محمد صادق الحسيني ||
كان حلم الساسة والقادة العسكريون الفرنسيون ، بعد احتلالهم للجزائر سنة ١٨٣٠ ، ورغم تحدي الثورة الكبرى التي قادها المجاهد الكبير ، الامير عبد القادر الجزائري ، ضد هذا الاحتلال .... و كذلك انظارهم تتجه غرباً ، نحو المغرب الاقصى ، الذي يعرف بالمملكة المغربية حالياً .
وقد تحقق هذا الحلم الفرنسي فعلياً ، بعد انعقاد مؤتمر برلين ( Berlin Conference ) ، الذي عقد في الفترة ما بين ١٥/١١/١٨٨٤ حتى ٢٦/٢/١٨٨٥ ، والذي جرى خلاله تقاسم افريقيا ، بين القوى الاستعماريه الاوروبيه آنذاك . اذ اتفقت الدول المشاركة على ان تكون المغرب والصحراء الغربية من حصة فرنسا واسبانيا . وهو ما دفع مواطني المغرب الى رفض هذه القرارات والبدء بثورة مسلحةٍ ضد الوجود الاسباني ، في شمال المغرب ، وذلك سنة ١٨٩٣ ، وهي الثوره التي اطلق عليها اسم : حرب الريف ، خاصة وان اسبانيا كانت تحتل مدينة مليلة المغربية والواقعة على ساحل المتوسط منذ عام ١٤٩٧ ، والتي تبعها حرب الريف الثانيه ١٩٠٩ بعد ان بدأت القوات الاسبانيه تتمدد خارج مدينة مليلة وتسيطر على محيطها ، تمهيداً للسيطرة على كامل الساحل المغربي على المتوسط .
وفي ظل تصاعد المقاومه المغربية للاحتلالين الاسباني والفرنسي عقد اتفاق اسباني فرنسي ، سنة ١٩١٢ ، لتقاسم الاراضي المغربية بشكل نهائي ومتفق عليه ، بهدف توحيد جهود الدولتين الاستعماريتين ، ضد قوات الثورة المغربية في الريف ( شمال البلاد بشكل خاصة ) .
لكن هذه الثورة تواصلت وتصاعدت ، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى ، وزيادة النشاط الاستعماري في المغرب من قبل دولتي الاحتلال ، فرنسا واسبانيا ، الى ان وصلت تلك المقاومة ذروتها في ثورة ١٩٢١ ، التي يطلق عليها اسم : حرب الريف الثالثه ، بقيادة الامير محمد عبدالكريم الخطابي واستمرت هذه الثوره حتى سنة ١٩٢٦ . ولَم تتمكن جيوش الاحتلال الاسبانيه ( في شمال المغرب ) من قمع هذه الثوره الا بعد ان شنت حرب ابادةٍ جماعيه ، ضد الشعب المغربي في الشمال ، مستخدمة الاسلحة الكيماويه وغاز الخردل بالتحديد ، حيث قصفت بمدفعية الميدان ومدفعية البوارج الحربيه ، و الطائرات الحربيه أيضاً ، كل شمال المغرب ، قصفاً عنيفاً استخدمت خلاله ما مجموعه عشرة آلاف قذيفة من غاز الخردل ، وذلك انطلاقاً من استراتيجية الارض المحروقة ، بحيث تصبح الارض غير صالحة للحياة عليها لسنوات طويله ، الامر الذي سيؤدي ، حسب خطط المجرمين الاسبان وشركاؤهم الفرنسيين ، الى فقدان الثوار للاسناد الشعبي وبالتالي للرفد بالمقاتلين .
وهو ما أدى الى ان ما يقرب من ٨٠٪ من مرضى السرطان ، الذين يعالجون في مركز السرطان الوطني في الرباط حالياً ، هم من اهالي الاقاليم الشماليه ، التي تعرضت لهذا لكم الهائل من السلاح الكيماوي ، قبل مائة عام . وهذا ما تثبته ليس فقط الجهات المغربية المعنيه ، وانما هو مثبت رسمياً في آرشيف وزارة الدفاع الاسبانيه ، ولدى العديد من المنظمات الدوليه المختصة ( في الوقت الحالي وليس قبل مائة عام ) . وهذا ما يجعل من الضروري قيام حكومة المغرب بمطالبة اسبانيا بتعويضات مالية عن كل الخسائر المادية والبشريه ، التي نجمت عن جرائم الحرب هذه .
وبالعودة الى الاحلام الفرنسية ، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ، بمتابعة الزحف من الجزائر غرباً ، باتجاه المغرب ، فان هناك حالياً احلاماً اميركية شبيهة بتلك الفرنسيه ، ولكن بالاتجاه المعاكس . اي الزحف من المغرب شرقاً باتجاه الجزائر ، وذلك لاجل تحقيق اهداف المشروع الصهيو اميركي في المغرب العربي ، او ما يسمى حالياً عملية " التطبيع " الجاريه بين المغرب و"اسرائيل" .
وهي في الحقيقة ليست عملية معزولةً ، عن بقية المسار الاستراتيجي للخطط الاميركيه ، التي تهدف الى حصار الدول التي تعارض الهيمنة الاميركيه في "الشرق الاوسط" ، كايران في الشرق والجزائر في الغرب ، خاصة وان الولايات المتحدة قد اصبحت عاجزةً عن الدخول في مواجهة عسكريةٍ مباشرةً مع هذه القوى ، لاسباب عديده لا مجال للغوص فيها حالياً .
فما هي اهداف المشروع الاميركي الحالي ، وادواته الاعرابية والصهيونية والعثمانية ، في منطقة "الشرق الاوسط" بكاملها ؟
1. محاولة خلق موجة جديدة من الفوضى الداخليه المسلحة ، في عموم المنطقة ، وذلك من خلال اشعال المزيد من الحروب والفتن الطائفيه ، يكون هدفها العاجل والمباشر ايران في الشرق والجزائر في الغرب ، بحيث توكل ادارة وتسعير هذه الحروب الى "اسرائيل" ، التي لن تزج جيشها ليقاتل على الجبهات وانما هي ستقوم بقيادة جيوش من المرتزقه المحليين ، التي يطلق عليها اسم جيوش وخاصة في الخليج الفارسي ، بحجة مواجهة الخطر الايراني والتصدي له !
وهذا يعني اشعال حربٍ " عربية " ضد ايران ، خدمة للمشروع الاميركي ، ولكن دون تدخل اميركي مباشر في هذه الحرب ، مما يعني خوض حربٍ اميركيةٍ بالوكالة ، ضد ايران ومحور المقاومة .
وما موجة التطبيع الخليجيه الاسرائيليه ، وما تبعها من توقيع اتفاقيات تعاون بين الطرفين وفِي مختلف المجالات ، الا جزءاً من التحضيرات لنشر الفوضى ، خاصة وان "اسرئيل" قد بدأت فعلاً ببناء قواعد تجسس واخرى عسكرية لها ، في الامارات العربية والبحرين والاجزاء التي تحتلها السعودية والامارات في اليمن وخاصة جزيرة سوقطرى ذات الموقع الاستراتيجي .
2. وكما اخترعت القوى الصهيواميركيه عدواً وهمياً ، لدول الخليج الفارسي في المشرق العربي ، اسمته ايران ، فها هي قد اخترعت بؤرة صراع جديدة في المغرب العربي ، ترتكز الى الوضع الراهن في الصحراء الغربية ، التي تطالب جبهة البوليساريو باستقلالها الكامل عن المغرب .
وما اعتراف الرئيس الاميركي ، دونالد ترامب ، باعتبار هذه المنطقة جزءاً من المملكة المغربيه ، وخضوعها للسيادة المغربية الكاملة ، الا الخطوة الاولى على طريق تصعيد عمليات التطويق الاستراتيجي لجمهورية الجزائر الديموقراطية الشعبيه ، التي ترفض الخضوع للمشروع الصهيواميركي الهادف لتصفية القضيه الفلسطينيه . وهي قد اعلنت موقفها هذا عبر أكثر الناصرين للقضية الفلسطينية من كبار المسؤولين الجزائريين .
وبنظرة سريعة ، لخارطة الجزائر ، يلاحظ المراقب ان فلول داعش في دول الساحل الافريقي ، والتي تناور بهم واشنطن ، عبر ما يسمى أفريكوم / قيادة افريقيا في الجيش الاميركي / وذلك على حدود الجزائر الجنوبية ، في كل من مالي والنيجر وتشاد ، حيث توجد غرفة عمليات اميركيه/ اسرائيليه مشتركه في نجامينا ، عاصمة تشاد لتنسيق تحركات عناصر داعش وتقديم الدعم والاسناد اللازم لها ، لتنفيذ عمليات ارهابيه ، كتلك التي نفذتها هذه المجموعات ، ضد اهداف نفطيه ومحطات غاز طبيعي في جنوب الجزائر اكثر من مرة سابقاً .
ومن نافل القول التذكير بالخطر الارهابي الذي يهدد الحدود الجزائريه من ناحية الشرق ، اي عبر الحدود الليبيه الشرقيه وعبر الحدود التونسية شمال شرق الجزائر . علماً ان هذه الحدود تشهد اشتباكات شبه يومية بين الجيش التونسي ومجموعات من داعش وغيرها ، تحاول بشكل دائم اختراق الحدود الجزائريه ، التي بقيت مؤمنة بالكامل نظراً ليقظة الجيش الشعبي الجزائري وقدراته القتالية العالية ..
3. وانطلاقاً من معرفة القوى الصهيواميركيه بالقدرة العسكرية الكبيره للجيش الجزائري ، وبالنظر الى انه يملك أكبر سلاح للجو والبحر في افريقيا وبالنظر للتصريحات المتكرره لقادة حلف شمال الاطلسي ، والمتعلقة " بالمخاطر التي يشكلها سلاح الجو الجزائري وسلاح البحرية الجزائريه ، على الحركة الجويه والبحريه لقوات الحلف ، في البحر المتوسط ، فان قوى العدوان الاميركي الصهيوني قد لجأت الى اختراع صيغة الصراع الجديده ، المشار اليها في البند السابق ، والتي تتضمن تطويق الجزائر من الغرب ايضا.
وهو ما بدأته هذه الدوائر قبل مسرحية التطبيع ، بين المغرب و"اسرائيل" ، وبالتحديد منذ ان اتخذ المغرب ، بالتنسيق مع واشنطن وتل ابيب ، من خلال مستشار ملك المغرب الخاص ، اندريه أَزولاي ، نقول منذ ان اتخذ المغرب قرار انشاء القاعدة العسكرية العملاقة بمنطقة لاوينات ، التابعة لبلدية مدينة جراده ، التي تبعد ٣٨ كيلومتراً عن الحدود الجزائربه ، وذلك حسب ما جاء في المرسوم الصادر عن رئيس الوزراء المغربي ، والمنشور في عدد الجريده الرسميه المغربيه رقم ٦٨٨٤ ، بتاريخ ٢١/٥/٢٠٢٠، والذي اعلن فيه استملاك الحكومه المغربية مساحة ٢٣ هكتار ( الهكتار يساوي عشرة آلاف متر مربع ) من الاراضي الخاصه لاقامة هذه القاعدة عليها .
4. ولا بد هنا من التأكيد على درجة الخطورة العاليه ، لهذه القاعده على الامن الوطني الجزائري ، وذلك لسببين هما :
أ) انها ستدار من قبل عدد كبير من الضباط الاسرائيليين ، من اصل مغربي ، وعلى رأسهم رئيس اركان الجيش الاسرائيلي السابق ، الجنرال غادي آيزينكوت ، وهو ابن يهودية مغربية من مدينة الدار البيضاء وابٌ يهودي مغربي من مدينة مراكش ، هاجرا الى فلسطين بداية خمسينيات القرن الماضي ، وذلك الى جانب ضباط الجيش المغربي .
