ناجي امهز ||
كان هناك ثلاثة نقاط في العالم هي الاساس بقيام النظام العالمي الجديد،
سويسرا (شفايزر 1300 ميلادي) حتى يومنا هذا، بسبب نجاح ادارتها العميقة، لسياسة الديمقراطية المباشرة، وللقطاع المالي رغم الحروب والمتغيرات التي اجتاحت اوروبا على مر العصور.
بلاد الشام وتحديدا لبنان (1800ميلادي – 1982 ميلادي) الذي اسماه اسياد الساسة العالمية بسويسرا الشرق، وهذه التسمية ليست عبثا، او انها من باب المجاملة.
وانجلترا، (1600 ميلادي – 1970ميلادي) رائدة السياسة العالمية.
وهذه البلدان الثلاثة شكلت عصب النظام العالمي الذي نعيشه اليوم بكافة تفاصيله السياسية الاقتصادية والاجتماعية، بمعنى اوضح هذا هو العالم قبل القرن الحادي والعشرين، وما تبق من دول بني على هذا الاساس, من امريكا حتى اصغر وافقر دولة.
(اما اليوم، حلت امريكا مكان انجلترا، والكيان الاسرائيلي مكان الكيان اللبناني، ولا شيء يغير بمكانة سويسرا الى قيام الساعة)
فامريكا ( 1765 ميلادي) هي نتاج حراك سياسي بريطاني، ثوابتها المالية وضعها النظام السويسري، ودستورها من لوحة لبنان القديم.
اوروبا كي تتماشى مع المتغير العالمي اخذت من لوحة لبنان القديم، وبنت عليه نظامها الاجتماعي (حرية – مساواة – اخوة) الذي مزجته مع فلسفة نمطية لشعوبها (الثورة الفرنسية)، وقد عدلت سياستها( 1717 ميلادي) لتلتقي مع السياسية البريطانية الاقوى في ذلك التاريخ، اما ماليتها هي نتاج نظام مالي وضعته سويسرا ومازال ساريا حتى يومنا هذا.
حتى روسيا والصين، فهما ايضا ضمن هذا الاطار في السياسة الخارجية والمالية، مثلا امريكا قادرة ان تفرض عقوبات سياسية ومالية، على اي جهة روسية او صينية حتى لو كانت رسمية، بينما بالمقابل هذه الدول عاجزة عن الرد بالمثل...
اذا سويسرا عاصمة المال، ولبنان لوحة تشريعية (بيروت ام الشرائع الامبراطورية الرومانية 150 قبل الميلاد)، وانجلترا عاصمة السياسة، ومن الطرائف هي العبارة الشهيرة (من هنا تخرج سياسة العالم) التي كان يقال عنها انها مكتوبة على مدخل احد الابواب من الجهة الداخلية في انجلترا، يقال ان الرئيس كميل شمعون قبل استقلال لبنان اجتمع مع بعض ساسة العالم في لندن، وعندما غادر الاجتماع، خرج من باب الخدم، فقيل له لماذا خرجت من باب الخدم قال كي لا يقال اني خرجت بسياستي من هنا، وقد طالبت بريطانيا ان يبق كميل شمعون قريبا منها من اجل اخذ مشورته بسياسة الشرق الاوسط فتم تعينيه وزيرا مفوضا من قبل لبنان في لندن 1944.
قد يسال البعض ما هو التشريع الذي وضعه لبنان، هذا الامر سيكون بمقال اخر لكن الكبار يعرفون هذا التشريع، وتذكروا ان الذي سمح للشعوب العربية حتى لليهود من اصول جغرافية عربية، ان ينالوا الجنسية الامريكية من الدرجة الاولى، في القرن الثامن عشر، هو مواطن لبناني من ال ضو.
لماذا اقول هذا الكلام لاخبر الساسة بالعالم العربي، الذين لا يعلمون شيئا عن سياسة العالم، ان صناع القرار العالمي ينظرون اليهم على انهم هواة بل دمى، من خشب، لا تحتاج الا خيطا لتهز راسها بالموافقة، وبعد الانتهاء منهم يلقون بهم في مواقد النار للتدفئة، كما حصل مع صدام حسين والسادات ومبارك وعمر البشير، والقذافي وعلي زين العابدين وصالح وغيرهم كثيرين، والقادم اكثر...
وكي تصبح سياسيا عليك ان تحفظ ثلاثة اشياء.
اولا: ان تفهم تركيبة دول العالم ودورها التاريخي...
ثانيا: ان تمتلك معرفة طبيعية استنتاجية مبنية على وقائع تدرك من خلالها السياسة العالمية، وهذه المعرفة لا تتكسبها من الكتب والمطالعة بل من الاستماع لمن يعلم بالسياسة حتى عندما تقرأ كتاب سياسي او تسمع خطاب لشخصية دولية تستطيع ان تستنج الاتجاه الذاهب اليه، لان هذه الشخصية قادمة من مدرسة معينة.
وتذكر، بعد كل نهاية معركة، بعيدا ان كنت رابح بها ام خاسر انت ستجلس على الطاولة للتفاوض، وهنا ستسمع المثل القائل، تكلم كي اراك، وان نجحت بهذه اللحظة التاريخية ستصنع ما تريد بعيدا عن مقاييس القوة والعدد والثروة.
ثالثا: السياسة ليست "وعود" لا تتحقق، فالكاذب ليس سياسيا، بل انه صعلوك، يعلم بقرارة نفسه مقدار تفاهته، والدول لا يعقل ان تتقدم او تزدهر بهكذا نوع من السياسيين مهما طال الزمن، لان ما بني على باطل فهو باطل.
و الميكافيلية السياسية (كتاب الامير) هي تعلمك ان تنجح في ادارة سياستك مع من هم تحت امرتك، او من تريد ان تكسب ودهم من فئة شعبية اي الرعية، لكنها لا تنجح مع الدول او ان تلعب مع الكبار بالعالم، ولا حتى مع سياسي له منصبه، وخاصة ان كان من دولة تريد ان تفاوضها.
https://telegram.me/buratha