التقارير

مشهد العراق الانتخابي..غموض وتخبط وارتباك

1495 2021-08-10

 

عادل الجبوري ||

 

   رغم انه لم يتبق على موعد اجراء الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة سوى شهرين، الا ان الصورة تبدو ضبابية ومشوشة ومرتبكة الى حد كبير، في خضم تقاطع المواقف والاتجاهات، وتصاعد التشكيك والاتهامات، واضطراب الميادين والجبهات، وذلك الغموض والتشوش والارتباك، يرسم مسارين او يضع احتمالين، اما تأجيل الانتخابات الى موعد اخر، او ان نتائجها ومخرجاتها لن تأت بجديد يمكن من خلاله تحقيق اصلاحات وتغييرات حقيقية يتطلع اليها جمهور واسع من الشعب العراقي.      

   ولعل العودة قليلا الى الوراء، للاحاطة بظروف وخلفيات قرار اجراء الانتخابات المبكرة، تتيح فهم مجمل التفاعلات والتداعيات الراهنة. فنقطة الانطلاق الرئيسية للانتخابات المبكرة، تمثلت بالتظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في مختلف مدن ومحافظات البلاد، في شهر تشرين الاول-اكتوبر من عام 2019، ورفعت الكثير من الشعارات والمطاليب الاصلاحية، وبمشاركة اطراف وشرائح وفئات اجتماعية وسياسية مختلفة، دون ان يعني ذلك ان العامل الخارجي كان بعيدا عن دائرة الحدث ومحركاته وفواعله.

  ولان المرجعية الدينية في النجف الاشرف، كانت قد شخصت قبل ذلك، الخلل والضعف، ورأت ان هناك ضرورة ملحة لاصلاح الاوضاع، فأنها تفاعلت الى حد كبير مع مطالب الشعب المشروعة والمعقولة، اذ بادرت في العشرين من شهر كانون الاول-ديسمبر 2019، وبعد ثلاثة اسابيع من تقديم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي استقالته الى البرلمان، الى اصدار بيان، تلاه معتمدها الشيخ عبد المهدي الكربلائي من على منبر صلاة الجمعة بمدينة كربلاء المقدسة، قالت فيه "قد أشرنا في خطبة سابقة الى ان الشعب هو مصدر السلطات ومنه تستمد شرعيتها- كما ينص عليه الدستور- وعلى ذلك فإنّ أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب الى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي ـ لا سمح الله-هو الرجوع الى الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، بعد تشريع قانون منصف لها، وتشكيل مفوضية مستقلة لإجرائها، ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها تسمح باستعادة الثقة بالعملية الانتخابية".

   وشددت المرجعية في ذلك البيان على "ضرورة اقرار قانون انتخابات أن يكون منسجماً مع تطلعات الناخبين، يقرّبهم من ممثليهم، ويرعى حرمة أصواتهم ولا يسمح بالالتفاف عليها، وإنّ اقرار قانون لا يكون بهذه الصفة لن يساعد على تجاوز الأزمة الحالية".

   وبالفعل فأنه في الرابع والعشرين من نفس الشهر-اي بعد اربعة ايام-اقر البرلمان العراقي قانون الانتخابات الجديد، على خلفية مخاضات عسيرة، شهدت  مفاوضات ومساومات مارثونية شاقة بين الفرقاء السياسيين، وقد تألف القانون الجديد من خمسين مادة، ابرزها اعتماد الدوائر الانتخابية الصغيرة، وبدلا من ان تكون كل محافظة دائرة انتخابية، فأنها قسمت الى اكثر من دائرة بحسب حجمها السكاني، ليكون مجموع الدوائر وفق  القانون الجديد ثلاثة وثمانين دائرة انتخابية، وكذلك الغاء نظام سانت ليغو في توزيع المقاعد، واعتماد قاعدة الفائز الاكبر وهكذا، اي عدم تحويل الاصوات التي يحصل عليها مرشح ما في كتلة معينة الى المرشحين الاخرين في القائمة.

   وفي وقت مقارب، قام مجلس القضاء الاعلى بأختيار رئيس جديد لمفوضية الانتخابات واعضاء مجلس المفوضين من القضاة، وبدت تلك الخطوة وكأنها تحولا كبيرا في مسارات العملية الانتخابية، لانها ستفضي الى كسر الهيمنة التقليدية الحزبية على مفوضية الانتخابات، والقفز خارج الاطر الموضوعة، رغم كل ما قيل عن افتقار الفريق القضائي الجديد الى الخبرة الكافية في ادارة الملف الانتخابي بالمستوى المطلوب.

