التقارير

مجلس الامن في بغداد.. لماذا الآن؟

2291 2019-07-02

عادل الجبوري

 

  للمرة الاولى منذ الاطاحة بنظام صدام قبل ستة عشر عاما -وحتى خلال عهده- يزور وفد كبير من اعضاء مجلس الامن الدولي العراق، ويلتقون كبار الشخصيات والزعامات السياسية في البلاد.

   ومن الطبيعي جدا ان لا ينظر الى تلك الزيارة غير المسبوقة، كما لو انها جزء من الحراك الدبلوماسي التقليدي بين العراق من جهة، ومحيطه الاقليمي والفضاء الدولي من جهة اخرى، لان الزيارة من حيث طبيعة الوفد الزائر، والظروف والاوضاع السياسية الراهنة في العراق والمنطقة، تحتاج الى قراءة معمقة ودقيقة، تأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات والحقائق القائمة على الاصعدة المحلية والاقليمية والدولية.

  وفي اطار المعطيات والتحليلات، فإن هناك اتجاها، يقول ان زيارة وفد مجلس الامن الدولي، الذي ترأسه مندوب الكويت الدائم في الامم المتحدة منصور العتيبي -باعتبار ان الكويت تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الامن الدولي- استهدفت اظهار الدعم للعراق ومساعدته على تجاوز المشاكل والازمات التي يعانيها جراء عوامل وظروف مختلفة، ابرزها الارهاب الداعشي.

   ويستند هذا الاتجاه في قراءته الى التصريحات الواردة على لسان رئيس واعضاء الوفد وكذلك كبار الساسة والمسؤولين العراقيين.

   فبحسب مصادر في مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، قيل ان الزيارة تمحورت حول "دعم مجلس الأمن للعراق وسيادته ووحدته واستقراره، وبحث استمرار التعاون والتنسيق وتعزيز عمل بعثة الأمم المتحدة في المجالات الإنسانية وشؤون النازحين وإعمار المناطق المحررة وقضايا المرأة والطفل".

   ويؤكد بيان صادر عن مكتب عبد المهدي، "ان هذه الزيارة المهمة تدل على دعم المجلس واهتمامه بالعراق وبالتحولات التي يشهدها في جميع المجالات وتجاوزه بنجاح التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية الكبيرة، اذ ان العراق شهد حروبا خارجية وداخلية وحملات اضطهاد وإبادة وموجات إرهاب، وورث دمارا للبنى التحتية وانقسامات مجتمعية وهدرا للثروات والموارد البشرية والمادية وديوناً كبيرة".

العتيبي بدوره قال "جئنا للتعبير عن دعمنا للعراق ووحدته وسيادته ولتقديم التهاني بتحقيق الانتصار على تنظيم داعش، الذي تم بفضل الله وبتضحيات الشعب العراقي، وللتأكيد على أن المجتمع الدولي يقف إلى جانب العراق، ويرحب بتحسين العلاقات مع الدول المجاورة ومحيطه العربي والإقليمي والدولي".

   وطبيعي ان مجلس الامن الدولي، كمنظومة واحدة، يحرص على استعادة العراق امنه واستقراره وازدهاره، بيد ان مثل ذلك الهدف، قد يكون محكوما بمشاريع واجندات سياسية مختلفة ومتقاطعة، غالبا ما تجعل الهدف الاساس يتراجع لصالح اهداف خاصة، ولعل هذا ما واجهه العراق بعد الاطاحة بنظام صدام، وهذا ما عمّق الكثير من المشاكل وخلق المزيد منها، بدءا من الطريقة التي اسقطت فيها الولايات المتحدة الاميركية نظام صدام، واسلوب ادارتها للبلد فيما بعد، وكيفية لعبها بالورقة الطائفية، وتوظيفها للجماعات والتنظيمات الارهابية المسلحة في اثارة الفوضى والعنف والاضطراب السياسي والمجتمعي بين مكونات وشرائح الشعب العراقي.

