د. جواد الهنداوي * ||
لماذا على العرب ، وخاصة على العراق وسوريا ، الاهتمام اكثر في مسارات السياسة و العلاقات الخارجية التركية و مساحة النفوذ التركي ؟ لماذا التركيز ، وخاصة في مجال الاعلام ،على النفوذ الايراني و النفوذ الامريكي في المنطقة ، وخاصة في دولنا العربية ، في حين ، يشهد الجميع ،بتواجد و بأحتلال عسكري تركي في العراق و في سوريا وفي ليبيا وغيرهم ، وخلافاً لارادة الدول ولميثاق الامم المتحدة والقوانين الدولية ؟ لا، بل ، الاحتلال التركي في سوريا، يمارس التطهير العرقي و سياسة التتريك في مدن سوريّة ، وهو اخطر بكثير من الاحتلال الامريكي ، و لا يختلف عن احتلال اسرائيل للجولان !
قبل التحليل و الاجابة على ماورد في عنوان المقال ،نحاول تسليط الضوء على ما تقدّم ،في المتن ، من استفهامات .
حدثان يستلزما التوّقف والتفكير من اجل حُسن التدبير تجاه ، الاطماع التركية في العراق وفي سوريا ، اطماع في الجغرافية وفي الثروات ، وتتجاوز رغبة في النفوذ السياسي و الاقتصادي .
الحدث الاول هو تصريح وزير الداخلية التركي ، والذي انتشرَ ،يوم امس ،في الصوت وفي الصورة ،على مواقع التواصل الاجتماعي المعنية ، والذي يُعّبر فيه ، وبصراحة عن قدرتهم وطموحاتهم و مسؤوليتهم للذهاب سيراً على الاقدام الى سوريا والعراق ، من اجل السلام ! تصريح ينّمُ عن ما تكّنه القيادة التركية من نوايا و وجهات نظر و مخططات تجاه البلديّن ( سوريا و العراق ) ، وبحكم ،مثلما جاء في قول الوزير ، متطلبات الجغرافية ! لمْ يهملْ الوزير ،في تصريحه ، عن ذكرْ ليبيا و افغانستان !
الحدث الثاني هي " حادثة العلم التركي " ، والتي وقعتْ اول امس ،٢٠٢١/٧/٢٠ ، في مدينة طبرق الشرقية ، حيث تعمّد بعض المواطنين بوضع العالم التركي على الارض ، وقبيل مرور موكب رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية ، " عبد الحميد الدبيبة " ،عند توجهّه الى مبنى المجلس الوطني . الحادث اثارَ غضب وتذمّر و استنكار وزارة الخارجية التركية ، و دعت موسكو السلطات الليبية الى معاقبة المتورطين.
تدخل موسكو ، ومطالبتها بمعاقبة المتورطين ، كشفَ ايضاً حقيقة مفادها ،انَّ التواجد التركي ،سواء في سوريا او او كان في ليبيا ، يمضي بتنسيق بين تركيا و روسيا ، وفقاً لمصالحهم السياسية و الاقتصادية ، والتي هي فوق كل الاعتبارات و المعايير و القوانين الدولية ، وفوق المبادئ .
التركيز ، ومنذ مدة ليست بقصيرة ،على النفوذ الايراني و النفوذ الامريكي في المنطقة ، و الاستغراق في تنافسهما او في صراعهما ، ساهمَ ،الى حدٍ كبير ، على التعايش الايجابي مع الاحتلال الاسرائيلي و مع النفوذ الاسرائيلي ، وساهمَ ايضاً على توجيه و ترويض العرب للقبول بأحتلالات اخرى و بنفوذ آخر ، و أهم هذه الاحتلالات و النفوذ تلك التي تعود الى تركيا . اصبحَ هيّنناً على العرب ان تصبح اراضي من سوريا و اراضي من العراق و اراضي من ليبيا تحت الاحتلال او التواجد العسكري التركي .
التسامح او التهاون رسمياً و اعلامياً ، من قبل العرب ، مع الاحتلال التركي في سوريا وليبيا و العراق ، او التغاضي عنه ( عن الاحتلال )،و تركيزهم على النفوذ الايراني والنفوذ الامريكي في المنطقة يدّلُ على أمرّين : الامر الاول هو أنَّ بعض العرب يتعاملون مع التحديات المصيرية التي يعيشونها ( ولا اقول يواجهونها ) ليس بمعيار او بمنطق مصالحهم الاستراتيجية او أمنهم القومي او القطري ، و انما بمعيار او بتسويق ديني او مذهبي او طائفي ، وهذا هو حال تعاملهم مع ايران او مع نفوذ ايران . و الامر الثاني هو أنَّ البعض من العرب يتعامل مع النفوذ الامريكي ، بمعيار " امر واقع ومسّلم به " ، وكأنه " قدر محتوم " ، حتى و إنْ كان النفوذ الامريكي ،ليس لصالح امريكا وانما لصالح هيمنة اسرائيل ، ويقود ،رويداً رويدا الى تعريّة و اندثار العرب أمةً و دولاً وشعوباً .
حرصْ امريكا ونفوذها على أنْ لا ينهضْ العرب ،على أنْ لا يتطورْ العرب ، على أنْ لا يقتني العرب تكنلوجيا متطورة سلاحاً و اقتصاداً ، خوفاً على اسرائيل ،جعلَ من العرب " كيان و اقل من دولة " ، ومن اسرائيل " كيان اكبر من دولة " . بسبب تمادي و تغلغل و تسلّط النفوذ الامريكي في المنطقة وبين العرب ، وحرص هذا النفوذ على ضمان تفوق اسرائيل ، اصبح وضع دول العرب و جغرافية العرب وسيادة العرب مقومات مُستباحة !
