متابعة ـ جدل فاضل الصحاف||
· ما هي الرسائل التي أراد الملك السعودي توجيهها من خلال إصراره على القاء خطاب بلاده امام الأمم المتحدة؟
ولماذا لم يذكر اتفاقي سلام الامارات والبحرين سلبا او إيجابا.. ولم يهادن ايران في الوقت نفسه؟ وهل جاء هذا الخطاب تأكيدا على تسريبات حول الخلاف بينه وبين ولي عهده؟
ان يُكثر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز من ظهوره هذه الأيام، ويصَر على القاء كلمة بلاده امام دورة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الأربعاء، وللمرة الاولى منذ توليه الحكم قبل خمس سنوات تقريبا، فهذا يضفي الصدقية، وبطريقة عملية على التقارير الاخبارية التي تتحدث عن وجود خلافات بينه ونجله الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، حول العديد من الملفات، وابرزها ملف التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.صحيح ان الملك سلمان جدد هجومه الشرس على ايران، وطالب بنزع سلاح “حزب الله” في لبنان، وايد جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلمية في المنطقة، ولكنه لم يتطرق مطلقا لاتفاقات السلام الإماراتية والبحرينية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتمسك بمبادرة السلام العربية، واقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، بالصوت والصورة.كان لافتا في هذا المضمار أيضا، اجراء العاهل السعودي اتصالات هاتفية قبل أسبوع مع سبعة من زعماء العالم، من ضمنهم رؤساء الصين وروسيا والولايات المتحدة، شرح خلالها الاستعدادات لقمة الدول العشرين الاقتصادية التي من المقرر ان تستضيفها بلاده 21 و22 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فهذه القمة كانت حصريا من مهام ولي عهده، حتى ان البعض توقع ان يتزعمها الأمير بن سلمان كملك، وخليفة لوالده، وتدشين فترة حكمه بإنعقادها.الرسالة التي ربما يريد العاهل السعودي توجيهها من خلال هذا الظهور المكثف، سواء من خلال اتصالاته مع الزعماء، او رئاسة مجلس الوزراء والقاء كلمة بلاده امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكن حصر مضمونها في النقاط التالية:أولا: التأكيد بأنه بصحة جيدة رغم تقدمه في السن (84 عاما)، وان معظم التقارير والتسريبات التي تحدثت عن ضعف الذاكرة غير دقيقة.ثانيا: تكذيب معظم التصريحات التي اطلقها الرئيس ترامب أخيرا وتقول ان السعودية ستكون الدولة الثالثة او الرابعة التي ستوقع اتفاق سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد اجرائه مكالمة هاتفية مع الملك سلمان، والتمسك بمبادرة السلام العربية التي اطلقها شقيقه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز وتبنتها قمة بيروت العربية عام 2002 بعد تعديلات فيها شملت إضافة حق العودة.ثالثا: التشديد على ان الامارات والبحرين لا تقودان السعودية وسياساتها في المنطقة.رابعا: وعي العاهل السعودي بأن اقدامه على أي اتفاق سلام مع “إسرائيل” وفق مبادرة ترامب وصهره جاريد كوشنر، هو التنازل عن القدس المحتلة، وتبني صفقة القرن، مما سيعرض المملكة لفقدان هيبتها وزعامتها للعالم الإسلامي، وربما رعايتها للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدنية المنورة، خاصة ان هذا السلام “مجاني” ولمصلحة رئيس امريكي قد لا يزيد عمره في السلطة عن ستة أسابيع يذهب بعدها الى السجن.ربما يجادل البعض، بأن هذه المواقف التي تتحدث عن خلافات بين العاهل السعودي وولي عهده الذي يؤيد التطبيع واتفاقات السلام بين الامارات والبحرين، ربما تخفي تبادلا للأدوار، وهذه النظرية غير مستبعدة على أي حال، ولكنها غير مؤكدة في الوقت نفسه، فدخول العاهل السعودي على الخط بقوة، وبعد غياب طويل عن عجلة القيادة، وتركه شؤون إدارة البلاد لنجله في السنوات الأخيرة، يعكس قلقا على الحكم، ومكانة الاسرة الحاكمة، مثلما قال لنا احد الخبراء بشؤون هذه الاسرة وما يجري في اوساطها من تباينات، وحالة من الغليان بعد تهميشها، ورموزها، بالكامل في السنوات الأخيرة.المؤيدون لنظرية تبادل الأدوار هذه، يستندون في تأييدهم الى موقف الاعلام الرسمي السعودي لخطوتي الامارات والبحرين التطبيعيتين وفتاوى بعض رجال دين مثل الشيخ عبد الرحمن السديس، امام المسجد الحرام، وخطبته الأخيرة التي ايد فيها التطبيع مع اليهود، والدولة الإسرائيلية ضمنا، مستندا الى بعض الاحاديث النبوية.الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، هو الذي يسيطر على الاعلام السعودي بقبضة من حديد، ووضع جميع الوسائل الإعلامية الحكومية والخاصة، او شبه الخاصة تحت سيطرته من خلال اعتقال معظم أصحاب هذه الامبراطوريات ضمن حملة اعتقالات فندق “الريتز” التي شملت اكثر من 300 امير ورجل اعمال، ومن غير المستبعد انه اصدر توجيهاته الى هذه الوسائل الإعلامية لتبني تلك الاتفاقيتين اللتين لم يذكرهما العاهل السعودي، بالسلب او الايجاب، سواء في خطابه امام الجمعية العامة، او في البيان الصادر عن مجلس الوزراء الذي انعقد برئاسته يوم امس الثلاثاء.نختم هذه الافتتاحية بالمثل، او المقولة الشهيرة التي تقول “لا دخان بدون نار”، ولعلها تنطبق بطريقة او بأخرى، على التسريبات الصحافية، ومن صحيفة مثل “وول تسريت جورنال” الامريكية المقربة من الرئيس ترامب، وكانت، وربما ما زالت، مقربة من الأمير محمد بن سلمان، حول وجود خلافات، او تباين في الآراء بين العاهل السعودي وولي عهده..
“راي اليوم”
https://telegram.me/buratha