محمد صادق الهاشمي ||
1- منذ إعلان مجلس الأمن حظرًا جويًا على مناطق شمالي العراق بعد دخول صدام الكويت؛ استشعرت تركيا القلق خشية نشوء كيان كردي في شمالي العراق، يهدد أمنها القومي، ويحرك ملف أكراد تركيا والمنطقة، لذلك رفضت تركيا أن تكون تركيا ممرًا للقوات الأميركية نحو العراق، وقد حددت تركيا بعد 2003 موقفها بالضد من قيام كيان كردي في العراق، وهذا الذي يدفعها إلى فرض سيطرتها في شمالي العراق عسكريا.
2- حجم التبادل التجاري بين تركيا والعراق مر بمراحل متعددة منذ 2003 إلى الآن؛ ففي عام 2006 بلغ مستوى التبادل التجاري (5.8) مليار دولار، ثم قفز عام 2013 إلى (12) مليار دولار، والآن يتجه إلى أكثر مستوى من قَبل، إذ يبلغ(21) مليار تقريبًا، علمًا أنَّ عدد الشركات التركية العاملة في العراق بلغ (987) شركة؛ استثمرت بقيمة (21) مليار دولار، وأغلب التجارة التركية تمر عبر كردستان ومنافذها؛ لذا سعت تركيا للسيطرة على هذه المنطقة التي تشكل لها واردات بنسبة (4%) من الاقتصاد التركي، ومن الاجمال القومي.
ولأجل رفع مستوى التبادل التجاري، ولتأمين حركة التجارة بين البلدين، وتسهيل انتقال البضائع، وببعد إستراتيجي فإنَّ هذا الاحتلال يمهد إلى حركة تجارية أكبر من سابقاتها، ويمهد لربط العراق بتركيا؛ استعدادًا للخط التجاري الدولي (خط الحرير).
3- قطع الطريق على إيران أن تتمدد إلى المنطقة، مرورًا بالعراق دون الحاجة إلى تركيا.
4- تركيا من خلال حضورها في الشمال العراقي تعتقد بأنها توفر الأمن إلى تركيا؛ لمنع أيَّ تحرك كردي في الداخل التركي مستعينًا بالكيانات الكردية في العراق وتركيا.
5- تركيا تحاول من خلال حضورها العسكري خَلْقَ توازن بحضورها، مقابل الوجود الإيراني في العراق؛ لأنّ تركيا ترى أنَّ وجود الحشد الشعبي، وإجمال دور إيران في العراق يهددان مصالحها إستراتيجيًا؛ لذا فإنَّ تركيا تنتهج سياسة الضدية، فكلما تحركت إيران سياسيًا داخل العراق؛ نجدها تتحرك هي الإخرى سياسيًا، وإن تحركت إيران اقتصاديًا قابلتها تركيا بتحرك اقتصادي داخل العراق، وإن كان دور لإيران –من وجهة نظر تركيا– من خلال المقاومة والحشد الشعبي؛ فإنَّ تركيا توازنه سابقًا من خلال (الدواعش، والنصرة) وغيرهما، وبعد فشل تلك المنظمات الإرهابية؛ تركيا الآن مضطرة أن تحضر هي بنفسها في العراق، وفي أغنى منطقة وأهمها إستراتيجيا.
6- كانت تركيا تتحالف مع مسعود بارزاني، وتجد في وجوده امتدادًا لها ضد إيران، وتنفيذًا لمصالحها؛ كون أردغان كان يعتقد أنَّ شمال العراق يمثل الحديقة الخلفية الجنوبية لتركيا، والمرتبطة إستراتيجيًا بها، إلا أنَّ الأمر اختلف؛ فبعد إعلان مسعود مساعيه نحو الانفصال عام 2017 شعرت تركيا أنَّ مسعود لا يمكن الوثوق به، ولا بد من الحضور التركي القاصد لها، ونشر قواتها، وفتح معسكراتها وقواعدها في جبال قنديل وبعشيقة؛ ثم لاحقًا في سنجار.
7- من يتابع التحرك التركي، وحضوره العسكري في العراق ومنذ عام 2015 إذ أُسِّسَت أول قاعدة عسكرية لها في بعشيقة، ثم توسعت تدريجيًا؛ فاحتلت أكثر من (200) قرية، وأشرفت على جبال قنديل، ثم متينا، ومدن متعددة، ونشرت خمسة آلاف جندي تركي - يتأكد أنَّ تركيا ليست بصدد إعادة قواتها إلى تركيا، وأنَّ ما تقوم به مرحلي، أو أنها تستهدف (حزب العمال) دون سواه!، بل الأمر يرتبط بإستراتيجية كبيرة تخص مصالحها في العراق والمنطقة، وتخطط لعشرات السنين، وتستحضر التاريخ المعقد.
