محمد صادق الحسيني
كل المؤشرات الميدانية بالجغرافيا كما بالسياسة تفيد بان امريكا تفقد السيطرة على النظام العالمي رويداً رويداً والبداية من برنا وبحرنا..!
وان قيام الرئيس الاميركي بفرض عقوبات على العديد من دول العالم لن يحوِّل الهزيمه الاستراتيجيه الاميركيه المدوية في غرب آسيا والتي كانت السبب الرئيسي وراء ذلك الى نصر . وذلك للاسباب التاليه :
1. ان المشهد الذي نراه الان ، في شمال شرق سوريا ، ليس نتيجة لنزغ اردوغان وعدوانه على سورية ولعبه على الحبال ، وانما هي جزء من دلالات الهزيمه ، التي تلقاها المحور الصهيواميركي في مسرح عمليات "الشرق الاوسط " والذي يعتبر اردوغان حلقة من حلقاته .فلا ننسى ان جيش اردوغان ومرتزقته يستخدمون دبابات / إم ٦٠ / الاميركيه التي تم تحديثها في "اسرائيل " ومجموعها ٤٦٠ دبابه .
2. ان الانسحاب الاميركي من شرق سورية هو أيضاً لم يكن نتيجة لقرار مزاجي اتخذه الرئيس الاميركي وانما هو قرار مدروس وانعكاس لنفس الهزيمة الاستراتيجيه ، المشار اليها اعلاه ، ويندرج في اطار توجهات ترامب لخفض الانفاق العسكري الاميركي ، على صعيد العالم .
٣- وهذا يعني ان الانسحاب من سورية هو الخطوة الاولى لاستكمال الانسحاب من كافة قواعد الجيش الاميركي في المنطقة كلها ، بما في ذلك تفكيك القاعده العسكريه المقامه على ارض. فلسطين والمسماة اسرائيل ( او التخلي عنها في حال تعرضها لهجوم مدمر ) .
4. وفِي هذا الصدد يجب التأكيد على ان الجانب الاميركي لم ولن يقدم اي ضمانات جديده لاسرائيل بعد كل التطورات الدراماتيكيه في شمال شرق سورية على وجه الخصوص ، ذات البعد الاستراتيجي الدولي ، والتي تؤذن ببدء عصر جديد ، غير العصر الاميركي ، يقوم على قاعدة العالم متعدد الأقطاب .
5. وخير دليل على الهزيمة الاستراتيجية الاميركيه في غرب آسيا هو ما نشرته صحيفة الاندبندنت البريطانيه حول قيام الولايات المتحده بسحب ٥٠ قنبلة نووية / طراز B61 / من قاعدة انجرليك التركيه ، ونقلها الى قاعدة بوفيدز Powidz في بولندا /٢٠٠ كم غرب وارسو / وقاعدة كونغالنيسيانو Michail Kongalniciano الرومانية الواقعه على بعد ٣٠كم الى الشمال من ميناء كونستانسا الروماني الواقع على الساحل الغربي للبحر الأسود ، حسب مصادر استقصاء صحفيه متخصصة في هذا المجال .
6. اما دواعي ومسببات هذه الهرولة الاميركيه ، الى سحب قواتها من غرب آسيا وخفض نفقاتها العسكريه في هذه المنطقة من العالم ، فتعود الى المأزق الاستراتيجي الاميركي الحقيقي والمتمثل في التحدي الاقتصادي والعسكري السياسي الصيني الروسي - وقريباً ستنضم لهما الهند أيضاً - والمتمثل ليس فقط في النمو الاقتصادي الصيني الهائل وانما في التقدم المرعب لصناعة السلاح الصينيه الروسيه ومعهما الهنديه ،والتي تستند الى قاعدة علمية - تكنولوجية تفتقر لها الولايات المتحده ، بسبب اهدار مواردها الماليه في جبال طورا بورا (افغانستان ) ورمال الكويت والعراق ٠ في حروب عبثيه - بينما استثمر الثلاثي اعلاه مواردهم الماليه في التطوير المعرفي العلمي التكنولوجي والذي هو قاعدة الصناعه الحديثه وعالم المستقبل .
