نشرت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية تقريراً مطولاً للكاتب الاسرائيلي Yigal Chazan تناول فيه مخاطر النفوذ الايراني في العراق سواء على امن اسرائيل او المملكة العربية السعودية وبروز تيار شيعي معادي لايران بقوة ماخلق فرصة مواتية لضرب نفوذها في اهم واخطر منطقة .
ونقلت الصحيفة عن مصادر اسرائيلية وجود دعم اسرائيلي لا محدود للمملكة العربية السعودية في خططها وتوجهاتها والتي وصفتها بالحليف الصديق الحميم الذي يشارك تل ابيب حربه على الارهاب الايراني وقالت الصحيفة في تقرير نشرته الخميس 30-مايو-2018 :
بعد فشل جهودها العسكرية لمواجهة تقدم إيران في كل مكان تقريبا في الشرق الأوسط، تسعى المملكة العربية السعودية إلى دفع قوة ناعمة في العراق لمحاولة القضاء على النفوذ الإيراني من خلال الاستعانة باطراف شيعية مناوئة لايران في العراق تتمثل بالزعيم الشيعي مقتدى الصدر واخرين لكنهم لايحضون بالقوة التي يمتلكها الصدر. وتكتسب تكتيكات الخطة من الاستثمار والتجارة والدبلوماسية والدعم السياسي والاعلامي قوة دفع في بغداد بالفعل للقضاء على نفوذ ايران .
مراكز الدراسات في تل ابيب يرون ان انتصار ائتلاف الزعيم المناوئ لايران في الانتخابات العراقية، التي أجريت في 12 مايو/أيار هو انتصار للمحور المحارب للارهاب المتمثل بايران وحزب الله وذيولهم في العراق المتمثلة بالمليشيات الارهابية التي ترفع شعار ازالة اسرائيل من الوجود.
ويرى محللون اسرائيليون ان من المتوقع أن يصبح رجل الدين الشيعي المتشدد، الذي تحول إلى رجل قومي عراقي، «مقتدى الصدر»، رجل المملكة في الحكومة الجديدة. وهو ما سيحاول السعوديون استخدامه في مواجهة النفوذ الإيراني بقوة , ووفق هذه المعطيات ابلغت اسرائيل المملكة دعمها الكامل للمملكة في هذا التوجه .
وفي منافستهما على التفوق الإقليمي، حصلت إيران على اليد العليا على السعودية في حروبها بالوكالة في سوريا واليمن وفقا لتقدير مراكز البحث الاسرائيلية حصلت هآرتس نسخ من تلك التقارير. لكن في العراق ووفقا لذات التقارير، يبدو أن طهران خسرت في الوقت الحاضر خسارة جسيمة، بعد هجوم الرياض الساحر لجذب قادة الشيعة، وإحباط محاولات إيران لتعزيز نفوذها على البلاد الممزقة الامر الذي يتيح للقوة السعودية الحليف الصديق لاسرائيل من توجيه ضربة موجعة لايران تقطع عليها طريق الهلال الشيعي الممتد حتى سواحل البحر الابيض المتوسط .
وقالت هآرتس ان الولايات المتحدة هي الاخرى تدعم اسرائيل والتحركات السعودية؛ حيث تشاطر الرياض قلقها من تطلعات إيران الإقليمية، وتأمل أن يساعد الاستثمار من المملكة ودول الخليج الأخرى في تحقيق الاستقرار في العراق والسيطرة على الاوضاع فيه من خلال السيطرة على ملايين العاطلين عن العمل اغلبهم سيكن الولاء لمن ينتشله من الفقر والضياع .
ووفق استراتيجيا مدروسة قوامها تغيير قواعد اللعب في العراق من دعم الحركات المتطرفة وزعماء سنة فاشلون الى كسب ود اطراف شيعية مناوئة لايران ففي العام الماضي، وتحت قيادة «محمد بن سلمان» وبالتنسق مع الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ، صعدت الرياض من تعاونها مع العراق ذي الأغلبية الشيعية. وكانت الانتخابات، التي كان التوجه الجيوسياسي لبغداد أحد الاعتبارات الرئيسية بين المتنافسين الرئيسيين فيها، بمثابة دافع رئيسي لهذه المشاركة المتسارعة. وتقول الشائعات إن «بن سلمان» قد زار بنفسه بغداد قبل الانتخابات، وهو ما أثار قلقا في إيران وفي أوساط السياسيين العراقيين المدعومين من إيران.
ويفتح نجاح «الصدر» المدعوم من قبل المملكة في الانتخابات الطريق لمزيد من المشاركة السعودية. وفاز ائتلافه «سائرون» وفق لرصد الاستخبارات الاسرائيلية ، وهو مزيج غريب من المقاتلين الشيعة والشيوعيين والعلمانيين وجماعات المجتمع المدني، بـ 54 مقعدا في الاقتراع، وهو أعلى رقم، لكنه لا يزال أقل بكثير من الأغلبية.
