تحدث مقال جديد بمجلة نيوزويك الأميركية عما يسميه مخاطر الانهيار البطيء للنظام السعودي في ظل ولي العهد محمد بن سلمان.
وخلافا للتكهنات بأنه سيواجه احتجاجات واسعة إبان اندلاع الربيع العربي، تمكن النظام السعودي من البقاء عبر زيادة القمع ضد طيف واسع من منتقديه وبينهم إسلاميون ومدافعون عن حقوق المرأة وحتى بعض أفراد العائلة المالكة.
كان ذلك عام 2011، أما الآن فيقف ابن سلمان وحيدا في قمة هرم السلطة، ولكنه فقد الكثير من الأدوات التي تتيح له الحكم دون اللجوء للقوة بشكل مباشر.
وبحسب مقال للأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد فإن هذا الحل خطير وغير قابل للاستمرار، وهناك خطر جدي بفعل تآكل شرعية النظام مما سيقود لانهيار بطيء من الداخل.
ومن الإجراءات الأولية التي اعتمدها ابن سلمان تقويض الوهابية التي كانت مذهبا رسميا للدولة، وتشكل أساسا أو سببا لاستمرار لحكم آل سعود لمختلف مناطق ومكونات المملكة.
لقد نأى بنفسه عن المذهب الديني التقليدي للدولة، وجرد الوهابية من الهيمنة على السكان عبر تجاهل الفتاوى الراديكالية، ولكنه وضع معظم منتقديها في السجن لاحقا.
نتيجة لذلك، خلق فراغا في التصور أو النهج الوطني وليس بإمكانه ملء هذا الفراغ سوى بالقمع المباشر.
لقد اعتقل ابن سلمان كل أطياف الإسلاميين، من الراديكاليين إلى الحداثيين، لكونه يخاف من أي نقد يهدد ما يسمى الإصلاحات الجديدة التي أعلن عنها.
ليس كل المعتقلين يعارضون افتتاح دور السينما ورفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات، لكنه يخشى من نقد أكثر عمقا قد يقوض حكمه.
ومع تجاهله، وحتى إنكاره لأهمية الوهابية في استمرار سلطان العائلة السعودية، يحكم ابن سلمان بدون أيديولوجية الدولة القديمة، ويبدو مجبرا على استخدام القوة لمعاقبة معارضيه من داخل الدائرة الضيقة.
ثانيا، أراد الأمير ابن سلمان كسب شرعية جديدة عبر القيام بإصلاحات اقتصادية، ابتداء من برامج السعودة وخصخصة الأصول والخدمات الحكومية.
لقد وعد ابن سلمان السعودية بالعيش في مدينة فاضلة يحصل فيها الشباب على الوظائف والثروة في حقبة ما بعد النفط.
في البداية نجح في تحفيز المخيال الشبابي بوعود الازدهار والمشاريع المتطورة. لكن الحسرة كانت هي النتيجة.
يواجه الرجل تحديات حقيقية، وقد أُجبر على العودة للخلف والتراجع عن "الإصلاحات الاقتصادية".
النكسة الأكثر شهرة هنا تتعلق بخطة طرح 5% من قيمة شركة أرامكو للاكتتاب العام، وهي مضخة النفط العملاقة التي بفضلها تدور عجلة النظام السعودي والكثير من دول العالم.
ابن سلمان نفسه بحاجة للسيولة النقدية، وقد أصابه سعار الاستدانة من الخارج، الرقم الضخم حاليا يبلغ 12.5 مليار دولار في السندات الحكومية.
على نحو عاجل، اكتشف الشباب أن البطالة هي ما ينتظرهم بعد التخرج بدل الوعد بالعمل المريح.
وبإيقاع بطيء تغادر العمالة الوافدة المملكة، وفي ذات الوقت يزداد معدل إصدار التأشيرات للأجانب وترتفع نسبة البطالة بين الشباب السعودي.
ومع تسميته المفاجئة وليا للعهد عام 2016 واستبعاد أبناء العمومة الأكثر كفاءة، غاب الإجماع -وربما إلى الأبد- داخل العائلة الحاكمة.
يتعين على ابن سلمان التحرك بسرعة لإحكام قبضته على السلطة والمؤسسات السياسية في الدولة، للتخلص من أي خطر كامن قد يستيقظ لتهديد حكمه.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أطلق ابن سلمان دراما ريتز كارلتون، حيث اعتقل أكثر من 12 من الأمراء الأقوياء مثل متعب بن عبد الله والوليد بن طلال.
وطبقا لبعض الروايات، فإن الاعتقالات كانت إجراء وقائيا ضد انقلاب كان يخطط له هؤلاء الأمراء، ليس هناك تأكيد لهذه القصة ولكن حكاية محاربة الفساد كانت مجرد دعاية رسمية لتبرير عمليات الاعتقال وجعلها مستساغة بالقليل من التوابل.
لقد خلق ابن سلمان الكثير من الأعداء داخل عشيرته الأقربين، وذلك ما سيلاحقه لوقت طويل، وليس واضحا ما إذا كان قادرا على علاج الشرخ العميق دون المزيد من القمع.
وفي النهاية، وبما أنه لمّا يتم تأمين الجبهة الداخلية، اعتقد ابن سلمان أن تبني سياسة خارجية معادية لإيران والتعهد بطردها من العديد من الدول العربية، قد يُتوّجه بلقب محارب الصحراء الجديد.
على شاشات التلفزيون، كان هناك تعويل على كسب الشرعية عبر التعهد بنصر عسكري خاطف في اليمن واستعادة المجد السعودي عبر رؤية جديدة للمواطنة في المملكة.
ولكن الحقيقة على الأرض تبدو مغايرة، فصواريخ الحوثي بدأت تطال ضواحي العاصمة الرياض.
إن قصف ابن سلمان لليمن يبرهن على أنه من المستحيل الانتصار بهذه الحرب، إنه حبيس عش الدبابير اليمني بدون إمكانية للنصر ومن دون إستراتيجية للخروج.
ومع تصاعد الضغط الدولي إثر الخسائر البشرية والأزمة الإنسانية في اليمن، بإمكان ابن سلمان التعويل فقط على الولايات المتحدة وبريطانيا الداعمتين الرئيسيتين لهذه الحرب الغادرة.
بدونهما لا يمكنه الاستمرار في الحرب، وفقا للمسؤول السابق في "سي آي أي" بروس ريدل.
لم يحدث أبدا أن خاض الجيش السعودي حربا بمفرده، ولم يربحها من باب أخرى.
عام 1980، حاربت السعودية إيران إلى جانب جيش صدام ، وعام 1990 حاربت صدام لطرده من الكويت وكانت تقاتل إلى جانب الجيش الأميركي.
وما لم يكن الهدف تحويل الحرب إلى معسكر تدريب للجيش السعودي قليل الخبرة، فإنه لا يوجد أي مبرر منطقي لاستمرار الغارات السعودية دون نصر يلوح في الأفق.
وفي ظل القمع، لا يمكن توقع ثورة سعودية في المدى القريب، ما نراه هو التآكل التدريجي لشرعية النظام، وهو ما يمكن أن يستغرق وقتا طويلا قبل مرحلة الانهيار.
https://telegram.me/buratha