بعد 15 عاماً من التغيير، أصبح سنة العراق، الذين كانوا يوماً صفاً واحداً في معركتهم مع الرئيس الراحل صدام حسين على مدى عقود، منقسمين بشكل عميق، تتنازعهم مشاعر خيبة الأمل في قادتهم السياسيين.
وفي معاقل السنة بالعراق، يوجه الكثيرون الذين كانوا يصوّتون دون تفكير على أسس طائفية، استياءهم إلى الساسة السنة المشاركون في الحكومات المتعاقبة التي قادها الشيعة والتي يقولون إنها فشلت في إصلاح البنية التحتية المتداعية وتوفير وظائف أو حتى إنهاء العنف ضدهم من قبل المليشيات الشيعية ويفجر المرشح الحالي والخبير السياسي يحيى الكبيسي مفاجئة من العيار السياسي الثقيل ويؤكد ان الحكم وفق المعطيات الحالية عائد الى السنة لامحالة .
أصواتهم مهدَّدة بالتفتيت
ورغم ان الانقسامات داخل صفوف الطائفة السنية الآن تهدد بتفتيت الأصوات السنية في انتخابات مايو/أيار 2018، الأمر الذي قد يعقّد عملية مشاركتهم في تشكيل حكومة مقبلة ، وربما يؤخِّرها ويهدد المكاسب التي تحققت بعد الضغوط العربية والدعم الخليجي للرموز السنية البارزة خلال السنوات الماضية لان الحكم كان سيكون للاغلبية التي تتيح للشيعة وفق الاسسس الديمقراطية السيطرة على الحكم ولكن لم يستطيعوا ذلك بسبب الضغط العربي والامريكي لتشكيل حكومات تسمح للسنة المشاركة الفاعلة في الحكم وكما يقول الكبيسي ان الانقسام الحاد في البيت الشيعي سيوفر حظوظ كبيرة للسنة في امتلاك زمام المبادرة ويفصل الكبيسي الامر بصراحة يقول لا اخشى طرحها " التيار الصدري الان في خلاف حاد مع قائمة المالكي والحشد وحصل خلاف في الاونة الاخيرة مع العبادي حينما اعلن تحالفه مع الفتح واصدر مقتدى الصدر بيان حاد اللهجة ولم يبق للصدر سوى التحالف مع السنة والكورد وهم سنة ايضا اي سيكون الشيعة اقلية في مناطقهم لانهم سيضعفون كثيرا بعد خروج التيار الصدري وسيكونون اقلية ايضا لو تم تشكيل الحكومة بين سائرون والسنة والكورد " .
في محافظة الانبار، يقول عمر خالد "51 عاما "، وهو ضابط في الجيش السابق، إنه يشعر بخيبة أمل من أداء قادة السنة منذ سقوط صدام في 2003. وقال: "أنا أنتظر من يثبت لنا انه افضل من صدام فلا اجد كلهم فاشلون واستطاع الشيعة شرائهم ". وأضاف: " انظر حولك الى الخراب وما وصلنا اليه ..؟ هل كان هذا سيحصل لنا لو ان صدام موجود وحي ..؟ ". وفي مدينة تكريت حيث كان يوجد ضريح الرئيس الراحل صدام حسين وحيث يعيش اغلب القيادات الموالية للحكم السابق بالعراق، يسود إحساس مشابه بالاستياء وخيبة الأمل. في منتصف ليلة الثالث عشر من أبريل/نيسان 2018، عندما بدأت الحملات الانتخابية بشكل رسمي، انطلقت جحافل من النشطاء الحزبيين لوضع ملصقات دعائية على كل الجدران والمساحات المتاحة. وفي بعض الحالات، وضع النشطاء الملصقات في اماكن كانت ترفع فيها صور صدام حسين فهل هؤلاء الجدد افضل منه ؟ يتسائل بعثيون سابقون . وقال سعد الجبوري "46 عاما "، وهو عاطل عن العمل: "شالوا صور ابو عدي ورفعوا النشالين!", وحتى المرجعيات السنية، تبدو غير راضٍية عن أداء الساسة السنة ، وأصدروا الكثير من فتاوى مقاومة عملاء الاحتلال الحكام الشيعة الحاليون تدعو السنة بشكل ضمني للتصويت لصالح من قاتل المحتل وعملائه واليوم يرسلون فتاواهم الى الشارع السني يبلغوه ان عليهم استثمار تذمر الشيعة من ساستهم والمشاركة بقوة في الانتخابات مقابل ضخ الاحباط في الساحة الشيعية وتشجيعهم على العزوف عن الانتخابات واستثمار طرد مراجعهم في النجف للسياسيين واعتبار ذلك اعتراف بالفشل الذريع يتحمل مسؤوليته قادة ومراجع الشيعة لانهم من ايد العملية السياسية في المرحلة الماضية .