أدماننا ،ومنذ اكثر من نصف قرن على النفوذ الامريكي ، هو الذي أوصلنا كعرب الى ان تكون دولنا واراضينا مُستباحة للاحتلال الاسرائيلي و الاحتلال التركي ، والاحتلال الامريكي و الارهاب .
حال لبنان ،اليوم ، دليل صارخ على تسلّط النفوذ الامريكي ، وشاهدٌ على تعطّل قدراتنا بالتحرر من هذا النفوذ ، بل الاستسلام لهذا النفوذ .
حرصْ امريكا على ان نكون ضعفاء امام اسرائيل ،وَضعَ العرب ضعفاء امام الجميع ، الى حدْ افتقارنا لمقومات الدفاع و العزم والقوة و الاتحاد والبصيرة .
أعودُ الى العنوان ،و موضوعه اطماع تركيا حتى في افغانستان . لم تترددْ تركيا في اعلان رغبتها بالتواجد عسكرياً في كابول ،و بحجّة حماية مطار كابول ، وبالاتفاق بين الحكومة التركية و الادارة الامريكية.
استنكرت حركة طالبان ، والتي استولت على ثلثي مساحة افغانستان ،تصريح تركيا ، و اعلنت انها ستتعامل مع اي قوات اجنبية تتواجد على ارض افغانستان ،باعتبارها قوات محتلة.
التواجد العسكري التركي في افغانستان ، لن يتحقق الاّ باتفاق وبتنسيق امريكي -تركي ، ولربما بتوافق بينهما وبين حركة طالبان . التنسيق والتوافق المفترضْ او المتوقعْ مرهون بتطور الاوضاع في افغانستان وفي محيط افغانستان .
امريكا و تركيا يهمهّما كيف ستتصرف حركة طالبان ، وبعد سيطرتها على كابول ،بالقوة او بالاتفاق مع الحكومة الافغانية ، تجاه ايران و روسيا و الصين وكذلك تجاه طاجاكستان ( حليف لروسيا ) وتجاه تركمنستان .
لا توجد حدود مشتركة بين تركيا و افغانستان ،اي ،بمعنى آخر ،ليس هناك تهديد على الامن القومي التركي ، ومصدره الاراضي الافغانية . لا تستطيع تركيا تبرير تواجدها العسكري في افغانستان بذريعة امنها القومي ، وبحجّة صّدْ اعتداءات حزب العمال الكردستاني او غيرهم ،كما هو الحال تجاه سوريا وتجاه العراق .
لا يمكن لتركيا ان تبرّر وجودها العسكري والسياسي في افغانستان بذريعة نشر الديمقراطية وحقوق الانسان ، مثلما أدعّت لتبرير تدخلها في سوريا، عند بداية الازمة في سوريا .
ماذا نستنتجُ ،نحن العرب ، من مساعي ونوايا و اطماع تركيا تجاه افغانستان ؟
نستنتج سقوط الذرائع والحجج التي سوّقتها تركيا من اجل احتلالها اراضي في سوريا وفي العراق . تواجد الجيش التركي في سوريا و في العراق ،ليس من اجل الامن القومي التركي ،وليس من اجل الديمقراطية ،و انما من اجل نفوذ و دور سياسي ، ومن اجل اطماع جغرافية ، اطماع تستطيع تركيا من تحقيقها بالاعتماد على عامل الزمن وعلى ضعفنا وتشتتنا كعرب ، و تعجز عن تحقيقها بفضل يقضتنا وتعاوننا و ادراكنا بأنَّ ضعف العراق او ضعف سوريا او الاستمرار بأنتهاك سيادتهما، و احتلال جزء من اراضيهما ، سيقود الى اضعاف العرب دولاً وشعوباً ، و لاسيما دول جوار العراق ( الاردن والمملكة العربية السعودية ) . لتكن تجربة الاحتلال الامريكي للعراق و تداعياتها على العرب وعلى المنطقة لنا عِبرة.
ماذا نستنتجُ ،نحن العرب ، من مساعي ونوايا و اطماع تركيا تجاه افغانستان ؟
نستنتج سقوط الذرائع والحجج التي سوّقتها تركيا من اجل احتلالها اراضي في سوريا وفي العراق . تواجد الجيش التركي في سوريا و في العراق ،ليس من اجل الامن القومي التركي ،وليس من اجل الديمقراطية ،و انما من اجل نفوذ و دور سياسي ، ومن اجل اطماع جغرافية ، اطماع تستطيع تركيا من تحقيقها بالاعتماد على عامل الزمن وعلى ضعفنا وتشتتنا كعرب ، و تعجز عن تحقيقها بفضل يقضتنا وتعاوننا و ادراكنا بأنَّ ضعف العراق او ضعف سوريا او الاستمرار بأنتهاك سيادتهما، و احتلال جزء من اراضيهما ، سيقود الى اضعاف العرب دولاً وشعوباً ، و لاسيما دول جوار العراق ( الاردن والمملكة العربية السعودية ) . لتكن تجربة الاحتلال الامريكي للعراق و تداعياتها على العرب وعلى المنطقة لنا عِبرة.
*سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل .
في ٢٠٢١/٧/٢٠ .
https://telegram.me/buratha