محمد صادق الحسيني||
يقول الجنرال والمنظر العسكري الالماني الشهير ، كارل فون كلاوس فيتز ( Carl Von Clausewitz ) ، المولود بتاريخ١/٧/١٧٨٠ والمتوفى بتاريخ ١٦/١١/١٨٣١، في الفصل الثالث عشر من كتابه الاكثر اهمية "حول الحرب" ( Vom Kriege ) ، وهو الذي توفي، قبل ان يكمله ، والذي يحمل عنوان : الاحتياط الاستراتيجي ، ما يلي :
" لقد لاحظنا ان النجاح في جزء من المعركة ، او في معركة تكتيكية ، او معركة جزئية ، هو نجاح ، بحد ذاته ، لا قيمة له ، وانما تبرز ، او تظهر قيمته بعد حسم المعركة الشاملة ( المواجهة الشاملة او النهائية او الاسترتيجية) " .
وهذا يعني ان ما يسميه المحور الصهيواميركي "المعركة بين الحروب " والمتمثلة في الاعتداءات الجويه الاسرائيلية والامريكية ، على قوات حلف المقاومة ، في سورية والعراق وايران واليمن وفلسطين ولبنان ايضا ( اختراق المجال الجوي اللبناني ومياه لبنان الاقليمية بشكل يومي ) ، الى جانب الاغتيالات الاجرامية لقادة وعلماء حلف المقاومة في بغداد وطهران ، لا قيمة لها على الاطلاق ، اذا لم تتكلل بنجاح دول العدوان ، في دخول معركة نهائية وشاملة ، ضد قوات حلف المقاومة ، والانتصار فيها واخضاع حلف المقاومة ، دولاً وتنظيمات ، لارادة دول العدوان السياسية ، وفرض شروطها عليها ، وبالتالي فرض هيمنتها الشامله على مسرح المواجهة الحالي ، الممتد من شرق افغانستان حتى شرق المتوسط . اذ ان ما يسمى بالمعارك التكتيكيه ، او المعارك بين الحروب ، تصبح ذات قيمة ، فقط عندما تصبح جزءاً من نصر ناجز وواضح ونهائي واستراتيجي للعدو .
ولكن نظرة فاحصة لموازين القوى الحاليّه ، بين طرفي هذه المواجهه الاستراتيجيه ، بين حلف المقاومه ودول العدوان الصهيواميركي ، لا توحي اطلاقا بان هذا المحور المعادي هو المنتصر في المعركة الشاملة او الحرب ، رغم تفوقه الهائل في مجال التسلح والتكنولوجيا ، وذلك لان هذا التفوق في حجم القوة الناريه ، التي يمكنه اطلاقها لمهاجمة قوات المقاومة وحاضنتها الشعبيه ، ينقصه الكثير من العناصر الهامة ، كي يعطي نتائج تحسم المعركة النهائية لصالح هذا المحور . والتي من بين اهم عناصرها :
أ)جهوزية القوات البرية ، سواءً الاميركية او الاسرائيلية ، وكفاءتها واستعدادها لخوض المعركة ، خاصة وان القوات البرية هي التي تحسم اي معركة ، وذلك من خلال تقدمها داخل اراضي العدو ، وهي اراضي قوات حلف المقاومة في هذه الحاله ، واحتلالها والتثبت داخلها .
فهل الجيش الاميركي والجيش الاسرائيلي جاهزين لتنفيذ هذه المهمة ؟
تقارير الجهات العسكريه الاميركيه والاسرائيليه تؤكد عكس ذلك .
ب)محدودية فاعلية التفوق العسكري . وهذا يعني ان المحور الصهيو اميركي ، ورغم تفوقه التسليحي ، الا انه غير قادر على الاستخدام المطلق لهذا التفوق ، بمعنى استخدام اسلحة غير تقليدية ، لفرض الهزيمة على قوات حلف المقاومة او منع هزيمة قواته ، في المواجهة الشامله والنهائية ، التي ستحسم نتائج المواجهة الشامله والمستمرة منذ عقود .
ج)كما ان الارادة القتاليه والحالة المعنوية لدى ، قوات وجماهير المقاومه ، هي في أوج ارتفاعها ، بينما لا تتوفر هذه الحالة لدى قوات وجمهور محور العدوان . إضافةً الى ان جبهة حلف المقاومة الداخلية أعلى قدرة ، بما لا يقاس ، على التحمل من جبهة العدو الداخليه ، خاصة الجبهة الداخلية الاسرائيلية . وهو الامر الذي تؤكده كافة الدراسات والتقارير الاسرائيليه المتخصصة ، بدءاً بتقرير الجنرال الاسرائيلي اسحق بريك ، الصادر منذ عامين ، وصولاً الى تقرير مركز ابحاث الامن القومي الاسرائيلي ، الصادر قبل يومين .