يحيى الكبيسي السياسي العراقي السني قال " السيستاني في فتواه قال "المجرَّب لا يُجرَّب". ويعتبر ملايين الشيعة فتاوى السيستاني مقدسة وعليه ان السيستاني يعتبر كل الطبقة السياسية الشيعية التي حكمت العراق فاسدة ولايجوز اعادة انتخابهم وهو اعتراف صريح منه بان المرحلة السابقة بنيت على باطل الامر الذي يترتب عليه محاسبة المتسبب بذلك والمرجعية في النجف تتحمل جزء كبير من هذه المسؤولية " .
ويضيف مرشحون سنة جدد جمعهم اجتماع خاص في الاعظمية كان من بينهم عمر الجمال الذي حلل الوضع قائلا " بموجب ترتيب غير رسمي لتقاسم السلطة، معمول به منذ سقوط صدام، ينبغي أن يكون رئيس الوزراء من الأغلبية الشيعية، ويكون رئيس البلاد من الأكراد، ورئيس البرلمان من السُّنة و في السابق ورغم عدم فوز أي حزب بما يكفي من المقاعد لتشكيل حكومة بمفرده، فقد كان هناك عادة زعيم شيعي واحد يتمتع بما يكفي من الدعم لتشكيل حكومة ائتلافية أما هذه المرة، فيوجد 3 مرشحين شيعة بارزين: رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي روّج لحكومة أكثر شمولاً , وسلفه المتهم بالطائفية نوري المالكي، الذي فشل في توحيد صف العراقيين؛ وهادي العامري، وهو قائد عسكري مقرب من الحرس الثوري الإيراني ويعتبره كثيرون من الشيعة بطل حرب قاتل في صفوف الجيش الايراني ضد جيش شعبه العراقي ابان دفاع العراق عن البوابة الشرقية وإذا لم تسفر الانتخابات عن فائز واضح، فقد تحظى إيران بفرصة أكبر للعب دور الوسيط بين الأحزاب الشيعية وتؤثر على اختيار رئيس الوزراء ويمكن للسنة ومن خلفهم العرب والخليج خصوصا استثمار هذه الفرصة لان أي فراغ في السلطة ممكن ان يلعب على شعور السُّنة بالتهميش الامر الذي يجب استثماره في هذه المرحلة لاعادة الحكم في العراق الى عمقه العربي السني وانتشاله من براثن ايران وعملائها ".
وتحدث تقرير صحفي عن التغيير الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية لتغيير القناعات في الساحة الشيعية وثمة قيادات شيعية ممكن ان تكون شريكة للسنة في هذا التغيير فخلال حفل تخرج جامعي بالنجف، رقص عشرات الشبان تحت كرة ديسكو براقة، واستمعوا إلى الشعر في قاعة مزدحمة كما ذكر احد التقارير الذي نشرته موقع الكتروني ممول من قبل المملكة العربية السعودية واضاف التقرير " وخلال الحدث الذي رعاه عدنان الزرفي المدعوم امريكيا بقوة ، وهو محافظ سابق للنجف المدينة المقدسة لدى الشيعة يخوض الانتخابات ضمن قائمة ائتلاف النصر التي يقودها العبادي، كان الحديث عن احتواء الجميع لصالح اعادة العراق الى عمقه العربي السني بمشاركة شيعية موالية للعمق العربي كما يحصل الان في لبنان ويمثل الشبان، الذين تبلغ أعمارهم 27 عاما أو أقل، نحو 60% من العراقيين، ويقول الكثير من الشبان في المناطق الحضرية إنهم يريدون حكومة علمانية، مما يسلط الضوء على الانقسامات داخل قاعدة الناخبين الشيعة وهو امر مهم يجب ان يؤخذ في الحسبان .
