د . جواد الهنداوي*
لنتساءل اولاً ماهي أهداف صفقة القرن ؟
يخطأ مَنْ يظّنُ انَّ هدف الصفقة هو السلام بين الفلسطينين و اسرائيل او السلام في المنطقة ، لا في مصلحة اسرائيل و لا في مصلحة الصهيونية و إدارة ترامب إنْ يعّم الاستقرار و السلام في المنطقة .
ادرك الصهاينة في امريكا و في اسرائيل بأنَّ
عدم الاستقرار و غياب اتفاق سلام ، و المعارك و المناوشات من حين لآخر بينهم وبين الفلسطينين ،جميعها احداث و وقائع ،على حساب جغرافية و حقوق الفلسطينيين وعلى حساب مصالح العرب . جميعها احداث ساهمت في ترسيخ اسرائيل و تعزيز كيانها .
مضى على اتفاق أوسلو بين اسرائيل و السلطة الفلسطينية اكثر من ربع قرن ! كانَ الهدف المعلن للاتفاق هو السلام و دولة فلسطينية ، ولكن نيّة الاسرائيلين والصهاينة كانت التطبيع مع الفلسطينيين و استخدام السلطة الفلسطينية و توظيف اجهزتها لأجل تصفية المقاومة والتوسع في الاستيطان . و النتيجة اليوم ؛ لا سلام و لا دولة فلسطينية ،بل يتجهّ الفلسطينيون الذين رعوا و نفذوا اتفاق أوسلو الى حَلّ السلطة الفلسطينية !
صفقة القرن او " صفعة القرن" كما وصفها السيد محمود عباس ،رئيس السلطة الفلسطينية ، ما هي الاّ ، امتداد لاستراتيجية اسرائيل وهدفها : المزيد من التوسع في ضّم أراضي فلسطينية و عربية و التطبيع بين دول الخليج و اسرائيل . بحجّة صفقة القرن سيتم تمرير صفقات ( تطبيع و اتفاقيات اقتصادية و جغرافية عربية و خليجية اسرائيلية ).
الرئيس ترامب و نتنياهو كلاهما يواجهان مصير مشترك : متهمان بالفساد و الكذب و الاحتيال ، ويمثلان امام محاكم . و كلاهما امام استحقاق انتخابي او تشكيل حكومة . توقيت اعلان الصفقة يتناسب مع استحقاقاتهم الانتخابية وحاجتهم لإنجاز يشغل الرأي العام الامريكي و الاسرائيلي بأيجابياته .
هي صفقة ترامب و نتنياهو ،او بالأحرى هي صفقة البيت الصهيوني ، هي صفقة موجّه لمحيط اسرائيل ، و
لإرساء هيمنة اسرائيل في المنطقة ، و لا علاقة لها بفلسطين او بالشعب الفلسطيني . لم يساهم الفلسطينيون لا في أعدادها و لا في أبرامها و لا في إعلانها او تطبيقها !
كلُ ما شهدته و تشهده المنطقة ( محيط اسرائيل ) من احداث سياسية و أمنية ، ومنذ مجئ الرئيس ترامب ، كانَ من اجل إعداد وتهيأة و تمرير الصفقة : خروج امريكا من الاتفاق النووي وفرض عقوبات الضغوط القسوى على ايران هو اجراء من اجل صفقة القرن ، اغتيال سليماني ، هو عدوان عسكري تتطلبه صفقة القرن ؛ الهدف هو ابعاد ايران او أشغالها عن العمل ضّد الصفقة ومتطلباتها مستقبلياً .
. توقيت اتهامات الأمير محمد بن سلمان بالتجسس على هواتف ، والضغوط الإعلامية التي تتعرض لها المملكة في الوقت الحاضر هو أيضاً من اجل صفقة القرن ؛ الهدف هو دفع المملكة بالتجاوب إيجابياً مع صفقة القرن و استحقاقاتها . الضغوطات التي تتعرض لها المملكة الأردنية الهاشمية من اسرائيل و امريكا بخصوص الوصاية الهاشمية على الأقصى ، وبخصوص المعونات هي من اجل صفقة القرن . والهدف هو تحييد المملكة و عدم ممانعتها و المشاركة لإعطاء شرعية عربية للصفقة . ما يشهده العراق من حراك شعبي يرافقه تجسيد سياسي واضح للمكونات السياسية (شيعي ،سني ،كردي )،على مستوى مجلس النواب وعلى مستوى الجغرافية ، ولاسيما بخصوص انسحاب القوات الأمريكية ، والفدرالية او الانقسام او الحديث عن اقليم سُني ، هي من مستلزمات إنجاح و تمرير صفقة القرن .
" انها لحظة تأريخية " هذا ما قاله نتنياهو وهو يغادر يوم امس تل ابيب متوجهاً للقاء الرئيس ترامب ،لأجل الترتيب لصفقة القرن .
هل نجحتْ صفقة القرن ؟
نجاحها او فشلها ليس رهينة لارادة العرب او لارادة الفلسطينيين ، و لا لارادة الأمم المتحدة او لارادة مجلس الأمن . اسرائيل تجاوزت كل هذه الإرادات ، وبدعم من امريكا . اعلان الصفقة هو بمثابة اعلان خطة لتنفيذها و المضي قدماً بإنجازها ، هو بمثابة أشهار سياسي لما ستقدم عليه اسرائيل و بدعم أمريكي .
وما تّمّ من قرارات اسرائيلية - عربية في التطبيع وتبادل الزيارات هو ،بحد ذاته ،نجاح استباقي للصفقة قبل إعلانها وبيان تفصيلاتها . اما ما تتطلبه الصفقة من ضّم أراضي فلسطينية او عربية هو جارٍ على قدم وساق ،من قبل اسرائيل .
الحل الوحيد الذي بقي عند الفلسطينين هو المقاومة ، هو سلاحهم المشروع والذي يرغِمْ اسرائيل على الاعتراف بحقوقهم وفقاً للشرعية الدولية .
د . جواد الهنداوي* سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات
https://telegram.me/buratha