د. جواد الهنداوي * ||
وبعد عشرين عاماً من الاحتلال و ممارسة القتل والدمار تستسلم أمريكا لقَدرِها في افغانستان : الهزيمة و الانسحاب .
لماذا الهزيمة ؟ لانها فشلت ( واقصد امريكا ) عسكرياً و سياسياً . فهي لم تنجح في القضاء على حركة طالبان ، لا ، بل تفاوضت مع الحركة و وقعّت مها اتفاق سلام في الدوحة في ٢٠٢٠/٢/٢١ . و بموجب هذا الاتفاق :وجوب انسحاب القوات الامريكية من افغانستان في بداية شهر آيار من عام ٢٠٢١ ، وسيبدا الانسحاب في الاول من شهر ايلول لهذا العام ، اي بتأخير لاربعة شهور ، وقد صرّحت حركة طالبان بأنَّ هذا التأخير هو انتهاك للاتفاق ، كما اطلقت الحكومة الافغانية ،المدعومة من القوات الامريكية و الدولية ، و وفقاً للاتفاق ، سراح ٥٠٠٠ خمسة الالاف معتقل من حركة طالبان في سجون الحكومة الافغانية ، ومن شروط الاتفاق ايضاً هو ان تبدأ حركة طالبان بمفاوضات مع الحكومة الافغانية من اجل التوصل الى تسويّة ، كما تلتزم حركة طالبان بقطع علاقاتها مع القاعدة والجماعات الارهابية.
ستنسحب القوات الامريكية ،مثلما اعلن الرئيس بايدن ، و ستنسحب القوات الدولية الاخرى، وكذلك قوات الناتو ، وهذا ما طالبت به حركة طالبان . ولكن لم يتم توافق او تفاهم بين حركة طالبان والحكومة الافغانية ، و اعتقد سيتم تفاهم وتعاون بين حركة طالبان والقاعدة و الجماعات الارهابية الاخرى ، وستنهار القوات الافغانية في غضون سنتيّن او ثلاث سنوات ، و ستغادر الحكومة الافغانية كابول مكّرهة.
هذه هي ابعاد الفشل العسكري و السياسي الامريكي في افغانستان !
و للانصاف ،ينبغي ذكرْ ما حققّته امريكا في افغانستان :
استطاعت ، كما تدعي ، قتل أسامة بن لادن ،ولكن ليس في افغانستان وانما في باكستان . حققّت اشباع غريزة الانتقام ، ولكن ليس من القاعدة او من حركة طالبان ، وانما من الشعب الافغاني ومن ارضه و وطنه و ثرواته.
استطاعت تقوية حركة طالبان عسكرياً وسياسياً و منحها الشرعية الدولية و تأهيلها دولياً لحكم افغانستان خلال السنوات الثلاث القادمة . أَمّا الشعارات الامريكية ، والتي سوقّتها عند غزوها لافغانستان ،في الحرية والديموقراطية والتنمية فموقعّهنَ ، حين الاحتلال ، في أسمْ كانَ ، و أصبحنَ الآن في خبر كانَ ، كما يقولون .
لن ترحل القوات الامريكية بعيداً عن افغانستان ، ستنتشر بالقرب من افغانستان ، وفي احدى الدول المجاورة ، مثلما كتبته افتتاحية صحيفة واشنطن بوست ،الصادرة يوم ٢٠٢١/٤/١٤، لمراقبة سير الاوضاع و تطورها و سرعة التدخل عند الضرورة . وستستمر ذريعة و حجّة النشاطات الارهابية في افغانستان سبباً لتفسير التدخل مستقبلاً . تدخل سياسي و بالوسائل الناعمة ، ومن غير المستبعد ان تدعم امريكا مستقبلاً حكومة طالبان .
نستخلص من التجربة الامريكية في افغانستان دروس و عِبرْ . فما هي ؟
لمْ تتوقف حركة طالبان عن قتالها الامريكين ، بالرغم من المفاوضات الرسمية و العلنية التي بدأت بين قوات الاحتلال الامريكي و حركة طالبان في بداية عام ٢٠٢٠ ، علماً بان اتصالات سرّية غير مباشرة وبعضها مباشرة ، بدأت بينهما منذ عام ٢٠١٥ . في اطار استمرار القتال و التفاوض مع العدو في ذات الوقت ، يبدوا ان حركة طالبان استفادت كثيراً من تجربتيّن : تجربة الحرب الامريكية الفيتنامية ،حين رفض الفيتناميون ايقاف القتال ،خلال مرحلة التفاوض . وتجربة التفاوض بين الاسرائيليين و الفلسطينيين في اوسلو ،حين وافقت السلطة الفلسطينية ،ليس فقط بايقاف العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي ، وانما بالتعاون الامني مع اسرائيل على امل و وعود اسرائلية لم تتحقق .
تفاوضَ الامريكان ، من اجل الانسحاب ، مع حركة طالبان وليس مع الحكومة الافغانية. اي تفاوضَ الامريكان مع القوي حتى و إنْ كان خصمهم او عدوهم ، من اجل انسحابهم ، وليس مع الضعيف ، الدولة او الحكومة ، حتى و ان كان الضعيف صديقهم او حليفهم .
تجربة امريكا في افغانستان انتهت بقرار من حركة طالبان وليس بقرار من حكومة افغانستان ، الامر الذي يدّلُ على دور و اهمية الحركات و التنظيمات المسلحة في تحقيق اهدافها وفي اتخاذ القرارات السياسيّة .
https://telegram.me/buratha