التقارير

في ذكرى استشهاده .. محمد باقر الصدر الشمس التي لن تحجب بغربال    


تقرير خاص/ خالد الخفاجي – وكالة براثا

تمر اليوم ذكرى أبشع جرائم الغدر والاغتيال السياسي التي ارتكبها النظام البعثي العميل بحق المفكر والفيلسوف الإسلامي آية الله العظمى محمد باقر الصدر (قدس سره), .

ففي مثل هذا اليوم من عام 1980 تسللت تحت جنح الظلام مجموعة من قوات الأمن إلى دار الشهيد الصدر الثاني السيد محمد صادق الصدر ـ أحد أقربائه ـ وطلبوا منه الحضور معهم إلى بناية محافظة النجف، وكان بانتظاره هناك المجرم مدير أمن النجف لتسليمه جنازة الصدر وأخته العلوية الطاهرة (بنت الهدى)، بعد إعدامهما، وۥطلِب منه الذهاب معهم لدفنهما، فأمر مدير الأمن الجلاوزة بفتح التابوت، فشاهد السيد محمد صادق الشهيد الصدر (رضوان الله عليه). مضرجاً بدمائه، وآثار التعذيب غطت وجهه، وكذلك كانت الشهيدة بنت الهدى (رحمهما الله). وتم دفنهما في مقبرة وادي السلام، المجاورة لمرقد الإمام علي (عليه السلام) في النجف الأشرف.

ولد الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ، وكان والده العلامة المرحوم السيد حيدر الصدر ذا منزلة عظيمة، وقد حمل لواء التحقيق والتدقيق والفقه والأصول، وكان عابداً زاهداً عالماً عاملا، ومن علماء الإسلام البارزين.

هو مؤسس مدرسة فكرية إسلامية أصيلة تماماً، اتسمت بالشمول من حيث المشكلات التي عنيت بها ميادين البحث، فكتبه عالجت البُنى الفكرية العليا للإسلام، وعنيت بطرح التصور الإسلامي لمشاكل الإنسان المعاصر ... مجموعة محاضراته حول (التفسير الموضوعي) للقرآن الكريم طرح فيها منهجاً جديداً في التفسير، يتسم بعبقريته وأصالته.

تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ.

درس السيد الصدر المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية, ثم بدأ بتدريس الدورة الأولى في علم الأصول ولم يتجاوز عمره الخمس وعشرون عاماً.

من سمات شخصية المرجع الشهيد (رحمه الله) تلك العاطفة الحارة، والأحاسيس الصادقة، والشعور الأبوي تجاه كل أبناء الأمة، تراه يلتقيك بوجه طليق، تعلوه ابتسامة تشعرك بحب كبير وحنان عظيم، حتى يحسب الزائر أن السيد لا يحب غيره، وإن تحدث معه أصغى إليه باهتمام كبير ورعاية كاملة، وكان سماحته يقول: إذا كنا لا نسع الناس بأموالنا فلماذا لا نسعهم بأخلاقنا وقلوبنا وعواطفنا؟

لم يكن الشهيد الصدر زاهداً في حطام الدنيا، لأنه كان لا يملك شيئاً منها، أو لأنه فقد أسباب الرفاهية في حياته، فصار الزهد خياره القهري، بل زهد في الدنيا وهي مقبلة عليه، وزهد في الرفاه وهو في قبضة يمينه. وكأنه يقول (يا دنيا غري غيري): فقد كان زاهداً في ملبسه ومأكله لم يلبس عباءة يزيد سعرها عن خمسة دنانير (آنذاك)، في الوقت الذي كانت تصله أرقى أنواع الملابس والأقمشة ممن يحبونه ويودونه، لكنه كان يأمر بتوزيعها على طلابه.

كان السيد الصدر يعتقد بأهمية وضرورة إقامة حكومة إسلامية رشيدة، تحكم بما أنزل الله عز وجل، تعكس كل جوانب الإسلام المشرقة، وتبرهن على قدرته في بناء الحياة الإنسانية النموذجية، بل وتثبت أن الإسلام هو النظام الوحيد القادر على ذلك، وقد أثبت كتبه (اقتصادنا، وفلسفتنا، البنك اللاربوي في الإسلام، وغيرها) ذلك على الصعيد النظري.

وكان يعتقد أن قيادة العمل الإسلامي يجب أن تكون للمرجعية الواعية العارفة بالظروف والأوضاع المتحسسة لهموم الأمة وآمالها وطموحاتها، والإشراف على ما يعطيه العاملون في سبيل الإسلام في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من مفاهيم، وهذا ما سماه السيد الشهيد بمشروع (المرجعية الصالحة).

من الأمور التي كانت موضع اهتمام السيد الشهيد (رضوان الله عليه) وضع الحوزة العلمية، الذي لم يكن يتناسب مع تطور الأوضاع في العراق ـ على الأقل ـ لا كماً ولا كيفاً، وكانت أهم عمل في تلك الفترة هو جذب الطاقات الشابة المثقفة الواعية، وتطعيم الحوزة بها.

عرف عنه غزارة العلم وسعة المعلومات, وشغف ومنذ بدايات عمره بالبحث والتاليف, فالف عددا كبيرا من المؤلفات التي تنوعت بين دراسة وبحث وكتاب, كان اشهرها كتاب (فلسفتنا) الذي أحدث ضـــــجة كبـــــرى فــي الاوساط الفــــكرية الاسلامية وغير الاسلامية، وناقش الامام الصدر فيه أهم النظريات الفــلسفية المطروحــة في العالــم الفكــري، وقدم بصورة واضحــة نظريـة المعرفة الاسلامـية، وناقــش رضـــوان الله عـــليه الفلسفة المادية مناقشة علميـة رائعــة، ضمن منهج موضوعي تميز به دون سواه.

وهو دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية، وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية والديالكتيكية الماركسية, وكتاب (اقتصادنا) الذي عد انجازا علـميـا متمــيزا فـي الـفــــــكـــر الإسلامي وفي الفكر الاقتصادي بشــــكل عام ، فقد تنــاول الامام الشهيــــد بالبحث العلمي الدقيق موضوع الاقتصاد كمذاهب شاخــصة تنتمي الى مدارس عقيدية، وقد ناقش الشهيد الاقتصاد المـاركــسي والرأسمالي حيث بـــرهــن بالــدليل العلمـــي على فـــشــــل الاسس النظرية لهذين المذهبين. كما قدم الشهيـــد الصــدر المذهب الاسلامي في الاقتـــصاد وهـــو أول من طرح هذ الموضوع بعمق وشمولية لم يسبقه اليها أحد.

للسيد مواقف مشرفة كثيرة ضد النظام البعثي العميل, فقد حاولت زمرة البعث الحاقدة على الإسلام والمسلمين توجيه ضربة قاتلة لمرجعية المرحوم آية العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره) عام 1969 من خلال توجيه تهمة التجسس لنجله العلامة السيد مهدي الحكيم، الذي كان يمثل مفصلا مهماً لتحرك المرجعية ونشاطها، فكان للسيد الشهيد الموقف المشرف في دعم المرجعية الكبرى من جانب، وفضح السلطة المجرمة من جانب آخر، فأخذ ينسق مع المرجع السيد الحكيم (قدس سره) لإقامة اجتماع جماهيري حاشد، ويعبر عن مستوى تغلغل المرجعية الدينية وامتدادها في أوساط الأمة، وقوتها وقدرتها الشعبية وحصل الاجتماع في الصحن الشريف لمرقد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان حاشداً ومهيباً ضمّ كل طبقات المجتمع العراقي وأصنافه.

ولم يقف دعمه عند هذا الحد، بل سافر إلى لبنان ليقود حملة إعلامية مكثفة دفاعاً عن المرجعية، حيث قام بإلقاء خطاب استنكر فيه ما يجري على المرجعية في العراق، وأصدر كثيراً من الملصقات الجدارية التي ألصقت في مواضع مختلفة من العاصمة بيروت.

كما تصدى (رضوان الله عليه) إلى الإفتاء بحرمة الانتماء لحزب البعث، حتى لو كان الانتماء صورياً، وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد، فكان هو المرجع الوحيد الذي أفتى بذلك، وحزب البعث في أوج قوته وكان ذلك جزءاً من العلة وأحد الأسباب التي أدت إلى استشهاده.

لقد ارادت سلطة الاجرام البعثية اطفاء شعلة النور والنار التي كانت ستلهب عرشها بالغدر بالشهيد, ولكن العرش البعث تداعى وظل الصدر مصدر اشعاع ينير دروب المجاهدين.

الرحمة والسلوان للشهيد واخته ولجلاديه الخزي والعار.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك