ذلك الشحاذ وهو يسبق الخطى للالتقاء بصديق سيساعده على استعادة ثروته مجدداً ولكنه ظل يردد في سره بان التيارات الرئيسة السائدة في علم الاقتصاد مازالت تستخدم نماذج المنفعة المتوقعة ودور العوامل العقلانية عند استخدامها في التحليل الاقتصادي واختبار نماذج التحليل.  هنا توقف ترامب وهو يُحدّث نفسه كرة اخرى قائلاً: ان العديد من تلك التحليلات لم تستطع ان تفسر كيف يمكن الحصول على الثروات التي تحققها الطفرات الاقتصادية وكيف تُشكل تلك الثروات مجدداً!
ربما لم يدرك رونالد ترامب ظهور ما يسمى بعلم الاقتصاد العصبي  Neuroeconomics
وهو من العلوم السلوكية التي تشكلت من خليط علوم الاعصاب وعلوم الاقتصاد، اذ حاول هذا العلم ايجاد مشتركات في التصرف ازاء تعظيم المنفعة ومقاييس الاستجابة العصبية والتي تركز جميعها على دور الدماغ في تدفق الدم.  فالدماغ يتكون حقاً من مقاطع وانظمة عديدة تتعامل جميعها في توجيه صنع القرار.  فالعديد من القرارات تُتخذ في إطار ظروف محفوفة بالمخاطر، لذلك تتجه النزعة الانسانية إما صوب تحمل المخاطر بغية تعظيم المنفعة او النزعة نحو تجنب المخاطر والتضحية بجانب من المنافع.  فقد كشفت البحوث والدراسات في الولايات المتحدة الامريكية ان هنالك الكثير من الامور الاستثنائية والشاذة والانماط الشائعة من التصرفات التي غدت جميعها لا تتلائم ومبدأ تعظيم المنفعة والتي منها تلك النزعة المتجنبة للمخاطر risk aversion التي كان يمارسها شحاذ وول ستريت وهو يفترش الرصيف حين واجهه رونالد ترامب المجازف الذي بات مفلساً.
وهكذا يوضح لنا علم الاقتصاد العصبي بان ثمة مناطق متعددة في الدماغ تختلف في درجة تحسسها إزاء موضوع تحديد المخاطر او حالة اللايقين ازاء التصرفات الانسانية المتعلقة باتخاذ القرار الاقتصادي، والتي تتوقف على شكل وتركيب وطبيعة القشرة الخارجية لمقدمة العقل البشري.  فبالوقت الذي يركز فيه الفقراء على احتمالات الخسارة مهما كانت ضئيلة يركز الاغنياء على احتمالات الربح مهما كانت ضئيلة ايضاً.  فكل فريق ينظر الى القدح المملوء نصفه بالماء.  فالفقراء يعتقدون ان عليهم معرفة كل شيء مقدماً وضرورة الحصول على تلك المعلومة عند كل ردة فعل وهو امر لا يتيسر حصوله لارتفاع تكاليفه في حين يبقى الاغنياء وحدهم من يمتلك المحفظة المعلوماتية لاتخاذ قراراتهم المعظِمة لمنافعهم utility maximisation وهي حكراً في متناول ايديهم وشبكة اعصابهم في تعظيم ثروتهم مهما كان تركيب قشرة ادمغتهم التي وعدنا بها علم الاقتصاد العصبي!
(*) المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي
http://iraqieconomists.net/
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك