غالبا ماترافق الانتخابات الاميركية التي تجري كل اربع سنوات (جلبة اعلامية) لاتنافسها في ذلك اي انتخابات اخرى ،وكأن العالم يتوقف مصيره على نتائجها . هذه (الجلبة) لم تأتِ جزافا انما هي جزء من الترويج للتجربة السياسية للولايات المتحدة وكأنها (المتقدمة) على التجارب الاخرى رغم حداثة نشأة امريكا قبل (500) عام وحداثة التجربة الديمقراطية بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1776 ثم تشكيل الحزبين الرئيسين الديمقراطي والجمهوري وما في ذلك من تداعيات كبيرة وخطيرة في تاريخ امريكا بشكل عام وخاصة الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب عام 1861م . الاوساط الثقافية لها قناعة تامة ان الانتخابات الاميركية (صورية) ومجرد اشعار المواطن الاميركي انه مشارك في صناعة حكومته لاغير ،وكذلك في تكوين رأي عام لدى سكان العالم ان التجربة الديمقراطية بامريكا هي النموذج الذي جعلها المتميزة في حقوق الانسان والحضارة بكل تفاصيلها وثوابتها . المختصون بالانتخابات الاميركية يؤكدون ان صانع القرار بالولايات المتحدة هم اصحاب (رؤوس الاموال) من اصحاب مصانع السفن والطائرات والقطارات والتقنيات والمصارف ،فالانتخابات بامريكا يحكمها (المال) وهو واحد من اسرارها لان الحكومات لاتمول اجراء الانتخابات الا بالقليل من الاموال ،والمبالغ الكبرى يدفعها اصحاب المصانع الكبرى والمصارف وهم من يحدد الشخصية المفترضة مسبقا لما يملكون من ادوات الكشف والاستبيان وانتقاء الشخصية المناسبة للمرحلة بما يضمن مصالحهم اولا . يقول الرئيس الاميركي وردوو ولسون الذي حكم امريكا من 1913الى 1921) ؛-اذا اردت ان تسأل عن الديمقراطية بالعالم فاسال اصحاب مصانع القطارات والطائرات والمصارف. فهم يمتلكون المال والاعلام والسطوة! ان أغلب رؤساء امريكا هم من الاغنياء وابنائهم وليس للفقراء من اي حضوة بينهم ! ان اي رئيس دولة يأتي لادارة البلد على مدى الاربع سنوات يجب ان يطبق ماهو مخطط له من جلب المال باي وسيلة كانت ومنها اشعال الحروب لغرض بيع المزيد من الاسلحة ! واذا خالف ذلك او فشل فان الاعلام والتهم الجاهزة كافية لازاحته باسرع وقت ممكن ! الانتخابات التي تجري بالولايات المتحدة اليوم ،اصبحت محط نظر العالم وخاصة من النخب ومراكز الدراسات لا لما اسلفناه ولكن هذه الانتخابات في دورتها الحالية تؤشر مرحلة (خطيرة ) من تاريخ امريكا . المهتمون بالشأن الاميركي اعتبروا ان مجيء اوباما لم يكن بالامر الهين في ظل الواقع الاميركي الذي يتسيده "الجنس الابيض" في الحكم والمال والهيمنة ،ويرى في جميع (الملونين) مجرد (خدم) في البيت الاميركي . ان مجيء اوباما وعلى مدى دورتين كشف ان الازمة الاقتصادية التي تمر بها امريكا وهزيمة العشرات من الشركات الاميركية صوب الصين والمكسيك ودول اخرى ،كما تأكد ان الصين قد دخلت العمق الافريقي واشتملت على الكثير من الاستثمارات وربما تكون سحنة اوباما باصوله الافريقية قد تساعد امريكا لاستعادة حضورها الاقتصادي في هذه القارة السمراء ،كما ارادت امريكا ان تستفيد من البعد الانساني للجنس الاسمر باعتبار انه "حالة انسانية) تتعاطف معها الشعوب لما في ذلك من مظلومية فاصطدمت هذه التوجهات الاميركية في قضيتين الاولى ان العنصرية في امريكا لاتتحمل مجي شخصية من اصول افريقية والثاني ان قانون الخدمة الصحية الذي قدمه اوباما للشعب الاميركي كان (الملونون) هم الاكثر استفادة منه دون البيض (الاغنياء)! مجيء ترامب ردة فعل على الواقع الاقتصادي والعنصري والديني فكانت المنازلة مع جميع هذه الاطراف ليرفع شعار "امريكا اولا " واعادة انتاج امريكا !!