ولم يترشح «الصدر» لمنصب رئاسة الوزراء، لكنه سيكون له رأي كبير في تشكيل الحكومة المقبلة وتعيين رئيس الوزراء المقبل. وقد يمكن «حيدر العبادي»، رئيس الوزراء الحالي، من الاحتفاظ بالسلطة اذا ما وافق على شروط الصدر التي تتمثل بحل مليشيات الحشد الارهابية ومنع ايران من فرض ارادتها على العراق وتمتين العلاقات مع الدول العربية بزعامة المملكة العربية السعودية .
وجاء التكتل الذي دعمته إيران، بقيادة زعيم الميليشيا الشيعية «هادي العامري»، في المرتبة الثانية بـ 47 مقعدا، وسيسعى إلى استخدام تلك المقاعد لمنع مثل هذه النتيجة ، ولكن من غير الواضح مدى النفوذ الذي يتمتع به بالفعل.
وفي حين كان السعوديون واسرائيل يفضلون أن يحقق «العبادي» الموالي للغرب فوزا صريحا، (حصل ائتلافه على المركز الثالث بـ42 مقعدا)، فإن فوز «الصدر» في الانتخابات يعد نتيجة مواتية ايضا، على الرغم من عدم ثقته في أمريكا ولكن علاقات السعودية بالزعيم الشيعي كفيلة بمنع اي احتكاك للتيار الصدري مع الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل .
وبعد الاتصالات بين «بن سلمان» و«الصدر»، يبدو أن «الصدر» قد تنصل من طائفته. ورغم تورطه سلفا في إراقة الدماء بين الطوائف، إلا أنه تحول إلى معارض شرس للتدخل الإيراني في السياسة العراقية، وللسياسات الطائفية التي عمقها رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي» كما تؤكد ذلك التقارير الاستخبارية الاسرائيلية التي اسست غرفة عمليات سعودية اسرائيلية امريكية مشتركة مقرها في جدة .
سياسة جديدة
وفي الأعوام التي أعقبت غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، رأت الرياض على الأرجح أن العراق قضية خاسرة، حيث تركت الساحة لإيران لتوسع من نفوذها هناك. لكن في ظل «العبادي»، الذي حرص منذ توليه السلطة عام 2014 على المشاركة مع جيران بلاده، تحسنت العلاقات وياتي انفتاح الصدر على دول خليجية مهمة وحليفة لاسرائيل والولايات المتحدة تكون الفرصة اكثر نجاحا وتأخذ اهمية كبيرة لما للصدر من قوة جبارة ممكن ان تقلب المعادلة في العراق وسبق وان سيطر واتباعه على مجلس النواب ومقر الحكومة العراقية ولم يستطع احد صده وانسحب برغبة منه بعد ان وضع قواعد جديدة للعبة في العراق الامر الذي ايدته المملكة بقوة وساندته اعلاميا بتوجيه مباشر من ولي العهد محمد بن سلمان.
وأعادت السعودية والعراق العلاقات الدبلوماسية بينهما في أواخر عام 2015؛ حيث كان قد تم قطعها بعد غزو «صدام حسين» للكويت عام 1990، وخلال الأشهر الـ 12 الماضية بدأت استراتيجية بناء التحالفات في التبلور.
وزار «العبادي» الرياض عام 2017 مرتين، لكن رحلة «الصدر» في يوليو/تموز الماضي هي التي أكدت بالفعل رغبة ولي العهد في إرسال غصن الزيتون إلى المناطق الشيعية في العراق. وهناك، ينظر الكثيرون إلى السعودية باعتبارها راعية للتطرف السني خلال أعوام الاضطرابات الطائفية في العراق، كما يشعرون بالقلق من اضطهاد السعودية لأقليتها الشيعية.
ومع ذلك، ينظر القادة الشيعة العراقيون البراغماتيون المتشككون في نوايا طهران إلى التحركات السعودية باعتبارها ثقلا مهما ضد نفوذ جارتهم الشرقية، ومصدرا للاستثمار الضروري جدا لإعادة إعمار العراق في أعقاب هزيمة «الدولة الإسلامية» ولهذا يعتبر الصدر ورقة مهمة للغاية يجب استثمارها الان خصوصا وان خروج الرئيس الامريكي من الاتفاق النووي وقرار محاصرة ايران وفرض العقوبات عليها سيجعل من تحرك الصدر لضرب نفوذها في العراق ورقة ضغط اضافية ستجعل طهران تعيد حساباتها من جديد لتتخلى عن تهديدها للامن القومي العربي والاسرائيلي معا.
وتعهدت الرياض مؤخرا بـ 1.5 مليار دولار لإعادة بناء البلدات والمدن السنية التي تم تدميرها في الصراع. وهي تهدف إلى الاستثمار في مجالات أخرى من الاقتصاد أيضا، فقد تستثمر في مصنع للبتروكيماويات في مدينة البصرة الجنوبية، مما يقلل من اعتماد العراق على المنتجات النفطية الإيرانية. وهناك أيضا خطط لاستثمارات كبيرة في تطوير الزراعة في محافظة الأنبار الغربية، والتي تقع على حدود المملكة.
وتحقق الكثير؛ حيث أعيد فتح المعابر الحدودية، وتم استئناف الرحلات الجوية، مع نحو 140 رحلة شهريا بين الرياض وبغداد. وتقوم البعثات التجارية السعودية باستكشاف الفرص التجارية، وسط تقارير عن منافسة شديدة بين السلع السعودية والإيرانية.
وفي الواقع، قال مسؤول إيراني، في أبريل/نيسان الماضي، إن بلاده تخسر وضعها في الأسواق العراقية، مشيرا إلى انخفاض الرسوم الجمركية على البضائع السعودية. وحددت الرياض هدفا بقيمة 6 مليارات دولار للتجارة مع العراق خلال الأعوام الـ 10 المقبلة.
وكان هناك أيضا المزيد من الأمور الرمزية، والمهمة أيضا.
وحضر شعراء سعوديون مؤخرا مهرجانا أدبيا في البصرة، وتم تنظيم مباراة استعراضية بين السعودية والعراق في المدينة، تزامنا مع افتتاح قنصلية الرياض. وفي أول لقاء لهم منذ عقود، خسر السعوديون 4-1، لكنهم حققوا انتصارا كبيرا في العلاقات العامة، حيث قام المشجعون العراقيون بملئ ملعب البصرة، الذي تبلغ طاقته 60 ألف متفرج. وتعهد الآن الملك «سلمان»، ببناء استاد يتسع لـ 100 ألف مقعد في بغداد.
تغذية القومية
وجزء من الاستراتيجية السعودية هو مناشدة الهوية العربية القوية للعراقيين، في محاولة لتجاوز الفجوة بين السنة والشيعة. ومن الواضح أن هذا النهج له تأثير كبير، لا سيما بين الشيعة الذين تتفوق لديهم النزعة القومية العراقية على أي دين كما يؤيد هذا التوجه الزعيم العراقي مقتدى الصدر والزعيم الصرخي وزعمات عشائرية شيعية واسعة النفوذ زارت المملكة مؤخرا. وقد توفي العديد من الشيعة العراقيين وهم يقاتلون من أجل بلدهم في الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات ما يدل على وجود قاعدة كبيرة معادية لايران رات القيادة السعودية العودة لاحتضانها وكسبها بدل الاعتماد على سنة فاشلون .
وتعتبر العراق مدينة لإيران بالكثير لدعمها في هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية». وبدون تدخلها، يمكن القول إن الصراع كان ليظل مستعرا، حيث كانت هناك حدود واضحة للموارد التي كانت الولايات المتحدة مستعدة للالتزام بها. ومن الناحية الاقتصادية، لا تزال العراق تعتمد بشكل كبير على السلع والمواد الإيرانية؛ حيث تعتبر إيران ثالث أكبر شريك تجاري للبلاد بعد تركيا والصين الامر الذي تم دراسته في المراكز البحثية الاسرائيلية ووضعت الخطط الكفيلة لقطع هذا الشريان .
ومع ذلك، فإن العديد من الشيعة العراقيين يفضلون عدم استغلال إيران إسهامها في قمع التنظيم لتعميق مشاركتها في العراق. وهم يرون مشاركة السعودية المتنامية ليس فقط كموازنة للنفوذ الإيراني، وإنما فرصة لبلادهم للعب دور أكثر فاعلية في العالم العربي، وهو ما حرمته عقود من العزلة والصراع.
ومع بروز «الصدر» بصفته صانعا رئيسيا للسياسة في بلاده، يمكن للرياض توسيع نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي على العراق الامر الذي سيوفر على اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية شن حرب مباشرة عليها ، وربما من خلال الضغط على المساحة التي تحتلها إيران حاليا في العراق تحقيق انتصار مزدوج للرياض وتل ابيب. لكن طهران ستقاوم بالتأكيد لذا يجب على السعودية أن تحرص على عدم الدفع بقوة خشية تحرك قوة مليشيات الحشد بالتعاون مع حزب الله الامر الذي ممكن ان يقلب الطاولة على الجميع .
وآخر شيء سيطلبه «الصدر» أو «العبادي»، أو غيره من قادة الشيعة الودودين مع الرياض، هو أن تتحول العراق إلى ساحة للصراع بين جيرانها، قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية هناك أسوة بما يحدث في سوريا واليمن.
https://telegram.me/buratha