إيهاب شوقي
من يوم تسلم ترامب الحكم وهو جاد في تنفيذ تعهداته الانتخابية وإثبات انها لم تكن مناورات للاستهلاك المحلي ما عدا وعداً واحداً حتى الآن وهو نقل السفارة الأمريكية في فلسطين المحتلة الى القدس، بدلاً من تل ابيب!
الرجل يبني جدارا مع المكسيك ويتقارب بالفعل مع روسيا ويتحدث عن مناطق آمنة في سوريا يموّلها الخليج ويدشن حرباً تجارية مع الصين وبدأت النخب المالية تستعد للصدمة الجديدة المتمثلة في التخلي الفجائي عن العولمة من اكبر اقتصاد اسمي في العالم.
والرجل نفّذ تعهداته الصادمة بمنع المهاجرين ومنع دخول مواطني دول بعينها ولا يترك يوما إلا يثبت به جديته وأنه لم يكن يمزح.
لماذا إذن هذا الوعد بنقل السفارة للقدس هو ما أرجأه؟ وهل يرتبط ذلك بسوابق رئاسية تعهد بها رؤساء أميركا بهذا الفعل في حملاتهم ثم عدّلوا عنها عندما احتكوا بالواقع وتسلموا الرئاسة؟
أكثر ما نخشاه هو أن يكون الرجل جاداً وان يكون ذلك مجرد إرجاء لتوقيت بعينه مرتبط بساعة الصفر لإطلاق حرب جديدة بالمنطقة.
من ضمن تعهدات ترامب أنه سيراجع الاتفاق النووي مع إيران، وبرغم فداحة ذلك الفعل وتأثيره على سمعة أميركا عالمياً إلا أن ترامب يبدو جاداً وهو يصعد كل يوم مع إيران وتكفي تصريحات مستشاره للامن القومي مايكل فلين، ناهيك عن تصريحات ترامب الشخصية.
يبدو أن قرار الحرب مع إيران مرتبط بساعة صفر متعلقة بنقل السفارة وتبعات ذلك على الجبهات المختلفة.
وأمريكا لن تغامر بنقل أساطيل والإنفاق على حرب تقودها بذاتها، وإنما الخيار الأمثل هو ان توقد نارا للحرب تنعش بها المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وتخفّض ديونها للخليج الذي سينفق على الحرب.
الجبهات أعدّت مسبقاً عبر تدشين الكيان الصهيوني علاقات متميزة مع أذربيجان وكازخستان وتركمانستان وعبر محاولات السيطرة على موانئ اليمن وإقامة قواعد عسكرية سعودية في جيبوتي للسيطرة على باب المندب كبديل سعودي وخليجي إذا ما اغلقت إيران مضيق هرمز، كما أن أي ارتفاع لسعر النفط قد يخدم الدول المأزومة ولن يؤثر كثيراً على أمريكا التي توسعت في إنتاجه.
اللافت فيما يتعلق بالمناطق الآمنة الغامضة، هو ما تحدث عنه موقع ديبكا الاستخباري العسكري الصهيوني عن تسريبات غير مستبعد تصديقها.
فقد ذكر أن ترامب اتفق بالفعل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إقامة المناطق الآمنة.
وطبقا للموقع، فإن "إنشاء المناطق سيتطلب إخراج القوة العسكرية الإيرانية والمليشيات التابعة لحزب الله من سوريا".
وساق "ديبكا" تفصيلات تقول إن الخطة تشمل إنشاء منطقتين تابعتين للولايات المتحدة شرق نهر الفرات إلى الحدود العراقية، بما في ذلك المناطق الكردية، في ما يمثل إعادة إحياء لاتفاق في 2015 بين أوباما وبوتين لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، وتم الاتفاق حينها على أن تشرف الولايات المتحدة على كل المنطقة الواقعة شرق نهر الفرات، بينما تعطى السيطرة لروسيا على جميع المناطق الواقعة غرب النهر حتى ساحل البحر المتوسط.
أما المنطقة الواقعة تحت سيطرة تركيا فسوف تمتد لمسافة 650 كيلومترا على طول الحدود السورية التركية، بعمق يتراوح بين 35 و50 كيلومترا داخل الأراضي السورية حتى مدينة الباب، حيث تخوض القوات التركية معارك للشهر الثالث على التوالي لاستعادتها من تنظيم الدولة.
ونقل الموقع الإسرائيلي عن مصادر استخبارات قولها إن "ما سيمثل تغييرا فعليا على الأرض بالنسبة لإسرائيل هو إنشاء منطقة أميركية آمنة ثانية محاذية لحدود سوريا مع إسرائيل والأردن؛ ويعني ذلك أن نحو 7500 جندي أميركي من القوات الخاصة الموجودين حالياً في الأردن سينتقلون شمالاً إلى جنوب سوريا.
وأضاف الموقع أنه "وبالمقارنة، فقد كانت الخطة الأصلية تقتضي نشر مليشيا مؤيدة لإيران وقوات حزب الله لاستعادة الأراضي حول مدينتي الدرة والقنيطرة في الجهة السورية من الجولان، لكن بعد تعديلها سيتم نشر قوات أميركية في جنوب سوريا، ترافقها قوات أردنية خاصة، إضافة إلى عناصر المعارضة السورية التي تم تدريبها على يد خبراء أميركيين في معسكرات الجيش الأردني".
لا شك أن تأمين الكيان الصهيوني في الحدود السورية والأردنية ومحاصرة لبنان وتطويقه والإصرار على التواجد بالعراق وأفغانستان واستقبال ترامب لملك الاردن كأول زعيم عربي والحديث عن تحالف عربي من الدول الشهيرة بلقب "الاعتدال" وضم سلطنة عمان للتحالف الدولي والتقارب مع حماس سعوديا ومصريا ومحاولة انتزاعها من ايران كمحاولة لتأمين جبهة داخلية لحدث قادم، كل ذلك يشكل مؤشراً جاداً على أن هناك ما يُعدّ ويُحاك من حرب ضد إيران، قد تكون شرارتها صهيونية ونيرانها "عربية معتدلة" وهناك ما تم إعداده لمحاولة إبطال فعالية الرد الايراني.
هل من يستطيع بدء المعارك قادر على انهائها؟ لا نظن..
قد يكون سيناريو متشائما، إلا ان الشواهد تعطيه وجاهة ولا سيما في عالم مقبل على أزمة مالية وقوة عظمى تحارب الخفوت وخونة أعمتهم المصالح الضيقة عن العدو الرئيسي الصهيوني ولا يمانعون علنا من الانخراط معه في حلف واحد.
(*) صحافي مصري
https://telegram.me/buratha