اي عودة سيادة الجنس الابيض ! وهي معادلات (صعبة) تجاوزتها المرحلة لاسباب عديدة اولها ان (الملونين) جزء من تاريخ امريكا ووجودها واصبح لهم تمثيل في ادارة حكومات الولايات وفي مجلس الكونكرس والنواب ،كما انهم تحسسوا (تهميشهم) بسبب تصريحات ترامب ضدهم . اننا نراقب الانتخابات الاميركية ليس من اجل من يفوز ،انما نراقب تداعيات الانتخابات ونتائجها! فانتخابات اليوم في امريكا هي غيرها بالامس ،فنحن بانتظار ؛- 1-انفصال الشمال عن الجنوب 2-حرب اهلية ليس مهما ان تظهر هذه (التداعيات) اثناء او بعد الانتخابات لكن هو (مصير ) ينتظر امريكا مثلما انتظر حضارات كثيرة ،صعدت ثم انهارت فالحضارات تحمل اسباب قوتها وضعفها معا حتى يتغلب احدهما على الاخر . لاشك ان انشغال امريكا بوضعها الداخلي سيحسر من نفوذها شيأ فشيأ مثلما كان مصير الاتحاد السوفيتي . بقي ان اعرج على شيء مهم وهو ان اليات الانتخابات الاميركية واجراءاتها لاتشبه اي انتخابات اخرى بالعالم! وهي (مصنعة) بالطريقة التي تشكل ضبابية لدى اي متابع بما في ذلك الشعب الاميركي ،حيث كل ولاية لها طريقة بالانتخابات لاتشبه الاخرى ،وان حاكم الولاية هو المسؤول عن الانتخابات في ولايته وتمويلها عبر التبرعات وبعض من اموال الضرائب ،وحتى لو فاز المرشح باصوات الشعب فان القرار النهائي بيد (المجمع الانتخابي) هذا (السر ) الذي يحكم النتيجة ،حيث بالانتخابات الماضية لم يفز ترامب باصوات الشعب لكن الذي فوزه المجمع الانتخابي! وكل 4 سنوات، تتكرر الدعوات المطالبة بضرورة إنهاء العمل بنظام المجمع الانتخابي (الهيئة الانتخابية المكونة من 538 عضوا، ويتطلب الفوز الحصول على 270 صوتا بحد أدنى) كطريقة فريدة لاختيار الرئيس الأميركي الجديد، ولا تتبع أي دولة أخرى في العالم مثل هذا النظام، وتتضاعف تلك الدعوات عقب أي انتخابات يحصل فيها المرشح الفائز بالرئاسة على أقلية الأصوات الشعبية. وبالعودة إلى نهايات القرن 18، وتحديدا إلى مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا عام 1787، عندما اجتمع مندوبو المؤتمر الدستوري للبحث في توازن عملية انتخاب الرئيس بما يحقق مصالح الولايات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وضمان منح الرئيس المنتخب الاستقلال عن الكونغرس، واختيار الرئيس من قبل ناخبين مطلعين يمثلون المصالح المتنوعة لمختلف الولايات، لم يكن هناك أفضل من حل "نظام المجمع الانتخابي". واحتد النقاش حول مستقبل نظام المجمع الانتخابي عقب انتخابات 2016 التي فاز بها الرئيس دونالد ترامب محققا 62.9 مليون صوت، وهو ما يقل عما حققته هيلاري كلينتون بـ3 ملايين صوت، إذ حصلت على أصوات 65.8 مليون ناخب؛ إلا أن ترامب فاز بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، وحصل على 302 صوت، مقابل 232 لكلينتون التي لم تعترض على النتائج النهائية. وخلال تاريخ الولايات المتحدة فاز 5 رؤساء بالرئاسة على الرغم من عدم حصولهم على أغلبية الأصوات الشعبية؛ إلا أنهم فازوا بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي! في المجمع الانتخابي يمكن المثل (تريد ارنب هاك ارنب تريد غزال هاك ارنب ) ونذكّر ايضا ان هذا الصخب الاعلامي وتبادل (الشتائم) و(التهم) بين المرشحين جزء من لعبة (الانتخابات) لاغير !
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha