د.علي حكمت شعيب*||
يصعب على أوروبا التصديق بالواقع الجيوسياسي العالمي الجديد الذي أسفرت عنه التغييرات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها الحرب السورية.
عدم التصديق هذا يستحيل نفاقاً أوروبياً يتمظهر في كونهم باطناً مع سياسة ترامب في الضغط الأقصى على إيران اقتصادياً، وظاهراً مع الالتزام بالإتفاق النووي.
فهم لم يجرؤوا عن عمد، متسترين بغطاء الخوف من ترامب، من الوفاء بتعهداتهم التي وعدوا بها في الاتفاق النووي مع إيران، وعلى رأسها تفعيل آليتهم المالية التي تخفف على إيران الحصار المالي الأمريكي.
لقد استهدفوا وزير الخارجية السوري بوضعه على لائحة الإرهاب على بعد أيام من زوال الترامبية عن حكم أمريكا.
ويشاركون في كل العمليات الأمنية والعسكرية للتحالف الدولي العدواني على اليمن وسوريا، ويهلكون البشر والحجر بذخيرتهم التي ما انفكت تصل الى النظام السعودي الوهابي المجرم لمساعدته بحربه الآثمة على اليمن، ويقومون بأعمال عسكرية في دير الزور أشبه ما تكون بأعمال عصابات تسرق النفط السوري، وتقصف مواقع الجيش السوري وحلفائه، وتموّل لوجستياً وبشرياً عمليات داعش في سوريا والعراق وعصابات المعارضة، لتقطع المعابر بين سوريا والعراق وتعيق حركة محور المقاومة فيهما.
هذا النفاق لا ينفع معه إلا التشدد، وسواء عادت إيران الى الإتفاق النووي أم لم تعد، لا بد لها من السير في بناء اكتفائها الذاتي الاقتصادي، ولا بد لسوريا من اعتماد مقولة وزير خارجيتها المخضرم المرحوم وليد المعلم من أننا سنعمل متناسين أن لأوروبا وزناً في الساحة الدولية.
يجب أن يعلم الأوروبيون ومن خلفهم الأمريكيون أن ولادة نظام عالمي جديد بعد الحرب السورية أمر أصبح واقعياً، وعليه يجب فتح النقاش على مصراعيه مع الإدارة الأمريكية الجديدة حول ضرورة تعديل هيكلية النظام العالمي الحالي، وسياساته وتوزع سلطات اتخاذ القرار في كل منظماته الدولية، بدءاً من مجلس الأمن ومروراً بالبنك الدولي وصندوق النقد وبالعملات ومؤشرات ومعايير تقييمها و...
إن وجود إيران كقوة دولية، وصعود نجم روسيا الدولي بعد انكفائها جراء البريسترويكا، وتمتين عرى التحالف الصيني الروسي الإيراني للوقوف بوجه الهيمنة الأمريكية، وثبات وانتصار سوريا في الحرب الأمريكية العالمية عليها، وبناء الحشد الشعبي في العراق، وصعود اليمنيين الحوثيين الأحرار في اليمن وانتصارهم في الحرب فيها، وتحول المقاومة في لبنان الى قوة تأثير إقليمية، هي تداعيات وآثار إيجابية محمودة للمنتصرين في الحرب السورية يجب على محور المقاومة حسن استثمارها لضرب الهيمنة القطبية الأمريكية والغربية المتفردة في حكم العالم، بالتعاون مع حلفائه الصينيين والروس من أجل المساهمة في بناء نظام عالمي جديد لا تهيمن عليه أمريكا وحلفاؤها بعد أن أوصلهم النظام العالمي الحالي الذي شكلوه كمنتصرين في الحرب العالمية الثانية الى ذروة طغيانهم التي أكثروا معها الفساد في الدول وشعوبها.
*أستاذ جامعي ـ لبنان
https://telegram.me/buratha