عادل الجبوري
انطلقت صباح الجمعة، الثامن والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر الجاري، انتخابات البرلمان المحلي لاقليم كردستان العراق، وسط أجواء سياسية متشنجة جدًا بين الفرقاء الاكراد، جراء التنافس المحموم على منصب رئاسة الجمهورية، وعدم التوصل الى توافق يفضي الى طرح مرشح واحد، وتجنب الخيارات السلبية البديلة للحسم.
بدأت العملية الانتخابية في اقليم كردستان بالتصويت الخاص، الذي يشمل منتسبي قوات البيشمركة الكردية، والأجهزة الأمنية المختلفة في الاقليم، البالغ عددهم - بحسب مقرر مفوضية الانتخابات في الاقليم اسماعيل خورمالي- 174 ألف عنصر، منهم 62465 عنصرًا في محافظة السليمانية، فيما تتوزع الاعداد الاخرى على محافظتي أربيل ودهوك.
أما عملية التصويت العام، فمن المقرر أن تجري بعد يومين، اذ أن ثلاثة ملايين وثلاثمائة الف مواطن يحق لهم المشاركة في الانتخابات، لاختيار مائة وأحد عشر نائبًا من بين أكثر من سبعمائة مرشحًا، يمثلون ثمانية وعشرين كيانًا سياسيًا.
الأحزاب والقوى الكردية الرئيسية، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير(كوران)، قررت خوض الانتخابات بقوائم مستقلة، فيما دخلت مجموعة من الاحزاب الاخرى الاصغر حجما بثلاثة تحالفات تشكلت على ضوء منطلقات فكرية ودينية وقومية، وهذه التحالفات هي: تحالف سردم (المعاصر)، الذي يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، وحزب العمال والكادحين الكردستاني، والاتحاد القومي الديمقراطي في كردستان، إلى جانب تحالف الوحدة القومية الذي يضم حزب بين النهرين المسيحي، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، وتيار شلاما، والمجلس القومي الكلداني، اما التحالف الثالث فيتمثل بجبهة الإصلاح التي تضم حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني، والحركة الإسلامية الكردية في كردستان.
ومن بين المقاعد المائة واحد عشر، هناك احد عشر مقعدا (كوتا) مخصصة للاقليات، خمسة منها للمكون التركماني، وخمسة مقاعد اخرى للمكون المسيحي، ومقعد واحد للأرمن.
وكانت مفوضية انتخابات الاقليم قد أعلنت في وقت سابق، أنها فتحت 1200 مركز انتخابي، مؤلفة من 5933 محطة تصويت في محافظات أربيل ودهوك والسليمانية.
وكان مقررًا أن تجري انتخابات الاقليم، العام الماضي، الا ان عموم الاوضاع الامنية والسياسية في الاقليم تسببت بإرجائها الى وقت اخر، علمًا أنه في الخامس والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر من العام الماضي، أجرت سلطات الاقليم استفتاءً عامًا حول الانفصال عن العراق، الامر الذي فاقم حدة الخلافات والتقاطعات داخل البيت الكردي، وازدياد عزلة الاقليم عن فضائه الوطني والمحيط الاقليمي والجو الدولي.
وبينما لجأت بعض القوى والشخصيات الكردية الى ورقة الاستفتاء لتحقيق مكاسب انتخابية على حساب المنافسين، القت هذه الورقة بظلالها على أجواء اختيار رئيس الجمهورية الجديد من بين المرشحين السبعة الذين استوفوا شروط الترشيح.
وكانت اخر انتخابات برلمانية في الاقليم قد جرت عام 2013، وحل فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بالمركز الأول بعد حصوله على ثمانية وثلاثين مقعدًا، وجاءت بعده حركة التغيير(كوران)، بإحرازها أربعة وعشرين مقعدًا، فيما حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على ثماينة عشر مقعدًا، والاتحاد الاسلامي الكردستاني على عشرة مقاعد، واحرزت الجماعة الاسلامية ستة مقاعد، وتوزعت المقاعد الاربعة الاخرى على مرشحين مستقلين.
وتجري الدورة الخامسة لبرلمان الاقليم، بغياب زعامات سياسية كبيرة، كان لحضورها في المشهد السياسي الكردي اثرًا ملموسًا في صياغة ورسم معالمه وملامحه، وتحديد مساراته، ومن بين ابرز الزعامات والشخصيات الغائبة، الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس الجمهورية الراحل جلال الطالباني، والمنسق العام لحركة التغيير (كوران) نوشيروان مصطفى، والعضو المؤسس للاتحاد الوطني الكردستاني عادل مراد.
الى جانب ذلك، فإنه خلال الاعوام الخمسة المنصرمة، طرأت متغيرات على الواقع السياسي الكردي، من قبيل حصول تصدعات وانشقاقات في بعض الاحزاب، كالذي حصل مع الاتحاد الوطني الكردستاني، لاسيما بعد رحيل زعيمه الطالباني، في مقابل ظهور عناوين جديدة، مثل حراك الجيل الجديد، وتحالف العدالة والديمقراطية، ناهيك عن بروز تيارات شعبية واسعة، تطالب وتدعو بقوة الى مغادرة القوى والشخصيات التي احتكرت ادارة الامور لعدة عقود واستأثرت بالمناصب والامتيازات، واصلاح الواقع الاقتصادي والحياتي السيء عبر عقليات واليات ومنهجيات جديدة.
تجدر الاشارة الى أن أول انتخابات برلمانية جرت في الإقليم عام 1992، بعد خروج الاقليم عن سلطة الحكومة المركزية على خلفية احداث حرب الخليج الثانية، والانتفاضة الشعبية التي اندلعت في معظم محافظات البلاد ربيع عام 1991، ولم تجرِ الانتخابات البرلمانية الثانية الا في عام 2005، أي بعد ثلاثة عشر عاما، بسبب الصراعات الدموية المتواصلة بين حزبي البارزاني والطالباني، لتتبعها انتخابات الدورتين الثالثة والرابعة في عامي 2009، و2013.
ومن المستبعد ان تفرز الانتخابات الحالية أرقامًا ومعطيات، يمكن أن تغير المعادلات القائمة، فإذا كان هناك تغييرات، فإنها ستكون طفيفة، اذ مازال الوقت مبكرًا لحدوث تحولات وانقلابات سياسية كبيرة من خلال صناديق الاقتراع في اقليم كردستان، فأدوات القوة والتأثير والنفوذ الحقيقي، مازالت بقبضة العناوين والرموز السياسية الرئيسية، سواء في اربيل او السليمانية، وكذلك فإنها لن تفضي الى ظروف وأوضاع أفضل، في ظل الخلافات والاختلافات والتقاطعات الحادة بين تلك العناوين وهذه الرموز.
https://telegram.me/buratha