د . جواد الهنداوي * ||
في ٢٠٢٠/١٠/٤.
لأمريكا وللغرب الموالي مصالح متعددة و متنوعة في العراق و في المنطقة ( النفط والغاز و طرق وشبكة إمدادها ، والدين والحضارة ...)، وكل هذه المصالح تهون امام اولويّة و استراتيجيّة مصلحة اسرائيل في المنطقة ،ليس فقط لأمنها وانّما لهيمنتها .
سياسية امريكا الخارجية تجاه العراق و تجاه المنطقة مرهونة ليس بالمصلحة الامريكية وانماّ بالمصلحة الاسرائيلية ، هدف امريكا هو ضمان هيمنتها على العالم وتحقيق هيمنة اسرائيل على منطقة الشرق الأوسط ، ليكون شرق اوسط جديد مثلما روّج له رئيس وزراء اسرائيل الأسبق شيمون بيرس و غيرهِ ،
قبل اكثر من ثلاثة عقود .
ولم تتردد امريكا باتخاذ كل ماهو مشروع وغير مشروع ،اخلاقي و غير اخلاقي ،من اجل تحقيق هذه الأهداف ؛ استمرار هيمنتها على العالم وتحقيق هيمنة اسرائيل على منطقة الشرق الأوسط . نُكرر الآن ما كتبناه ، ومنذ اكثر من عشر سنوات ،حين ازدهرت و عّمت صناعة و تجارة وبضاعة الارهاب في العراق وفي المنطقة .
نُكّرر الآن الذكر والكتابة لأنَّ البعض لا يزال يعتقد و يبني رؤيته السياسية على مبدأ " مصالح امريكا في العراق و في المنطقة " بَيدْ ،في الحقيقة ، هي مصالح اسرائيل و تمرُ عبر الإدارة الامريكية .
صراحة ،نتمنى ان تربطنا و امريكا مصالح اقتصادية وتكنولوجية و مالية وعلمية ، ولكن هل هي امريكا تسعى لذلك ؟ هل تُقيم علاقتها معنا ومع دول المنطقة على اساس مصالحها ام على اساس هيمنة اسرائيل ؟
وهيمنة اسرائيل تتطلب تدمير دول المنطقة ،وفي مقدمة تلك الدول ، الدول العربية المحسوبة على محور المقاومة و ايران الداعمة للمقاومة .
مَنْ يعتقد بأنَّ اسرائيل تريد السلام وتريد ترسيم حدودها في المنطقة فهو واهم ،وأسباب استراتيجية تكمنُ خلف هذه الرؤية الصهيونية الامريكية الاسرائيلية ، والتي تتحدث بالسلام وتحاربه : تدرك الصهيونية بأنَّ السلام مع دول المنطقة دون يهودية اسرائيل و دون الهيمنة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية لاسرائيل هو نهاية اسرائيل . علاقات دبلوماسية لاسرائيل مع دول عربية ليس هي الهدف وانماّ خطوة نحو الهدف ؛ تطبيع اسرائيلي خليجي ليس هو الهدف وانّما خطوة نحو الهدف ،تدمير العراق و تدمير سوريا ليس هو الهدف وانّما خطوة نحو الهدف . الهدف الهيمنة ، والهيمنة يعني تجريد الدول العربية من إرادة القرار ،تجريدها من سيادتها ، وجعل أمورها السياسية والعسكرية والاقتصادية مرهونة بارادة و برضا اسرائيل .
وهذا هو واقع الحال الآن مع بعض الدول العربية الصديقة لاسرائيل و المطّبعة معها .
تدرك الصهيونية و واجهاتها (اسرائيل ،امريكا ،العملاء والرجعية ) بأن لا مستقبل لاسرائيل ، دون يهوديتها ودون هيمنتها ، لا مستقبل لاسرائيل وهي بين دول غنيّة في مواردها وحضاراتها وسكانها وتأريخها ،ستذوب اسرائيل وسط هذا الكيان الضخم مالمْ تفرغه من فحواه وجوهره ، وترّده هيكلاً ،لا حول له و لا قوة .
إذاً مصالح امريكا في العراق ليس بناءهِ وليس ازدهاره ، وانّما تجريده من مناعته العسكرية والاقتصادية لخدمة المصالح الاسرائيلية الاستراتيجية .
مصالح امريكا في العراق ان يعود العراق حارساً للبوابة الشرقية وان يعادي ايران و يعادي سوريا و يساهم في تقويض دولهما .
مصالح امريكا في العراق ليس في إخراجه من الفصل السابع ،ولا في أعماره ، ولا في اعادة حقوقه في الأراضي التي سُلبت منه بالإكراه ،وبموجب قرارات غير قانونية لمجلس الامن ، وهو غير مختص في ترسيم الحدود .
مصالح امريكا في العراق ليس في استكمال سيادته وحقه في التصرف في اموالهِ ، و في تحسين خدمات الكهرباء و سياسة الاستثمار و الإعمار . و ظفّت امريكا الارهاب في العراق لأجندات واهداف سياسية و وظّفت ايضاً الفساد في العراق وتمسكه و رقة ضغط و ابتزاز ضّد هذا و ذاك ، وتستخدمه ايضاً فرصة لدعم هذا و ذاك ،عندما تسمح باستخدامه و تأذن بمطاردة هذا او ذاك !
قرار امريكا بالانسحاب لم يكْ وليدة اليوم . قررت امريكا الانسحاب من العراق منذ عهد الرئيس جورج بوش الابن ، وبعدما ادى الجيش الامريكي و مرتزقته ( بلاك ووتر ) مهامه في التدمير و تشتيت العراق و تحضيرهِ للتقسيم .
ما تخطط له اسرائيل و امريكا هو ان ينتقل مركز الشرق من العراق وسوريا ولبنان و الاردن الى اسرائيل والإمارات والبحرين وباقي دول الخليج . و ان تكون اسرائيل هي النواة و مركز الشرق .
ما تريده اسرائيل و امريكا و العملاء و الرجعية هو ان يتحول العراق ، ساحة خلفية للصراع مع ايران ،باعتبار ايران تنافس اسرائيل في المنطقة و تحول دون ترسيخها وهيمنتها ، وباعتبار ايران حليف للصين ولروسيا . ايّ ، ايران ركن أساسي في محور مقاومة هيمنة اسرائيل في المنطقة ككيان محتل ، وكذلك ركن أساسي في المحور الروسي الصيني والساعي الى كبح عنجهيّة و إمبريالية الولايات المتحدة الامريكية .
العصر الامريكي في العراق ، والذي بدأَ في عام ٢٠٠٣ ، و لايزال ،شهدَ ولادة واستفحال ظواهر الارهاب والقتل الطائفي والتهجير و النزوح و الفساد وتهرأ المنظومة القيمية ، كل ذلك ولامريكا في العراق القواعد العسكرية والشراكة الاستراتيجية والإرادة السياسية . لم يكْ ممكناً تشكيل حكومة دون الضوء الأخضر الامريكي ، ودون الضوء الأخضر الإيراني و ضوء المرجعيّة ، ولكن زمن العراق كان و لايزال امريكياً بأمتياز ، والدليل سقوط حكومة السيد عادل عبد المهدي فقط ،بالرغم من ان مطاليب التشرينين ( نسبةً الى مظاهرات و احتجاجات تشرين ) كانت تطالب بتغير النظام السياسي و إلغاء الأحزاب وإلغاء نتائج المحاصصة ،ايّ تغيير الرئاسات الثلاث وليس فقط رئاسة الوزراء .
لم نحصدْ من ثمار هذا الزرع الامريكي سوى تقهقر الدولة اقتصادياً وسيادياً وسياسياً ومالياً .
لا أحد يفّكر كيف امريكا ولمصلحة اسرائيل تطّوق العراق ،فتمنعه من التعامل مع ايران ،مع سوريا ، مع لبنان ، او تخنق الدول التي تحيط بالعراق ، وكيف امريكا تسعى الى فك عزلة اسرائيل في المنطقة و ترغم الدول العربية على الانفتاح على اسرائيل و التطبيع معها ،بل والامتثال لإرادتها و مصالحها السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية !
علينا ،في رؤيتنا السياسية ، ان نفكر في مصالح العراق قبل ان نفكر في مصالح امريكا في العراق ،و التي هي ،في حقيقة الامر مصالح اسرائيل في العراق
* سفير سابق .
https://telegram.me/buratha