علي رضا، وهو طالب شيعي قال : "أنا ضد التصويت بطريقة طائفية". وقائمة ائتلاف النصر بقيادة العبادي، والتي وصفها الزرفي بأنها "عابرة للطائفية"، هي الوحيدة التي تنافس في الانتخابات بكل محافظات العراق، وعددها 18. وأضاف رضا، في مقهى قريب، وقد أحاط به شبان يلعبون البلياردو: "فرص العمل، الحريات، تحسين التعليم، دعم الرياضة. هذه أولويات الشباب… الأغلبية الشيعية مسؤولة عن الفشل وعلينا أن نخلق آليات لطمأنة المكونات الأخرى باعتبارها أغلبية ايضا و اليوم طرحنا حكومة تكامل. هذا يعني أن الجميع يجب أن يكون مُمثَّلاً".
على بُعد ساعة من النجف في كربلاء، المدينة المقدسة التي تستقبل 30 مليون زائر شيعي سنوياً، لا يُنظر إلى تقاسم السلطة مع السُّنة والأكراد على أنه حل. وقال منتظر الشهرستاني، الذي يدير مدرسة لرجال الدين الشيعة: "الأكثرية في العراق أكثرية شيعية، طبيعي أن تكون رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة بيد الشيعة".
ورغم عدم إجراء إحصاءات منذ فترة طويلة، فقد أظهرت أرقام أميركية منذ عام 2003، أن التقسيم السكاني العراقي هو ما بين 48 و60 في المائة من الشيعة العرب، وما بين 15 و22 في المائة من السنة العرب، و18 في المائة من الأكراد، وتتألف البقية من مجموعات أخرى. وقال الشهرستاني إنه رغم ضرورة حماية حقوق الأقليات، فإن الحكومة ينبغي أن تكون دوماً شيعية. ويعبّر موقفه هذا عن رأي شائع بين الشيعة المتدينين الموالين لايران . ويخوض الكثيرون حملاتهم الانتخابية على أساس هذه المشاعر، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي ينظر إليه السُّنة والأكراد باعتباره طائفياً وقمعياً. كما يحمّل كثير من الشيعة المالكي المسؤولية عن خسارة ثلث أراضي العراق لصالح تنظيم "الدولة الإسلامية" في 2014، قبل أن يحل محله العبادي. لكنه لا يزال يتمتع بشعبية بين آخرين ينسبون له الفضل في توقيع الحكم بإعدام صدام حسين ويرجح السنة خسارته بسبب الصراع الشرس بينه وبين مقتدى الصدر الذي لم تستطع ايران او مرجعية النجف حله وتقريب وجهات النظر بينهم الامر الذي يصب في صالح السنة ومع دخول شخصيات سنية مؤمنة بحق السنة في الحكم كالقيادي البارز مضر شوكت الذي تحالف مع التيار الصدري يكون امر احتواء التيار مفروغ منه ولايخشى احد من عودة التيار الى سابق عهده كحليف في حكومة يوجد فيها المالكي او الحشد الشعبي وقياداته.
في الحيانية، إحدى أفقر مناطق البصرة، يعتزم علي خالد التصويت لتحالف الفتح الذي يقوده العامري. وسيحذو الكثيرون في منطقته حذوه. لقي شقيق خالد حتفه وهو يقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية" لصالح منظمة بدر التي يقودها العامري، وهي فصيل تدعمه إيران وإحدى الجماعات التي ترعاها الدولة والتي تشكل ما يُعرف بقوات الحشد الشعبي، التي ظهرت استجابةً لفتوى من السيستاني، دعا فيها لمحاربة "الدولة الإسلامية". ويحصل خالد على 675 دولاراً في الشهر كتعويض من الحشد الشعبي عن وفاة شقيقه، لكنه لا يشكر الحكومة الحالية على ذلك. يقول خالد: "الحشد رجال يطيعون الله. ماكو روتين مثل الحكومة… العامري حارب معنا، ترك منصبه كوزير ليحارب من أجلنا. أكل أكلنا، عاش معنا". لكنّ كثيرين يرون أن ولاء العامري، الذي يعلّق مرشحو قائمته صور الزعيم الأعلى الإيراني السابق آية الله روح الله الخميني والزعيم الأعلى الحالي آية الله علي خامنئي في مكاتبهم، لإيران أكثر منه للعراق الامر الذي يجب ان يوصف بالعمالة للعدو الذي حاربه الرئيس الراحل صدام حسين نيابة عن العرب ويجب ان يشار له عبر الاعلام .
وقال عبد الغني، المدرس البعثي المتقاعد في البصرة: "أقوى إنسان بالعراق هو العامري. لكن العامري هو يد إيران العميلة الضاربة بالعراق. وجود العامري برئاسة الوزراء أعتقد يلغي العراق كدولة حاصلة على السيادة".
على مدى سنوات، كانت محافظة البصرة قاعدة تأييد للقادة الشيعة، لكن سكان البصرة طفح بهم الكيل ويتصدى الان الصرخيون واليمانيون والبعثيون السابقون لفضح هذه الطبقة الفاسدة التي تاخذ اوامرها من مرجعية ايرانية في النجف ومن قم وطهران, وتنتج البصرة نحو 3.5 مليون برميل من النفط يومياً، أي الغالبية العظمي من ثروة العراق النفطية وما يوازي أكثر من 80 في المائة من الموازنة الاتحادية. لكن الكثيرين في المدينة لا يعتقدون أنهم يحصلون على حصة عادلة من إيرادات الحكومة التي توزع على 18 محافظة، ويقولون إن الفتات الذي يحصلون عليه يبدده المسؤولون المحليون عملاء ايران والمرجعية في النجف . ولا تصلح مياه المدينة للشرب، كما أن طرقها مهملة وتغرق المخلفات شوارعها. وكان نهر العشار، الذي يقسم المدينة في الماضي، مصدر رخاء لسكانها، لكنه الآن يفيض بالقمامة. ولا توجد وظائف إلا فيما ندر، ولا تتوافر المستلزمات المدرسية والمعدات الطبية. لكن المدينة لا تعاني نقصاً في ملصقات المرشحين الشيعة. وفي المنزل ذاته بالحيانية حيث كان يتحدث خالد، قال جاره وهو جندي في وحدة خاصة تتبع وزارة الداخلية، إنه لن يدلي بصوته حتى لقائده العام العبادي. لكنّ كثيرين لا يزالون يعتزمون التصويت للوجوه الجديدة التي استطاعت الدخول في العملية السياسية بدعم عربي وخليجي , وإن كان ذلك لدوافع عملية أكثر من حبهم لهم. ويصفهم البعض بأنهم "أفضل السيئين والمهم هم عرب غير موالين لايران والنجف". وجلس الجندي، الذي طلب عدم نشر اسمه والذي أصيب في أثناء قتال "الدولة الإسلامية" بالموصل العام الماضي (2017)، على الأرض وهو يحتسي الشاي، وكانت ساقه لا تزال في جبيرة اضطر إلى دفع ثمنها بنفسه. وقال: "بعد الإصابة، كان في زيارات ووعود، لكن ماكو شيء في الآخر. أنا ما عندي ثقة بالحكومة ولا البرلمان". وقال غالبية من أجرت "رويترز" مقابلات معهم في البصرة إنهم لن يصوتوا. وقال رجلان طالبَين عدم نشر اسميهما، إنهما يعتزمان بيع أصوات أفراد أسرتيهما لأعلى سعر؛ فقط للمساعدة في إيجاد ما يسد رمقهم. وقال أحدهم: "أنا جوعان، عندي 8 أصوات في عائلتي، جاهز لأبيعهم للخليجيين ومن يدعموهم في الانتخابات ".
المصدر :
https://www.sada-alkhaleej.com/news/2074
https://telegram.me/buratha