8- تركيا تدرك أنَّ المنطقة مقبلة على تحولات كبيرة اقتصادية، وسياسية، خصوصًا بعد هزيمة الأميركان (وداعش) في العراق وسورية، وبعد نسبة التقارب التي حققتها إيران مع روسيا، وحضور إيران بقوة في المنطقة ودورها المؤثر، ووضوح دورها بصفتها قوةً مهمة في المنطقة؛ كل تلك المعطيات جعلت تركيا تكثف حضورها الاحتلالي العسكري في العراق وسورية؛ لأخذ حصتهم من المنطقة، وحتى لا تنكمش تركيا وتهمش أمام الدور الواسع لإيران، والشيعة في المنطقة، وروسيا.
9- قد تتعارض تركيا مع إسرائيل وأميركا؛ كون مخطط إيجاد دويلات كردية في سورية والعراق موالية لإسرائيل مخططٌ إسرائيلي مهم لهم، إلا أنَّ تريكا تجد في هذا الأمر نقطة خلاف مع إسرائيل وأميركا، ولا يمكنها التفريط بمصالحها في المنطقة، مع أنها تتفق مع إسرائيل وأميركا في عشرات النِّقاط الجوهرية، ويمكن إقناع أميركا بواسطة تركيا أنَّ وجود تركيا في تلك المناطق يُعَدُّ أكثر تحقيقًا لمصالح إسرائيل وأميركا؛ مما يمكن أن تحصله أميركا من تلك الدول المفترضة، خصوصًا أنَّ تركيا تؤمن بالتقسيم، إلا أنها في زمن أردوغان لا تسمح بأيِّ تقسيم يمنح الكرد أيَّ حيز ووجود مستقل، وهذا ما وجدناه في الموقف التركي من انفصال مسعود، نعم إنها تؤمن بالتقسيم الذي يوفر مصالحها.
10- تركيا لا تريد التقسيم الآن في العراق، ولكن إن حصل التقسيم لأيِّ سبب كان؛ فإنَّ حصتها مضمونة من خلال حضورها العسكري، وفي المدن السنية والكردية؛ كونها تشرف عليها عسكريًا وسياسيًا واقتصاديا.
11- هناك عقدة في تركيا اسمها (عقدة أردوغان) وخلاصة هذه العقدة: إنَّ أردوغان يعتقد بإمكانه إعادة تركيا إلى عهدها العثماني، وأن تكون تركيا من خلال أردوغان إمبراطورية كبرى في المنطقة، ولا بد من فخر يسجل له؛ حتى يدخل التاريخ، وتلك العقدة هي التي تحرك أردوغان للتوسع الاحتلالي في: ليبيا، سورية، العراق، البلقان، اليونان... وغير ذلك، وهي التي تدفعه لِأَن يؤسس المعسكرات في العراق.
12- الدراسات العالمية وحتى التركية، تركز على أنَّ المنطقة مقبلة على تحولات مهمة؛ بالتوجه إلى الطاقة النظيفة، ويكون للغاز دور مهم، لذا فإنَّ تركيا من الآن تسعى حثيثًا، أن تكون ممرًا للخط التجاري الغازي، وخط الحرير الصيني إلى أوروبا.
هذه المواقع العسكرية التركية قريبة من أربيل (عاصمة كردستان العراق)؛ لخنق الكرد العراقيين من أي انفصال لاحقًا، وهم حاضرون –كذلك– في منطقة صوران، زيادة على قاعدة تركية كبيرة في بعشيقة، التي تبعد عن الحدود حوالي (80) كيلومترًا وكذلك (40) كيلومترًا إلى الشمال الشرقي من الموصل.
كما أنَّ القواعد التركية موجودة داخل العراق، إذ يبلغ عددها (38) قاعدة صغيرة وكبيرة، وبعمق يتراوح بين (80) كيلومترًا إلى (10) كيلومتر؛ وذلك حسب طبيعة المنطقة وساحة المعركة.
بالقرب من صوران، فإنّ تركيا تمتلك مواقع عسكرية في منطقتي (خاوكورك، وزاخو)، ولديها أربعة مراكز أمنية موجودة في مناطق كوخي وزاخو وبامرني والعمادية.
هذا يوفر لتركيا السيطرة على الخط التجاري الدولي الواعد، وخنق أربيل، وفصل أكراد سورية عن العراق وعن تركيا، والسيطرة على منطقة نفطية، وثروات كبيرة.
من المؤكد أنَّ أميركا، وحتى إسرائيل وأوربا سيعترفون بالأمر الواقع، ويقتنعون به، لا سيما أنَّ المراقبين لا يجدون اعتراضًا أوربيًا أو أميركيًا على احتلال تركيا للعراق وحتى لسورية.
https://telegram.me/buratha