في مثل هذه الايام قبل 20 عاما تولى العميد قاسم سليماني مهمة قيادة اهم الوحدات في قوات حرس الثورة الاسلامية وهي فيلق القدس، التي تمتد تاثيراتها ليس في الداخل فقط بل في الخارج غالبا وعلى امتداد العالم الاسلامي.
ولادة قاسم سليماني البالغ من العمر 61 عاما كانت في مدينة رابُر التي تبعد 175 كم من مدينة كرمان مركز محافظة كرمان الواقعة جنوب شرق ايران.
ومع اندلاع الحرب المفروضة من قبل النظام العراقي البائد ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية (1980-1988)، انضم سليماني لقوات حرس الثورة الاسلامية وسرعان ما تولى قيادة كتيبتين من قوات محافظة كرمان وبتوصية شفهية من العميد الشهيد حسن باقري تولى قيادة لواء جديد من قوات كرمان التي تحولت الى الفرقة 41 "ثار الله" التي شملت قوات من محافظات كرمان وسيستان وبلوجستان وهرمزكان.
الفرقة 41 "ثارالله" كانت تعتبر من الفرق الاقتحامية للحرس الثوري خلال اعوام الدفاع المقدس (1980-1988)، والتي كانت لقواتها دور لافت في عمليات كبرى مثل "والفجر 8" و"كربلاء 5".
ومع ان انتهاء الحرب المفروضة في العام 1988، كانت نهاية الحرب للكثير من رفاق سليماني في السلاح الا انها شكلت بداية عهد جديد في سوح المعارك.
وبعد مرحلة الدفاع المقدس ظل في منصبه قائدا للفرقة 41 "ثارالله" وكلف بمهمة التصدي للاشرار والمهربين في مناطق جنوب شرق ايران وقد حقق الكثير من النجاحات كونه ابن المنطقة وادرى بـ "شعابها".
** قيادة فرع الخارج للحرس الثوري
شهد العام 1998 اهم تحول في حياة قاسم سليماني، ففي هذا العام تم تعيين اللواء يحيى رحيم صفوي قائدا للحرس الثوري بدلا عن اللواء محسن رضائي وجرى بالتالي تغيير قادة مختلف وحدات الحرس الثوري.
وفي اطار هذه التغييرات تم استدعاء اللواء قاسم سليماني من كرمان الى طهران وتم تعيينه قائدا لفيلق "القدس" بدلا عن العميد احمد وحيدي.
واحدة من القوات الخمس للحرس الثوري، هي قوات فيلق "القدس" التي قلما كانت تذكر لدى الراي العام (على الاقل حتى اعوام قليلة ماضية)، وكانت تتولى عمليات الخارج للحرس الثوري. كما ان سليماني كان حتى اعوام بعد توليه منصبه شخصية غير معروفة لعامة الناس.
تعيين اللواء قاسم سليماني لقيادة قوات فيلق "القدس" تزامن مع اشتباكات تنظيم طالبان في افغانستان، لذا فان البعض اعتبر السبب في تعيين سليماني لقيادة هذا الفيلق بانه يعود الى معرفته بمناطق شرق البلاد؛ وهي معرفة ترافقت مع تحقيق النجاح على مدى الاعوام التي تولى فيها قيادة الفرقة 41 "ثار الله".
ومن النقاط البارزة لقيادة اللواء سليماني لقوات فيلق "القدس" تقوية حزب الله لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية والتي شهدنا نتائجها الملموسة في مختلف الحروب ومنها انتصار حزب الله في حرب الـ 33 يوما ضد الكيان الصهيوني وانتصار المقاومة الفلسطينية في حرب الـ 22 يوما في غزة ضد هذا الكيان.
وفي الحقيقة یمکن القول بان اللواء سليماني تمکن من ان يتابع جيدا استراتيجية الجمهورية الاسلامية الايرانية اي دعم فصائل المقاومة ضد الكيان الصهيوني وان يتخذ خطوات في هذا المسار باستمرار.
الا ان هذا الامر لم يكن نهاية المطاف، فمع مؤامرة الغرب الجديدة والتمويل من دول مثل السعودية لتاسيس الجماعات الارهابية التكفيرية في المنطقة سواء داعش او جبهة النصرة، تولى سليماني مهمة جديدة الا وهي التصدي لهذه التهديدات في العراق وسوريا.
سليماني ساعد في تاسيس الحشد الشعبي في العراق والتعبئة الشعبية (قوات الدفاع الوطني) في سوريا حيث تم بدعم من هذه القوات وتوجيهات واستشارات قوات فيلق "القدس" القضاء تقريبا على الارهابيين في هذين البلدين خلال 6 أعوام.
وينبغي القول في الحقيقة انه وقواته الذين توجهوا الى سوريا والعراق بدعوة رسمية من حكومتيهما، قد حالوا دون سقوط دمشق وبغداد وكان قد لعب دورا لافتا من خلال زيارته الى موسكو في المواكبة من جانب روسيا وبوتين للدخول الى ساحة المعركة في سوريا.
يقول الحاج قاسم بانه لا فرق بين المسلمين وانه يجب دعمهم جميعا في مواجهة الظالمين والاعداء.
لقد اعلن في ذروة الكفاح ضد الارهابيين في سوريا والعراق بان لا فرق للجمهورية الاسلامية الاسلامية في دعم الشيعة والسنة واشار الى الشعب الفلسطيني كمثال على ذلك، فرغم ان غالبيتهم العظمى هم من اهل السنة الا ان الجمهورية الاسلامية الايرانية قدمت اكبر الدعم لهم وفي الدفاع عنهم.
لقد سجل التاريخ ايضا بانه حينما اتسع نطاق جرائم داعش في كردستان العراق، كان سليماني هو الذي سارع لدعمهم ومنع من سقوط اربيل.
** تبلور حلقة المقاومة
لربما كان احد الاهداف من وراء محاولة اسقاط سوريا هو قطع العلاقة بين ايران وحزب الله لبنان الا انه ومع دحر داعش والدور الذي لعبته قوات فيلق "القدس" في سوريا والعراق، فقد تبلورت حلقة قوية باسم حلقة المقاومة واتصلت سلسلة ايران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين.
لاشك ان هذا الامر جاء مناقضا لرغبة اميركا والكيان الصهيوني الا انه وفي ظل قيادة سليماني في عمق الميدان وتاسيس التعبئة الشعبية في العراق وسوريا، تحول ذلك الى حقيقة واقعية وتبلورت وحدة بين الحرس الثوري و"الفاطميون" و"الزينبيون" و"الحيدريون" وغيرهم.
ولا باس من الاشارة الى ان الدور منقطع النظير الذي لعبه اللواء سليماني في ادارة الامور والتصدي للاعداء في المنطقة، ما حدا بالاميركيين والاسرائيليين ان يطلقوا عليه القابا مثل "القائد الشبح" و"الشخصية الاقوى في الشرق الاوسط" و"كابوس اسرائيل".
ولاشك بانه لو لم تكن المساعدات الاستشارية لقوات فيلق "القدس" لربما كانت ظروف المنطقة اليوم غير ما هي عليه الان الا انه وفي ظل بسالة القوات الايرانية الى جانب سائر القوات الاسلامية شهدنا انتصار جبهة المقاومة.
الان وبعد مضي 20 عاما من قيادة اللواء قاسم سليماني لفيلق "القدس"، وحسب كبار القادة العسكريين فقد ابتعدت التهديدات عن حدود البلاد ولاشك ان هذا الامر يعد نجاحا كبيرا في المواجهة بين الثورة الاسلامية والغرب.
في العام 2010 اصدر قائد الثورة الاسلامية قرارا بترقية قاسم سليماني الى درجة لواء لكنه مازال يُعرف بـ "حاج قاسم" لدى الراي العام.
ما تم سرده في هذا المقال يعد بعض النقاط المضيئة في سجل قيادة اللواء سليماني لفيلق "القدس"؛ نقاط يزخر كل منها باحداث ربما ستبقى خفية وغير معلومة اعواما طويلة.
https://telegram.me/buratha