علماً ان العدد الاجمالي لليهود المغاربه وابناءهم في فلسطين المحتلة يربو على مليون شخص . وقد تبوأ العديد منهم مراكز عليا في ادارة دويلة الاحتلال ، مثل وزير الخارجيه السابق ، ديفيد ليفي ، ووزير الحرب السابق ، عامير بيريتس ، ورئيس الاركان السابق ، الجنرال آيزينكوت .
ومستشار الامن القومي الحالي ، مائير بن شابات ، الذي ترأس الوفد الاسرائيلي الى المغرب يوم امس ، وهو مولود لابوين مغربيين هاجرا الى فلسطين المحتله ، في خمسينيات القرن الماضي
وبالنظر الى ان القانون المغربي يعتبر جميع هؤلاء اليهود ، المقيمين حاليا في فلسطين المحتله ، مواطنين مغاربة أيضاً ، ويحق لهم حمل الجنسية المغربية ، فان دمج عدد منهم ، او خدمة عدد منهم ، في الجيش المغربي سيكون " قانونياً " أيضاً . وهذا ما يضاعف الخطر الكارثي على الامن الوطني الجزائري . وهو الامر الذي كرره العديد من المسؤولين الجزائريين ، عندما اشاروا في تصريحات لهم ، خلال الشهر الماضي والحالي ، بان ما يقوم به المغرب ، من عملية تطبيع ، ليس الا نقلاً للجيش الاسرائيلي الى حدود الجزائر .
ولا بد في هذا السياق من التذكير بان سلاح الجو الاسرائيلي قد حاول ، بتاريخ ١٠/٨/١٩٨٨ ، بالاعتداء على الاجواء الجزائرية ، لقصف اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني ، الذي كان منعقداً في العاصمة الجزائر ، حيث صدرت التعليمات لتشكيل جوّي جزائري ، مكون من مقاتلات اعتراض طراز ميغ ٢٥ ، بالتصدي للطائرات الاسرائيليه ، من طراز F 16 ، والتي اكتشفتها وسائل الدفاع الجوي الجزائرية يومها وهي على بعد ٤٠٠ كم من الاجواء الجزائريه . وكذلك الامر فان بطاريات الدفاع الجوي ، من طراز Buk -M 3 ، التي كانت قد وضعت في حالة تأهب قصوى قبيل انعقاد المؤتمر ، قد ضبطت الاهداف المعادية ،ما اجبرها عملياً بان تقفل راجعة الى قواعدها في فلسطين المحتلة ، بعد اكتشافها انها في مرمى صواريخ الدفاع الجوي وطائرات ميغ ٢٥ الجزائرية .
كما لا بد من التذكير ان سلاح البحرية الاسرائيلي كان قد نفذَ محاولة اقتراب ، من الموانئ الجزائريه شرق العاصمه ، وذلك بتاريخ ٧/٤/١٩٨٤ ، بحجة ان مجموعة كوماندوز بحري تابعة لقوات العاصفه / فتح / قد انطلقت من تلك الموانىء الجزائرية . وقد تصدت السفن الحربيه الجزائريه ايضاً يومها لزوارق الصواريخ الاسرائيليه الاربعة ، التي شاركت في محاولة العدوان الفاشلة ، وردتها على اعقابها دون تحقيق اي هدف .
اذن فما نقوله ليس "هلوسات" متحمس وانما وقائع ميدان تاريخية ، تثبت نوايا العدوان الاسرائيلي المدعوم اميركياً ، ضد الجزائر ، منذ زمن بعيد . وهو ما يجعلنا ننظر ببالغ الخطورة ، الى موضوع اعلان التحالف المغربي الاسرائيلي العسكري ، الذي يهدد الاستقرار في كل منطقة المغرب العربي .
ب)اما مصدر الخطر الثاني ، على الامن الوطني الجزائري ، والمنبثق من هذه القاعدة ، فهو انها ستضم قاعدة جوية ، تخدم الطائرات المسيرة في المرحلة الاولى . ولعل المتابعون يتذكرون ما صرحت به مصادر في البنتاغون الاميركيه ، يوم ١٩/١٢/٢٠٢٠ ، من ان الولايات المتحدة ستبيع المغرب اربع طائرات بدون طيار ، من طراز MQ - 9 ، وهي من احدث طائرات التجسس الاميركية ، التي لا يحتاجها المغرب للتجسس على الصحراء الغربية ، وانما للتجسس على الجزائر ، التي ترفض الانخراط في مشروع تصفية القضيه الفلسطينيه . اي المشروع الذي يطلق عليه اسم صفقة القرن .
وغني عن القول طبعاً بان "اسرائيل" سوف تلعب دوراً اساسيا ، في تشغيل هذه الطائرات وغيرها من طائرات التجسس الاسرائيلية الصنع ، والتي سيتم نشرها في هذه القاعدة ، استكمالاً لدور طائرات التجسس الاميركية ، التي تعمل انطلاقاً من القاعدة الجوية التونسيه الاكبر في البلاد ، في سيدي أحمد ، شمال غرب ميناء بنزرت التونسي ، على البحر المتوسط ، والتي تنكر وجودها ( الطائرات الاميركيه في جزء من القاعدة ) كل الحكومات التونسيه منذ عام ٢٠١١ وحتى الان ، والتي تسميها البنتاغون : القاعدة رقم ٧٢٢ ، حسب ما نشرته مجلة ذي ناشيونال انتريست الاميركيه في وقت سابق .
5. وقد يقود العرض السابق ، للمخطط الصهيواميركي والدور الاسرائيلي في تنفيذه ، الى طرح سؤال محقٍ حول ما اذا كانت "اسرائيل" تملك جيشاً يوازي الجيش الاميركي في عدده وعدته ، كي تتمكن من الاضطلاع بهذا الدور الاقليمي الكبير ، و الجواب بالتاكيد هو : كلا كبيرة . ان "اسرائيل" لا تملك القدرات العسكرية ، لبسط سيطرتها على كل هذا الاقليم او العالم العربي . كما ان المخطط المشار اليه اعلاه لا يعطي الكيان الصهيوني دور نشر جيشه ، وانما مستشاريه العسكريين والامنيين ، في كل بلدان العرب التي دخلت نفق التطبيع معها .
كما ان من الضروري ان يفهم المرء ان عملية التطبيع ليست هدفاً امريكاً اسرائيلياً بحد ذاته ، وانما هي وسيلة لدمج "اسرائيل" في المحيط العربي وجعلها كياناً مقبولاً ، لا بل حليفاً ، " يساعد " الحكام المطبعين عسكرياً وامنياً ، في التصدي للاخطار التي تواجههم سواء من شعوبهم او تلك القادمة من ايران حلف المقاومة كما يتصورون !
وهو الامر الذي دفع بالقوى الخفية الداعمة لهذا المشروع ، حتى قبل الانتخابات الاميركيه ، بالبدء بالتفكير في صيغة تسمح بضم الكيان الاسرائيلي الى منطقة صلاحيات او عمليات القياده المركزيه الاميركيه ( CENTCOM ) . وهو الموضوع الذي يسمى بلغة البنتاغون : Area of Operations او منطقة العمليات . الامر الذي يجعل "اسرائيل" وجيشها في مقام جزء من القوات المسلحة الاميركيه ، وهو ما قد يعتبر بديلاً لوجود عسكري اميركي مباشر في "الشرق الاوسط" ، من قبل بعض المخططين الاستراتيجيين الاميركيين ، خاصةً اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان تل ابيب سوف تبرم اتفاقيات تعاون عسكري وامني ، مع كل الدول العربيه التي تعلن تطبيع علاقاتها معها . ما يعني عملياً ، وضع القوات المسلحه لتلك البلدان تحت قيادة "اسرائيل" وبتصرفها ، وبالتالي تحويلها الى قوات احتياط ( بما في ذلك الجيش الاسرائيلي ) بإمرة القياده المركزيه الاميركيه ، التي مركزها الدوحة .
علماً ان "اسرائيل" حالياً تعتبر جزءاً من القيادة الاوروبيه في الجيش الاميركي ( U.S. European Command ) ولا علاقة لها بالقيادة المركزيه ، المسؤوله عن "الشرق الاوسط" .
وهذا ما دفع الضابط السابق في البنتاغون ، وهو المدير الحالي للمعهد اليهودي للامن القومي الاميركي ( Jewish Institute for theNational Security of America - JINSA - ) ، ميخائيل ماكوڤسكي Michael Makovsky لكتابة مقال يطالب فيه بضم "اسرائيل" الى منطقة عمليات القياده المركزيه في الجيش الاميركي . وهو يقول ان هذا الموضوع قد بحث مرات عدة في السابق ، لكن الظروف المحيطة به قد تغيرت في "الشرق الاوسط" ، خاصة بعد توقيع ما يسمى اتفاقيات أبراهام !
وفِي اطار الاستعدادات لتنفيذ هذه الخطوة عملياً فان القيادة المركزيه قد نفذت ثلاثة تدريبات جوية مشتركه ، مع سلاح الجو الاسرائيلي ، هذا العام ، مستخدمةً طائرات اميركيه ، من طراز F 35 ، مرابطةً في قاعدة الظفرة الاماراتية .
6. لكن الامر لا يقتصر على ما حدث حتى الآن ، بشأن ضم "اسرائيل" الى منطقة عمليات القيادة المركزية في الجيش الاميركي ، وانما يجب على الكونغرس الاميركي تضمين هذا البند ، في برنامج المساعدات العسكريه الاميركيه للكيان ، بالاضافة الى ضرورة ان تقوم الولايات المتحده بزيادة كميات الاسلحه الدقيقه الموجهه ، التي تزود "اسرائيل" بها Precision - guided munitions وتختصر باسم ( PG s ) ، يقول ميخائيل ماكوڤسكي ، في هذا الصدد.
لكنه يضيف ان ضم "اسرائيل" لمنطقة عمليات القياده المركزيه ، في الجيش الاميركي ، سيسمح لها ، في اوقات الحرب ، باستخدام مخازن احتياط الذخيره الاميركيه ، المخزنه في قواعد عسكريه متقدمة في "اسرائيل" لاوقات الحرب ( بالنظر اليها من الولايات المتحده ) ، التي تسمى بالانجليزيه : The War Reserve Stockpile Ammuntion - Israel ( WRSA - I ) .
وهذا يعني ، حسب ماكوڤسكي ان هذه الاسلحة الامريكية تبقى تحت قيادةٍ اميركيه في ظروف يسمح فيها لاستخدام هذه الذخائر ، اذا ما وقعت حرب مع ايران او حزب الله .
7. ويتابع قائلاً ان جعل "اسرائيل" جزءاً من منطقة عمليات القياده المركزيه الاميركيه ، التي تشمل العراق وافغانستان أيضاً ، وهما دولتان لا تقيمان علاقات مع "اسرائيل" ، انما سيثير جدلًا ، او
بعض الاشكاليات ،حول الدور الاميركي في هاتين الدولتين ، خاصةً وان الولايات المتحدة الاميركيه تواجه تهديدات ايرانيه ، عبر " الميليشيات " المدعومه من ايران حسب زعمه . وربما تستخدم ايران هذه المسألة ( ضم "اسرائيل" للقيادة المركزية ) كحجة للقيام بتصعيد عسكري ضد القوات الاميركية في العراق .
ولكن الامور ربما تتغير ، نحو الافضل ، بعد استلام الجنرال لويد اوستين( Lloyd Austin ) وزارة الحرب الاميركية في ادارة الرئيس المنتخب بايدن ، وهو الذي كان قائداً للقيادة المركزية الاميركية ، في الدوحة ، من سنة ٢٠١٣ وحتى ٢٠١٦ ، وتربطه علاقات وثيقة ب"اسرائيل" ويعرف جيداً الاهمية التي تتمتع بها دويلة الكيان الصهيوني في المنطقه .
8. وبناءً على كل ما تقدم فاننا نكاد نجزم ان جميع الزيارات ، التي قام بها كبار العسكريين الاميركيين ، خلال الشهرين الماضيين لكيان الاحتلال ، قد تمحورت حول هذا الموضوع ، وذلك لتحويله الى امر واقع ، قبل رحيل ادارة ترامب من البيت الابيض . اي لوضع هذا المخزون الاستراتيجي الاميركي ، من الذخائر ( صواريخ ) الموجهة الدقيقة تحت تصرف "اسرائيل" ، كي تقوم باستخدامه كما يحلو لها ويخدم مصالحها وليس لخدمة المصالح الاميركية . خاصة وان اهتمامات بايدن الاستراتيجية ستختلف تماماً عن اهتمامات ترامب ، التي اقتصرت على عقد الصفقات الماليه والاستعراضات الدبلوماسية ، التي اطلق عليها اسم اتفاقيات التطبيع بين الدول العربيه و"اسرائيل" . تلك الاتفاقيات التي لن تقود الى اية حلول لمشاكل المنطقة ، وفِي المقدمة منها القضية الفلسطينيه ولا تحدي محور المقاومه ، الذي يصر على مواصلة استراتيجيته، الراميه الى تحرير فلسطين وانهاء الوجود الاستيطاني الاحتلالي الاسرائيلي فيها.
وفِي هذا الصدد ، يكفي ان نستمع الى التصريحات النارية التي اطلقها بايدن في هذه الاثناء ، ضد روسيا ، والمتعلقة بالهجمات السيبرانيه المتواصلة في كل انحاء الولايات المتحده ومؤسساتها المدنية والامنية والعسكرية والصناعية بشكل فعال!
ما يعني ان الرياح القادمة من واشنطن لا تأتي على هوى أشرعة سفن نتن ياهو ، التي بدأت في هذه الاثناء بالغرق ، وذلك بعد حل الكنيست وقرار اجراء انتخابات تشريعية جديده ، لن تأتِ بنتن ياهو رئيساً للوزراء قطعاً . لا بل انها ستمهد الطريق لدخوله السجن لقضاء ما تبقى من حياته هناك .
وهذا يعني ان كل المؤامرات والالاعيب ، التي مارسها ويمارسها نتن ياهو ، مع جاريد كوشنير واعراب النفط ، مضافاً اليهم ملك المغرب ، الذي يريد "تحرير" الصحراء الغربية ، من سكانها العرب والامازيغ الاصليين ، بينما لا يحرك ساكناً لتحرير سبته ومليلة ، المحتلتين من قبل اسبانيا منذ قرون ، نقول ان كل تلك المسرحيات ليست لها علاقة بالواقع الميداني ، المتعلق بالصراع الاستراتيجي الشامل ، الدائر حالياً بين الدول الرافضة لاستمرار الهيمنة الاميركية في العالم ، وفِي مقدمة هذه الدول ، مع الصين الشعبيه وروسيا ، ايران وسورية وحلفاؤهما في المنطقة ، وفي العالم مثل فنزويلا وكوبا وبوليفيا ، في اميركا اللاتينيه .
خلاصة نقول ان التطبيع حرب استنزاف فتنوية خاسرة بالتاكيد رغم كل مظاهر نجاحها الاعلانية البراقة..!
ذلك لان العالم تغير كثيراً واهم متغيراته تحول محور المقاومة الى لاعب دولي رئيسي بمقام دولة كبرى في المعادلات الدولية بعد ان ظلت منطقتنا مجرد تابع يتلقى الاوامر من سفراء وقناصل الدول الكبرى..!
بعدنا طيبين قولوا الله
https://telegram.me/buratha