د)المتغيرات الدولية والاقليمية ، التي نشهدها حالياً ، والتي تمثل تغيرات استراتيجية في قدرات ودور القوى الدولية والاقليمية المختلفة ، الفاعلة في ميدان المواجهة المشار اليه اعلاه.
فها هو السبب الاستراتيجي لوجود القواعد والقوات الاميركية في "الشرق الاوسط" ، ونعني به مادة النفط ، قد فقد قيمته كلياً تقريباً ، الامر الذي يعني فقدان المبرر لوجود اية قوات اميركي في هذه المنطقه ، وبالتالي فقدان الدول الوظيفية ، وعلى رأسها "اسرائيل" ، لقيمتها الاستراتيجية بالنسبه للولايات المتحدة الاميركية . وهذا يعني ان الولايات المتحدة لن تكون مستعدة للدخول في حرب مدمرة ، تحمل في داخلها خطر تحولها الى حرب عالمية ، بسبب اسرائيل .
هـ)وهذا ما يعيدنا الى نظرية الفيلسوف العسكري الالماني ، الجنرال فون كلاوسي ڤيتز ،التي يقول فيها ان جميع المعارك التكتيكية لا قيمة لها اذا لم تجد تتويجاً في تحقيق النصر في المواجهة النهائية .
وهنا يبرز السؤال الاساسي : هل المواجهة الشاملة والنهائية للولايات المتحده ستكون في "الشرق الاوسط" ام في مكان آخر ؟
وهل ستكون هذه المواجهه عسكرية ام انها ستأخذ شكلاً آخراً ، اقتصادياً وتكنولوجياً ومعرفياً وعلمياً عميقاً ؟
وماذا يقول القادة العسكريون والامنيون الاميركيون عن التحديات المستقبلية ، التي تواجه الولايات المتحدة الاميركيه ؟ الا يقولون ان أكبر هذه التحديات هي الصين الشعبية وتطورها الاقتصادي الهائل الذي يحبس الانفاس ؟ اليسوا هم من يواصلون حشودهم العسكرية الضخمة ، في بحار الصين والمحيطين الهندي والهادئ ، في محاولة يائسة منهم لمنع زوال هيمنتهم على العالم ؟
اذن هذا هو منطق تطور ومخرجات الصراع الدولي والاقليمي ، المحتملة ، والذي يعزز انعدام قيمة معاركهم بين الحروب ، لان هذه المعارك لا تصب في خانة حسم الصراع الاميركي الصيني لمصلحة الولايات المتحدة الاميركيه . وبما ان المعركة الاستراتيجية ، للولايات المتحده ، هي تلك التي نشهد فصولها بينها وبين الصين الشعبية ، باشكال متعدده . وهذا يعني ان تجنب دخول اي حرب اميركيه ، ضد محور المقاومه وعلى رأسه ايران ، هو امر يَخدم المصالح القومية الاميركيه العليا ، وهو ما يعلمه جنرالات البنتاغون ، الذين درسوا نظريات الفيلسوف العسكري الالماني ، المذكور اعلاه بالتاكيد . وليس رفضهم لمخططات نتن ياهو وترامب لتوجيه ضربات عسكرية ضد ايران الا دليلاً اضافياً على فهمهم لهذا الامر .
كذلك الامر ، يجب القول ان جنرالات حلف المقاومه ، وعلى رأسهم جنرالات الحجاره الفلسطينيين ، الذين دمجوا تكنولوجيا الصواريخ الايرانية ، منذ عقد ونصف من الزمن ، والتي زودهم بها الجنرال الشهيد قاسم سليماني ، والقائد الكبير الحاج عماد مغنية مع سلاحهم الاستراتيجي ، الذي لا ينضب ولا يخيب : حجارة فلسطين .
نقول ان هؤلاء الجنرالات ، الذين يديرون مراحل المعركة الاستراتيجيه ، ضد محور العدوان الصهيو اميركي ، منذ عقود ، انهم أيضاً قد ابدعوا ، في ادارتهم لميادين القتال ، كما انهم وحسب تقديرنا وقراءتنا لانجازاتهم ، قد طبقوا احدى اهم قواعد الحرب ، التي وضعها الجنرال فون كلاوس ڤيتز في كتابه المشار اليه اعلاه ، والتي وردت في القسم السادس من كتابه تحت عنوان : الدفاع والهجوم ( Angriff und Verteidigung ) ، والتي نصت على ان : الدفاع هو اسلوب القتال المتفوق وذلك لان هذا الاسلوب يحافظ على القدرات العسكرية الذاتية ، شرط ان يكون دفاعاً مرناً ، يبادر الى شن الهجمات التكتيكية ، وبالتالي يحافظ على وضعية الدفاع الاستراتيجي ، وهو المبدأ الذي طبقه أيضاً الجنرال الاميركي ، روبرت لي Robert E. Lee ،ابان الحرب الاهلية الاميركيه ، ١٨٦١ - ١٨٦٥ ، عندما اصبح قائداً لجيش ولاية فيرجينيا الاميركيه .
اي ان جنرالات حلف المقاومه يطبقون مبدأ الدفاع الايجابي المرن ، او الدفاع الهجومي ، بشكل ناجح جداً ، اذ انهم خاضوا العديد من معارك الدفاع الهجومي هذه ، خاصة في العقد الماضي ، خلال معارك الدفاع عن العراق وسورية واليمن وفلسطين ، ونجحوا في الحفاظ على انجازاتهم وقدراتهم العسكرية والسياسية ، دون ان ينتقلوا الى مرحلة تنفيذ المشهد الاخير ، من الهجوم الاستراتيجي الشامل لتحرير فلسطين ، بانتظار ان ينجزوا استعداداتهم النهائية لذلك ، وعلى كافة الصعد ، اللازمة لضمان انتصار قوات حلف المقاومة في المواجهة الاخيرة .
وهذا يعني ان المقاومة قد نجحت ، تماماً كما تنص قواعد الدفاع الايجابي للمفكر العسكري الالماني ، في الحفاظ على المنجزات الميدانية ، العسكرية منها والسياسية ، والاستمرار في ذلك حتى تتآكل قدرات العدو ، على الصعيد الاستراتيجي ، وتصبح قدرات المقاومة في اعلى درجات قوتها وجهوزيتها للدخول في المواجهة النهائيه وتحقيق النصر الكامل على العدو .
من هنا فان قدرة الردع وقواعد الاشتباك الجديدة ، التي ثبتها حلف المقاومة على مدى العقد الماضي ، هي عامل غايةً في الاهمية ، يجب الحفاظ عليها والبناء عليها وليس الوقوع في مصائد العدو ، التي تهدف الى استدراج قوات المقاومة الى حرب هم يريدون تحديد زمانها ومكانها .
ان فهم هذ المبدأ هو بالتأكيد القاعدة التي تنطلق منها القيادة الايرانية العليا في معالجة جرائم الحلف الصهيو اميركي واذنابه من اعراب الجزيره العربية ، سواءً في العدوان على اليمن ، او في اغتيال الشهيدين سليماني و ابو مهدي المهندس ، بداية هذا العام ، اواغتيال العالم النووي الايراني فخري زاده قبل ايام .
انه مبدأ الحفاظ على الانجازات ومواصلة بناء القدرات وتنفيذ عمليات هجومية انتقامية ، كرد فعل على الاغتيالات ، وكذلك عمليات هجومية تكتيكية ، في اليمن وسورية والعراق وفلسطين ولبنان ، شرط ان تكون مدروسة بشكل يخدم المعركة الاستراتيجية ، اي شرط ان تصبح جزءاً من النصر الاستراتيجي ، كي تظهر قيمتها الفعلية ولا تبقى محصورة في القيمة التكتيكيه الآنية.
انه الصبر الاستراتيجي ، الذي يطبقه حلف المقاومة بشكل عام وايران بشكل خاص ، وهو جزء من قوانين الحرب وقاعدة للخطط العسكرية الاستراتيجية ، التي تحرص على حشد كل عناصر النصر الاستراتيجي ، قبل الانتقال من مرحلة الدفاع الاستراتيجي الى مرحلة الهجوم الاستراتيجي ، والتي ستنتهي بالتأكيد بتحرير فلسطين كاملة من نهرها الى بحرها وانهاء وجود هذه القاعده العسكرية الاستعمارية المقامة على ارض فلسطين وتفكيكها مرة واحدة والى الابد .
بتنا اقرب اليه مما يتصور، ولا حرب قادمة الا ونحن من سيحسم نهايتها باذن واحد احد.
بعدنا طيبين قولوا الله
https://telegram.me/buratha