محمد كاظم خضير/ كاتب وباحث سياسي
في الوقت الذي تعاني فيه أغلبية بيوت الأحياء الشعبية من الظلام الدامس و سكوت أجهزتهم الكهربائية البسيطة عن الأداء، تزأر مولدات الطاقة القوية في خلفيات بيوت كبار الموظفين و المحاسبين و رجال الإهمال ـ الذين يمتصون معا و بلا هوادة رحيق خزينة البلد ـ لتنير بيوتهم و تلبي رغباتهم كلها فلا يبالون أو يحسون بانقطاع التيار العام الذين هم في حل كذلك من دفع فواتيره الضخمة في تعمد الاحتيال على كمية الاستهلاك بعيدا عن أعين الرقابة
و سلطة القانون. و يصل الانقطاع في هذه الأيام حدا يتجاوز اربع عشر ساعات بعض المرات تكون موزعة على فترات أحيانا و مستمرة في حالات أخرى، الأمر الذي يتسبب في تلف اللحوم و كثير من المواد
الغذائية و يعرض بعض الأدوية لحالة الخطورة. و الملفت للانتباه أيضا أن هذه الأحياء الشعبية بدأت تعاني كذلك من انقطاع خطوط الماء لساعات طويلة. ترى بماذا يبرر مسؤولو هذين القطاعين الحيويين لفخامة الرئيس الوزراء عادل عبد المهدي ـ الذي لا بد أنه على علم بمعاناة رعيته ـ هذه الوضعية الخطيرة و الشهر الكريم على وشك الانقضاء؟ فهل جمع بعض المال من فاتورة المحروقات العامة لمناسبة عيد الفطر أحد الأسباب وراء حالة غير مقبولة؟
صمت أمعاء الجياع و ضجيج شبع الأغنياء
توشك العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أن تنقضي في البلدان الإسلامية و الناس فيها لا يريدون لأجوائه الميمونة و بركاته العارمة و روح المساواة فيه و إحساس الأغنياء بالفقراء و رضا الفقراء عن الأغنياء أصحاب المصانع التي تشغلهم و تبني لبلدانهم سمعة و تحقق استقلاليتها عن الخارج و اكتفاء ذاتيا في الداخل؛ أغنياء من مجموع رجال أعمالهم الوطنيين الشرفاء و المشفقين الرحماء على بني جلدنهم و أساس ثروتهم يتقاسمون فرحة الشهر معهم في تواضع و تآخ و تؤازر.. هي المشاهد الفياضة التي تبثها المحطات العالمية و تنشر معانيها الجليلة. أما عندنا في بلاد التناقضات الكبرى فإن الأمر دون ذلك يشوب الرياءُ بعضَه المعلن في برامج تلفزيونية بأسلوب يسيء إلى الفقراء و المرضى أكثر مما يحملهم لهم من العون بكشف عورة ضعفهم و سقمهم و تعرية هوانهم على الناس؛ عون هزيل يقدم على نحو يفتقر إلى التواضع و الحياء و قواعد الإنسانية، تضيقه انحساريةُ الزوايا و يعيبه سقيم الوجهات، فيعاني الفقراء و ذوو الدخل المحدود من ضيق ذات اليد و غياب روح التعاضد و المساعدة الخالصة و انعدام المغيث الذي يمد حبل الود سرا حتى باتوا عاجزين عن تأمين فطورهم في العشر الأواخر... و على الشاطئ الآخر ترمى فضلات الفوائد الفاخرة في الزبالة لتشبع بها القطط و الكلاب الضالة من بعد شبع الضمائر الغافلة الميتة... فأين من هذا الواقع المرير روح رمضان و تحقيق معنى الصوم إيمانًا واحتسابًا و الاعتكاف مع النفس لمحاسبتها؟ أم أن الغفلة المتدثرة بالرياء تنطق بقانون "سيبة" ما زالت تحكم بقبضة الماضي الآثم؟
جمود العطاء في عصر الاقتضاء
و أنا ممعن طيلة الشهر الكريم في البحث الدؤوب عن مدارك الاستنباط ـ لضرورات عصر استثنائي بكل المقاييس و عن كل مستجد في التفقه بعلوم الدين و سبر النزعات التجديدية الملحة في التأويل من لب النص المحكم التنزيل و اتساع السنة العطرة الطاهرة ـ استوقفني على بضع شاشات من دول المشرق و جيل جديد من المحاضرين يمتلك أفراده لغة جديدة رصينة على بساطتها من حيث المفردة و التركيب السلس و الانسيابية و سرعة النفاذ إلى المسامع و العقول و قوة الإقناع؛ جيل لا يخرج عن مضامين العلم الشرعي و لا يحيد عن المقاصد، لكنه مستوعب لخصوصيات العصر و متطلبات المرحلة الدقيقة. .
غياب تقليد جامع لشهر مانع
يكثر في أيام العشر الأواسط انقطاع التيار الكهربائي و الصفقات المشبوهة الوهمية و أعمال الورش المتكررة بالهدم و إعادة البناء و كأن هذه الأحوال من أجل توفير و ادخار من المال العام لقادم أيام متطلباتها كبيرة. و بالطبع فإن أيام رمضان المباركة تمضي في عرض هذه البلاد و طولها رتيبة على غير ما هو الحال في الدول الإسلامية حيث الحيوية و الحرارة و استقطاب أوجه الخير هي سيدة الموقف و علامة الطريق البارزة من ناحية، وفي تعاطي شعبها الفقير في غالبيته العظمى مع رسالته السامية على خلاف ما تؤدي شعوب هذه البلدان العربية و الأعجمية بارزا بما تمتلكه للصيام من الرصيد الزاخر، في تقليد جامع موحد، بالعمل الخيري التضامني المجرد من علامات الكبر و ختم الأشخاص، و ما تتحلى به من مساطر سلوكية متأصلة، عميقة المعاني، رفيعة الدلالات، قوية الوقع في النفوس و التأثير على الأبدان و المقاصد الحسنة العليا... و رغم كل شيء يمضي الشهر الكريم حافلا بالرحمات ينشرها من لدن الرحمن لينالها من كتب له الفوز و اهتدى إلى الطريق القويم.
https://telegram.me/buratha