  ولا يمكن ان ينكر اي كان التأثير الاميركي في عموم احداث وتفاعلات المشهد العالمي، رغم وجود قوى دولية اخرى فاعلة ومؤثرة وقادرة على كبح جماح جزء من السياسات الاميركية المتهورة والعدوانية.

   وهنا فإن واشنطن حاولت توجيه زيارة وفد مجلس الامن الدولي لبغداد بالاتجاه الذي يخدم حساباتها ويعزز مصالحها ومواقفها حيال عموم مجريات الوقائع والاحداث في المنطقة، لا سيما صراعها مع طهران.

   ومن هذه النقطة، ينطلق الاتجاه القائل ان التعبير عن الدعم الدولي للعراق، تحصيل حاصل، وهو موقف قد ينطوي على بعد سياسي ودبلوماسي اكثر منه انعكاسا لمواقف عملية واقعية شاخصة على الارض، وربما لا يتطلب ذلك ان يأتي وفد كبير من اعضاء المجلس الى بغداد لتأكيد ذلك الموقف، وجوهر الموضوع، يتمثل في ان طبيعة مسارات الصراع  بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جانب، والجمهورية الاسلامية الايرانية وحلفائها من جانب اخر، والاتجاهات الخطيرة له، تتطلب تحركا على كل المستويات والاتجاهات لمن يسعى جادا لنزع فتيل الازمة وتجنيب المنطقة حربا مدمرة اخرى، ويمكن ان تكون الزيارة ضمن هذا السياق، وهذا امر جيد، خصوصا اذا عرفنا ان العراق يمثل عنصراً محورياً واساساً، سواء في خيارات الحرب او خيارات السلام، معززا بعوامل وظروف وادوات تساعد في هذه المرحلة بالذات، على ترجيح كفة خيارات السلام، الا اذا استمرت واشنطن بمحاولاتها ومساعيها لجره ودفعه ليكون اداة لصالحها ضد ايران، وساحة لانطلاقها حينما يقرر رئيسها ترامب اشعال شرارة الحرب.

   ولعل اعضاء وفد مجلس الامن الدولي الذي جاؤوا الى بغداد يدركون الكثير من الحقائق، ويعرفون خفايا واسراراً قد لا يتاح الان البوح بها والكشف عنها، مثلما يدركها ويعرفها الساسة العراقيون الذين اجتمعوا بالوفد ساعات طوالاً، تركز معظمها -مثلما يقول المطلعون- على طبيعة وحجم وماهية المخاطر والتحديات التي تجابهها دول وشعوب المنطقة، وكيفية الحد منها واحتوائها.      

   ولا شك ان صراع الارادات بين من يبحث عن السلام، وبين من يحاول تمرير اجنداته وفرض مشاريعه بشتى الوسائل والاساليب، متواصل ومستمر، ولن يتوقف وينتهي، ولكن بالامكان تحييده وتطويقه الى اقصى قدر ممكن، وما زال هذا المسار فاعلا ومثمرا، والعراق مساهم بقوة في تعزيزه والدفع به الى الامام.

   قيل ان صناع القرار السياسي العراقي، قد قطعوا الطريق منذ البداية، واكدوا لوفد مجلس الامن، ان العراق غير مستعد لسماع الاملاءات او تلقي الاوامر، او الاذعان للتهديدات من اي طرف كان، ورسالته الواضحة والصريحة هي انه يسعى الى المساهمة الحقيقية بتكريس الهدوء والسلام، ومستعد للتعاون مع الجميع من اجل ذلك، بما يحفظ مصالحه ويصون امنه ويكرس استقلاله، ولا شيء خلاف ذلك. ولعل مثل تلك الرسالة قد لا تعجب واشنطن وحلفاءها واصدقاءها واتباعها في المنطقة، لانهم ربما يريدون ان تكون بغداد مرة اخرى البوابة الشرقية في الحرب على طهران!.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك