د . جواد الهنداوي .*||
في ٢٠٢٠/١٠/٢٤
يواجه العراق ما تواجهه المنطقة ، فهو مركزها
وثقلها ،و يتميّز عن أشقاءه العرب بأمتلاكه الثروات الطبيعية و الثروات البشرية ، وكلاهما ،للاسف ، مُستهدفة و عُرضة للنهب والسلب و التخريب .، بفعل قوى خارجية و داخلية .
لماذا الحديث الآن عن العراق و التطبيع مع اسرائيل ؟ وهل للعراق مصلحة سياسية او اقتصادية او اجتماعية او اخلاقية للتطبيع مع اسرائيل ؟ ام إنَّ في الامر ضرورة امريكية و اسرائيلية لاستكمال خطوات فرض الهيمنة الاسرائيلية على المنطقة، ولكي يكون أمر اغلب الدول العربية مرهون بأرادة و مشيئة اسرائيل ؟
التطبيع يعني ان تتجرّد الدول المُصابة بجرثومة التطبيع من قدرة المناعة ضّدٌ الإملاءات الاسرائيلية الاستراتيجية ، و أنْ تتجرّد ، كذلك ، من قرارها السيادي .
اي ،ان تصبح الدول المُطبّعة مرتبطة مباشرة بأسرائيل بدلاً من ارتباطها بأمريكا . ايّ ان تراعي الدول المُطّبعة مصلحة اسرائيل في سياستها الخارجية وفي مواقفها الدولية والدبلوماسية .
لم تعُدْ امريكا قادرة على تحمّل الأعباء السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تفرضها المنافسة مع الصين و روسيا و ايران ، لذا حان الوقت لتأهيل اسرائيل كي تتحمل وزر إدارة النفوذ والمصالح الامريكية ، و مصالحها في منطقة الشرق الأوسط ، وخاصة في الدول العربية . حان الوقت لكي ترتبط بعض الدول العربية باسرائيل علناً و مباشرة ، بدلاً من ارتباطها بامريكا .
التطبيع العربي الاسرائيلي الأول ( مع مصر والأردن ، والسلطة الفلسطينية ) في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كان بهدف استرجاع اراضي محتلة و توقيع سلام وانهاء حالة حرب مع اسرائيل ، ولكن في ظل قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس المحتلة . التطبيع الآن ،و اصفهُ ، بالتطبيع الثاني و هدفهُ دعم اسرائيل و المساهمة في هيمنتها على المنطقة و خلق محور اسرائيلي خليجي ضّدْ ايران ! وهذا ما تصّرح به علناً اسرائيل وبعض الدول المطبّعة . فهل للعراق مصلحة في الانخراط و المساهمة في مؤامرة التطبيع و الدخول لا سامح الله الى حظيرتهِ ؟
وهل أهداف التطبيع هي قيام الدولة الفلسطينية وانصاف الشعب الفلسطيني و أمن واستقرار المنطقة و احترام سيادة الدول العربية ام تصفية القضية الفلسطينية وتشريد الفلسطينيين من جديد وتوزيعهم على الأردن والعراق والسودان ، وكذلك خلق محاور عدائية في المنطقة ؟
تسعى امريكا ويسعى كذلك حلفائها في المنطقة الى ان ينّظم العراق الى قافلة التطبيع ، ولأجل ذلك ستستمر امريكا في تبنيها سياسة الجزرة و العصا ، سياسة الوعود و الاغراءات و المساومة والابتزاز و تُفعّل و توظّف أدواتها كالعملاء و داعش و التهديد و العقوبات و كذلك الدولار و القروض وصندوق النقد الدولي و الطاقة الكهربائية و حتى ميناء الفاو الكبير . قرار الكويت ( إنْ صح الخبر ) بايقاف العمل بمشروع ميناء المبارك الكبير ، هو إشارة للعراق بما سيكون عليه الحال عندما يتداول فقط موضوع التطبيع مع اسرائيل ! و إلاّ لماذا اليوم ( شهور التطبيع ) يكتشف الأخوة في الكويت بأن ليس للمشروع مِنْ جدوى اقتصادية !
هل الدستور الاتحادي العراقي يسمح بالتطبيع مع اسرائيل ؟
لم تردْ في الدستور ايّ ذكر عن فلسطين و عن اسرائيل ، ونصّت المادة الثامنة من الدستور على مبدأ حسن الجوار مع " الدول الاخرى " و ان يقيم علاقاته معها ( ايّ مع " الدول الاخرى " على اساس المصالح المشتركة ... و العراق لا يعترف بالكيان المحتل ( اسرائيل ) على انها دولة ، وهو قانونياً في حالة حرب مع الكيان المحتل .
قرار وضع العراق في قافلة التطبيع يعود الى الشعب العراقي ، ممُثلا بمجلس النواب ، و لا أظّنُ بانَّ مجلس النواب الحالي و القادم ،بأغلبيته ، يجرأ بأصدار قانون او قرار ينهي حالة العداء مع الكيان المحتل ، في ظل استمرار اسرائيل احتلالها للأراضي المحتلة والجولان ، و مزارع شبعا في لبنان ، و رفضها احترام حقوق الشعب الفلسطيني و الشرعية الدولية .
ما يُثير التوقف و الاستفهام هو صمتْ ( حسب علمي و متابعتي ) القوى السياسية في العراق ، وصمتْ الحكومة عن ما ماهو متداول ،في الإعلام و في مواقع التواصل الاجتماعي ، مِنْ معلومات عن جهود و إشارات و جس نبض عن التطبيع بين العراق و اسرائيل .
من حق الرأي العام العراقي أن يعرف ماهو موقف السلطات الدستورية ، و خاصة الحكومة العراقية و مجلس النواب ازاء ما يُقال و يشاع بخصوص التطبيع ، و في مصلحة الحكومة ان تُبيّن موقفها وتبدّد هذه الإشاعات او تعلن وجهة نظرها .
استحضر ،بهذا الخصوص ،مواقف بعض الدول العربية كالجزائر ،والتي أعلنت على لسان رئيس الجمهورية بان الجزائر ملتزمة بثوابتها الوطنية والأخلاقية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني وتأكيد إرادة الشعب الجزائري و موقفه التاريخي تجاه اسرائيل ،كيان محتل لا يمكن الاعتراف به والتطبيع معه .
كذلك كان موقف تونس والذي عبّر عنه رئيس الجمهورية .