وما ايران الا مثالاً على نجاح هذه الاستراتيجيه ، العلم والمعرفه ، والتي حولت الدوله الى دولة صناعية هامة وعملاق إقليمي في اربعين عام فقط .
7. كما لا بد ان نتذكر ، في هذا السياق ، ان اسباب القلق الاميركي من مواجهة العملاق الاقتصادي الصيني ، ومعه روسيا والهند مستقبلاً ، لا تقتصر على مظاهر القوه الاقتصاديه الصينيه الروسيه الهنديه الحاليّه وانما تصل الى الخوف من الامكانيات المستقبليه وعدم وجود اَي فرصه ، لا للولايات المتحده ولا للاتحاد الاوروبي للإبقاء على سياسة الهيمنه على مقدرات العالم ، كما كان عليه الوضع حتى الآن . اذ ان روسيا تمتلك ٤٠٪ من احتياطات العالم اجمع من كل شيء ، سواء النفط او الغاز او المعادن او الثروات الطبيعية الاخرى مثل الخشب....
فاذا أضفنا الفائض المالي الصيني وما يعنيه ذلك من امكانات استثمار هائلة مضافاً اليها العقول والأسواق الهنديه الى الثروات الروسيه فاننا لا بد ان نصل الى الحقيقة القائلة ، بأن استمرار الولايات المتحده في انكار الهزيمه والحفاظ على مستوى انتشارها العسكري الحالي ، على صعيد العالم ، سوف يؤدي الى نهاية الولايات المتحده بالضربة القاضيه وليس بالتفكك التدريجي الذي توقعته مجلة ذي ناشيونال انترست الاميركيه ، قبل ايّام على موقعها الالكتروني ، بتاريخ ١٢/١٠/٢٠١٩ ، اذ توقعت ان يحصل ذلك في حدود عام ٢٠٤٥.
8. اذن فالأزمة أعمق من ان يحلها نائب الرئيس الاميركي ، في زيارة عابرة الى تركيا ، ولا هي قابلة للحل من خلال عدوان اردوغان على شمال شرق سورية، والذي من اهم مسبباته محاولة اردوغان اشغال جنرالات الجيش التركي في مشاكل حدوديه للتغطية على قيامه باعتقال المئات من زملائهم والزج بهم في السجون خلال السنوات الثلاث الماضيه .
وهذا يعني ان جوهر المأزق الاميركي هو جوهر بنيوي انعكس في صورة سلسلة هزائم ، منذ بداية القرن الحالي وحتى اليوم ، وكذلك الامر في موضوع العلاقه الاميركيه .
فطبيعة الازمه اكثر بنيوية من ان تكون أزمة او خلافاً بسبب موضوع محدد، مثل العدوان الاردوغاني على سورية او شراء منظومات الصواريخ الروسيه او غير ذلك .
انها أزمة خيارات تشير الى ان تركيا قد تكون بدأت تخط استراتيجية جديدة لتنجو بجلدها وتضمن مستقبلها بعيداً عن النهاية القاتمة للمعسكر الذي تنتمي له ،وقد يكون هذا هو السبب بالذات ، الذي جعلها لم تعد محل ثقة الولايات المتحده ، التي ترى في التوجهات التركيه الجديده ( التفاهمات مع روسيا وايران حول سورية والسيل الجنوبي للغاز الروسي وشراء منظومات الصواريخ الروسيه ...) قرائن و ادلة على ان تركيا لم تعد محل ثقة ولا بد من تدميرها .
وهذا ما يفسر سيل التهديدات الامريكية لها بفرض اقسى العقوبات عليها . انها السنن الكونية للتغيير ولن تجد لسنة الله تبديلا بعدنا طيبين قولوا الله
https://telegram.me/buratha