كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، اليوم الجمعة، محاولة الإمارات التجسس على هاتف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأمير سعودي، والعديد من المعارضين في دول مجاورة.
وقالت الصحيفة، بحسب رسائل بريد إلكترونية مسربة قدمت، أمس الخميس، في قضيتين ضد "إن إس أو" (NSO) الشركة المصنعة لبرامج المراقبة التي استعانت بها أبوظبي، وتتخذ من "إسرائيل" مقراً لها، إن مسؤولين بالإمارات طلبوا تسجيل مكالمات أمير قطر الهاتفية، بالإضافة إلى تسجيل مكالمات الأمير متعب بن عبد الله، قائد الحرس الوطني السعودي السابق.
وبينت أن قادة الإمارات يستخدمون برامج التجسس الإسرائيلية منذ أكثر من عام ، حيث حوّلوا الهواتف الذكية للمعارضين في الداخل أو المنافسين بالخارج إلى أجهزة مراقبة.
وتابعت: "عندما عُرض على كبار المسؤولين الإماراتيين تحديث باهظ لتكنولوجيا التجسس، أرادوا التأكد من أنها تعمل. وسأل الإماراتيون، وفق الرسائل المسربة: هل يمكن للشركة تسجيل هواتف أمير قطر، ماذا عن هاتف الأمير السعودي القوي الذي أخرج الحرس الوطني للمملكة؟ أو ماذا عن تسجيل هاتف رئيس تحرير صحيفة عربية في لندن؟".
وكتب أحد ممثلي الشركة في وقت لاحق، بعد أربعة أيام، وفقاً لرسائل البريد الإلكتروني: "تجدون تسجيلين ملحقين".
وتم إلحاق التسجيلين بالتسجيلات التي أجرتها الشركة مع رئيس التحرير ، عبد العزيز الخميس (رئيس تحرير جريدة العرب اللندنية سابقاً، وهو صحفي سعودي)، الذي أكد هذا الأسبوع أنه أجرى المكالمات وقال إنه لا يعرف أنه كان تحت المراقبة، وفق ما أوردت الصحيفة.
وبحسب الصحيفة، رفعت دعاوى في "إسرائيل" وقبرص من قبل مواطن قطري وصحفيين ونشطاء مكسيكيين استهدفهم كلهم برنامج التجسس التابع للشركة.
وتقع إجراءات الشركة الإسرائيلية، الآن في قلب الدعوى المزدوجة، التي تتهمها بالمشاركة النشطة بالتجسس غير القانوني، كجزء من جهد عالمي لمواجهة سباق التسلح المتزايد في عالم برامج التجسس.
وفي الوقت الذي تقوم فيه الشركات الخاصة بتطوير وبيع تقنيات المراقبة الحديثة للحكومات مقابل عشرات الملايين من الدولارات، تقول جماعات حقوق الإنسان إن "الرقابة الضئيلة على هذه الممارسة تؤدي إلى سوء الاستخدام".
- كيف يتم التجسس؟
وتعد "NSO" واحدة من أشهر منشئي برامج المراقبة التي تغزو الهواتف الذكية. وتؤكد الشركة في وثيقة مسربة، أنها ليست مسؤولة عن أي استخدام غير شرعي لبرامجها.
وتعمل التقنية عن طريق إرسال رسائل نصية إلى الهاتف المستهدف، ليتحول لأداة مراقبة للإمارات.
ويتم ذلك عبر برنامج اسمه "بيغاسوس"، وهو إسرائيلي متطور جداً، تستخدمه الإمارات للتجسس على شخصيات معارضة ويتيح لها تسجيل اتصالاتها والتجسس على رسائلها ومحادثاتها عبر "فايبر" و"واتساب"، وقراءة بريدها الإلكتروني، ليس هذا فقط، بل يتضمن البرنامج خاصية "التحكم عن بعد"، أي تشغيل الكاميرا وبرنامج "مايكروسوفت"، وغيرهما.
وفي الإمارات تقترح الشركة لغة عربية مخصصة للمنطقة الخليجية، وتكون الرسائل عبارة عن نصوص تهنئة أو دعوات من قبيل "رمضان مبارك" أو "خصومات لا تصدق" أو "كيف تحافظ على إطارات سيارتك من الانفجار".
ورفضت السفارة الإماراتية في واشنطن الرد على طلب نيويورك تايمز للتعليق على هذه التحقيقات والدعوى القضائية المرفوعة ضدها، كما رفضت الشركة الإسرائيلية أيضاً التعليق على الموضوع.
وكانت الصحيفة قد أشارت قبل عام إلى أن برامج التجسس التي تنتجها الشركة الإسرائيلية يتم استخدامها من قبل بعض الحكومات.
وفي المكسيك، باعت مجموعة "NSO" تكنولوجيا المراقبة إلى الحكومة المكسيكية على شرط واضح أن تستخدم فقط ضد المجرمين والإرهابيين، إلا أن بعض أبرز محامي حقوق الإنسان في البلاد والصحفيين ونشطاء مكافحة الفساد قد استُهدفوا بها، وفتحت المكسيك تحقيقاً فيدرالياً وبعد مرور عام لم يتم تحقيق سوى القليل من التقدم.
كما اشترت حكومة بنما برامج التجسس، واستخدمها الرئيس في ذلك الوقت للتجسس على منافسيه السياسيين والنقاد، وفقاً لوثائق المحكمة في قضية هناك.
- التجسس سلاح يُباع
وتُلقي الدعاوي المرفوعة على الشركة الضوء على المؤامرات السياسية التي تورطت بها "إسرائيل" ودول خليجية، والتي تحولت إلى سلاح لدى البعض.
وعلى الرغم من أن الإمارات لا تعترف بـ"إسرائيل" رسمياً، فإن لدى الاثنين "تحالفاً متنامياً خلف الكواليس"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وتعتبر "إسرائيل" التجسس بالنسبة لها سلاحاً يمكن أن تبيعه الشركات الإسرائيلية بمجرد حصول موافقة الجيش الإسرائيلي، وهو ما حصل مع الإمارات.
وبحسب الرسائل المسربة، فإن الإمارات وقعت عقداً مع "إسرائيل"، في أغسطس من العام 2013، ووصلت رسوم الترخيص الكلية إلى نحو 18 مليون دولار على الأقل في تلك الفترة، وقبل عام حصلت أبوظبي على تحديث للبرنامج تم الحصول عليه من قبل شركة تابعة مختلفة مقرها قبرص، وبلغت قيمة التحديث نحو 11 مليون دولار.
وبسبب الخلاف القطري الإماراتي حول الأوضاع التي جرت في مصر بالعام 2013، تصاعدت أزمة مكتومة بين البلدين لتصل ذروتها لعملية قرصنة لوكالة الأنباء القطرية العام الماضي، وبث تصريحات مفبركة لأمير قطر .
وبثت الإمارات من خلال برامج التجسس الإسرائيلية تفاصيل عملية المفاوضات التي قادتها الدوحة مع خاطفي مواطنيها في العراق الذين نجحت قطر بالإفراج عنهم بعد عام ونصف العام من الخطف، وذلك بغرض إحراج الدوحة.
وأظهرت الرسائل المسربة أن الإمارات اعترضت العديد من المكالمات الهاتفية في قطر منذ وقت مبكر عام 2014.
- تجسس على أمير سعودي والحريري
ليست قطر وحدها التي كانت مستهدفة من عملية التجسس الإماراتية الواسعة، وإنما أظهرت رسائل البريد الإلكتروني أن الإمارات طلبت من الشركة اعتراض مكالمات هاتفية للأمير متعب بن عبد الله، الذي كان يعتبر منافساً قوياً على العرش السعودي وكان وزيراً للحرس الوطني.
ودعم الإماراتيون الأمير محمد بن سلمان، الذي كان منافساً لمتعب، وفي العام الماضي أطاح بن سلمان بابن عمه وأيضاً بولي العهد الأمير محمد بن نايف.
وأعرب الأمير متعب في اتصال هاتفي عن دهشته من تنصت الإمارات على هاتفه وقال "إنهم لا يحتاجون إلى اختراق هاتفي، سأقول لهم ما أفعله".
وبحسب الرسائل المسربة، فإن الإماراتيين طلبوا أيضاً اعتراض مكالمات رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي لاحقته السعودية باحتجازه أسبوعين، وأجبرته على تقديم الاستقالة التي ألغاها لاحقاً بعد عودته إلى لبنان.
ومن بين الشخصيات التي تم استهدافها من قبل الإمارات، المعارض الإماراتي أحمد منصور، أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان والذي تم اعتقاله فيما بعد.
وكانت الإمارات والسعودية قد فرضتا حصاراً على قطر في يونيو من العام الماضي، حيث تشير الرسائل المسربة إلى أن الإمارات استهدفت هواتف نحو 159 من أفراد العائلة الحاكمة في قطر والعديد من المسؤولين القطريين.
- تجسس على مؤسسات دولية
وكانت العديد من التقارير كشفت تجسس الإمارات على مؤسسات دولية. وفي تقرير ببداية أغسطس 2018، لمؤسسة "سكاي لاين" الدولية، قالت فيه إنها وثقت عدداً من حوادث محاولات تجسس نفذتها السعودية والإمارات على موظفي منظمة العفو الدولية، ونشطاء بمنظمات حقوقية تعمل بمنطقة الخليج العربي.
ونددت المؤسسة التي تتخذ من استوكهولم مقراً لها، في بيان، بالثاني من أغسطس، بتعرُّض منظمة العفو وموظفي مؤسسات أخرى لمحاولات تجسس من حكومات دول خليجية، على خلفية أنشطة ومواقف تلك المؤسسات، فيما يتعلق برصد وفضح انتهاكات واسعة ترتكبها هاتان الدولتان.
وكانت "سكاي لاين" حذرت، في أكتوبر الماضي، من تداعيات تعاون إسرائيلي-إماراتي للتجسس، خاصة بمجال مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي وتقييد حرية الرأي والتعبير - المكفولة دولياً- بالإمارات.
وفي حينه، أعربت المؤسسة عن بالغ قلقها إزاء الأنباء عن تعاقد شركة "فيرينت" الإسرائيلية، الناشطة في الولايات المتحدة، مع الإمارات، لتصبح الشريك الرئيسي لها بمجال أنظمة الاعتراضات عبر الإنترنت.
- تجسس على سفارة إيران
وفي نهاية يوليو الماضي، فجرت صحيفة فرنسية فضيحة مدوية تتعلق بتجسس الإمارات على السفارة الإيرانية بالعاصمة أبوظبي؛ من خلال زرع كاميرات مراقبة لرصد مداخل ومخارج السفارة.
وكشفت صحيفة لوموند، في تحقيق استقصائي لمراسلها جاك فولورو، أن الإمارات من أكثر النقاط نشاطاً في العالم فيما يتعلق بالقضايا "الكلاسيكية" لعمليات التجسس؛ لأنها تمثّل محور النقل العالمي، ومركزاً يحتضن المؤتمرات الراقية، ووجهة سياحية جذابة.
وقالت الصحيفة في تقريرها: إن "الممرات الأربعة بشارع "الكرامة" الموجودة فيه السفارة، والفاصلة بين المبنيين، والغطاء النباتي الذي يخفي سفارة إيران، لا يشكل عائقاً أمام عملية تحديد هوية الأشخاص والسيارات التي تخرج من مقر السفارة".
وكشفت الصحيفة عن دبلوماسي غربي في أبوظبي قوله: إن "الهاجس الجيوسياسي الذي يشغل بال ولي العهد ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، محمد بن زايد آل نهيان، هو إيران وقطر، لهذا السبب تم تركيز نظام أمني متكامل، من بين أهدافه الرئيسية التجسس".
ونقلت الصحيفة عن ضابط تابع للقاعدة العسكرية الفرنسية في أبوظبي حول قضية التجسس على السفارة الإيرانية قوله: إن "السفارات الغربية بالإمارات أصبحت على يقين أن لا شيء يمر دون أن تلاحظه السلطات الإماراتية".
وليست هذه القضية التي كشفتها الصحيفة الفرنسية الأولى للإمارات في محاولتها بالتجسس، إذ نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريراً، العام الماضي، كشفت من خلاله عن سعي الإمارات لبناء شبكة تجسس ضخمة بالخليج، وذلك عبر التعاقد مع موظفين سابقين بأجهزة استخبارات أجنبية، وإغرائهم بالمال للقدوم إلى أبوظبي، وجعل خبراتهم تحت تصرفها.
وكشف تقرير موقع "ميدل إيست" البريطاني في وقت سابق عن قيام الحكومة الإماراتية بالتجسس على المواقع الإلكترونية والهواتف الذكية لجميع المقيمين.
المصدر :
https://www.sada-alkhaleej.com/news/3206
https://telegram.me/buratha