محمد الجاسم||
كانت ثمة بوادرعنيفة ستهز الواقع الألماني، حين تغيرت الشعارات خلال التظاهرات الشبابية التي انطلقت في مدن جمهورية ألمانيا الديمقراطية(السابقة) في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 1989. إذ تصاعدت آنذاك أصوات وشعارات شعبية تدعو بشكل متزايد إلى وحدة شطري الدولة باعتبارها الطريق إلى الديمقراطية والإزدهار،رغم ان الدعوات كانت تنطوي على دوافع قومية متجذرة في الفرد الألماني، مع ذلك ، رأت بعض الحركات الشعبية ـ وقتئذٍ ـ أن نقل النظام السياسي من ديكتاتوري شيوعي الى ديموقراطي حر هو الدافع الأساس للحديث عن وحدة البلاد كشرط موضوعي للوحدة. في حين خشي آخرون أن الحصول على جمهورية ألمانيا الديمقراطية المستقلة ، قد يؤدي الى أن يستولي عليها الغرب ،ولذلك طالبوا بـ "بديل اشتراكي" للجمهورية الفيدرالية - كما في النداء "من أجل بلدنا" في 26 تشرين الثاني (نوفمبر)1989.لقد قابل تلك المخاوف من دعاة الإشتراكية هواجس من معارضي الاتحاد في الجمهورية الاتحادية الجديدة. إنهم يحذّرون من جنون العظمة الألماني القومي وتسلط الرأسمالية الجامحة.
وحين إنتقل العمل فعلاً لكتابة الدستور الألماني الذي سُمِّيَ في وقته (القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الإتحادية ـ GG - Grundgesetz für die Bundesrepublik Deutschland ،الذي فيه تمت صياغة الطلب إلى "الشعب الألماني" من أجل "استكمال وحدة ألمانيا وحريتهامن خلال حرية تقرير المصير.لم يكن التوحيد السريع هدف السياسة الألمانية في البداية، ففي نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 ، قدم المستشار(رئيس الوزراء) هيلموت كول (Helmut Kohl ) برنامجاً من عشر نقاط لعملية تقارب تدريجية. وخلال زياراتهم إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية ، شعر السياسيون في ألمانيا الغربية بالضغط المتزايد من السكان. وفي نهاية كانون ثانٍ ـ يناير 1990 ، بدأت خطط ملموسة لإعادة التوحيد السريع.
حاولت ألمانيا الموحدة الجديدة،ونجحت بالفعل،بالتفاعل مع دول المجتمع الدولي وسعت إلى الحوار مع حلفائها وجيرانها الأوروبيين،وكان من جراء ذلك أن تمكنت ألمانيا الإتحادية من التمتع بالمكانة الدولية المهمة في التوازنات العالمية،ولم تنضوِ تحت المشروع الإستكباري للولايات المتحدة كما فعلت دول أوروبية عديدة،رغم أن الدولة القوية الجديدة مرت بمراحل عديدة مارست في سياستها الخارجية والدفاعية مغازلة ومجاملة واضحة للمارد الأمريكي،لكنها لم تستسلم له في أعقد وأخطر مفاصل تقرير مصير العالم.
إن إنهيار الشيوعية والإستبداد الحزبي والتكميم للأفواه الملازمين لها،قد قلب القواعد القديمة ،وجاء بقواعد جديدة تترسخ تدريجياً في هذا الوضع الانتقالي ، وتمكن الألمان الشرقيون بترويض أنفسهم لتقبل الشكل الجديد للحياة السياسية والإقتصادية بعد الوحدة بشكل متزايد وغير مسبوق تجاه الحياة بين "الجوع لكل شيء" والآمال والمخاوف،وظهرت على الألسن كثيراً عبارة: "لاحظت ، بلدك يتغير".
منذ 9 نوفمبر 1989 إلى 3 أكتوبر 1990، تمت إعادة التوحيد بعد مخاض ثورة سلمية،أفضت الى إعلان هذا اليوم عيداً وطنياً للأمة الألمانية ، لإنه يُحيي ذكرى إعادة توحيد الألمانيّتين ، التي "اكتملت" عندما دخل انضمام جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية ـ طوعاً ـ حيز التنفيذ في 3 أكتوبر 1990.
ناصرية ـ دورتموند / ألمانيا
3أكتوبر2020