ولاشك، ان اقرار قانون الانتخابات الجديد، واستبدال رئيس المفوضية واعضائها، تعززت بقرار مجلس الوزراء برئاسة مصطفى الكاظمي، الذي تولى مهامه في السابع من شهر ايار-مايو 2020 خلفا لعادل عبد المهدي، والمتمثل بتحديد موعد اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة استجابة لمطالب الجماهير ودعوات المرجعية الدينية، اذ كان من المقرر ان تجرى الانتخابات في مطلع شهر حزيران-يوينو الماضي، بيد انها ارجأت الى العاشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر المقبل، لاسباب وصفت بالفنية المتعلقة بطبيعة ومستوى استعدادات المفوضية، الا ان واقع الحال ومجمل المؤشرات والمعطيات، ذهبت الى ان اسباب التأخير هي في الواقع سياسية اكثر منها فنية، ولعل مجمل الحراك والتفاعلات الحاصلة فيما بعد اكدت ذلك بمقدار كبير جدا، وانه كلما اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي، كلما اخذ المشهد السياسي العام يشهد المزيد من الارتباك والتخبط وخلط الاوراق، بحيث مازال الجدل والسجال حول امكانية اجراء الانتخابات من عدمها يشغل حيزا غير قليل، لاسيما وان الاطراف الداخلية والخارجية التي كانت متحمسة وداعمة الى حد كبير لاجراء الانتخابات المبكرة في اسرع وقت ممكن، راحت تروج بشكل او باخر لفكرة انعدام الظروف الملائمة لاجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وتدعو الى تأجيلها مرة اخرى، وهذا يصدق على بعض القوى والكيانات التي انبثقت عن تظاهرات تشرين، ويصدق كذلك على عواصم غربية مثل واشنطن ولندن، من خلال تصريحات وبيانات وتحليلات غير رسمية، واشارات، مرة ضمنية واخرى صريحة.

   وتبع التشكيك في امكانية اجراء الانتخابات، او الجدوى من اجرائها في ظل الظروف الامنية والسياسية والاقتصادية الراهنة، انسحاب ومقاطعة عدد من القوى والكيانات السياسية، من بينها التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، وائتلاف الوطنية بزعامة اياد علاوي، والحزب الشيوعي العراقي، وجبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك.

   والملفت في اعلان تلك الكتل، هو أن الانسحابات جاءت بصيغة بيانات وتصريحات سياسية، حتى أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أكدت أنه لم يصلها اي اشعار أو طلب من أي كتلة سياسية أو مرشح انتخابي تفيد بالانسحاب وعدم المشاركة بالانتخابات المقبلة.

   هذا من جانب، ومن جانب آخر، أن اعلان مقاطعة البعض تبعها مباشرة انطلاق الحملات الانتخابية لعدد من الكتل والكيانات السياسية، وابرزها تحالف الفتح، الذي يعد الكتلة البرلمانية الاكبر في البرلمان الحالي، فضلا عن تأكيد قوى وزعامات سياسية عديدة على ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها المحدد، معتبرة ان انسحاب بعض الكتل من السباق الانتخابي، وان كان مؤسفا، الا انه لايمكن ان يعطله او يعرقله، وهي ترى أن معالجة الأخطاء والسلبيات، وتصحيح الانحرافات، وتحقيق الإصلاحات، لايتم من خلال مقاطعة الانتخابات والتشكيك بمخرجاتها ونتائجها مسبقا، وانما عبر المشاركة الفاعلة فيها، والعمل الجاد مع مختلف القوى الوطنية لسد كل الثغرات التي يمكن من خلالها تمرير الأجندات والمخططات الخارجية المتقاطعة مع الإرادة الوطنية، تلك الأجندات والمخططات التي-وبحسب الاطراف الداعمة بقوة لاجراء الانتخابات في موعدها-يراد منها ابقاء العراق في دوامة الفوضى والاضطراب السياسي والامني والمجتمعي.

   ولعل جانب من المخاوف والهواجس من مقاطعة الانتخابات، يتمثل بتراجع نسب المشاركة فيها، وهو ما اشار اليه رئيس البرلمان العراقي محمد الحبلوسي مؤخرا، حينما دعا "القوى التي أعلنت عن مقاطعة الانتخابات الى العدول عن هذا القرار والمساهمة الفاعلة في الانتخابات لدفع المواطنين على المشاركة بشكل أوسع في الانتخابات"،وبنفس المعنى تحدثت زعامات سياسية كبيرة، مثل رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي الشيخ همام حمودي، ورئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم.

   وطبيعي ان انسحاب التيار الصدري، يعني عزوف جمهوره عن الادلاء بأصواتهم، وهكذا بالنسبة للاخرين، وان كان هناك تفاوتا ربما يكون كبيرا في حجم جمهور كل طرف من الاطراف المقاطعة حتى الان، ناهيك عن كونه، قد يفتح الباب لاضطراب امني لايتحمله الشارع العراقي المثقل بالمشاكل والازمات، في ذات الوقت فأن التوافقات والتفاهمات السياسية، لاسيما فيما يتعلق بترتيب اوراق ما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة، مازالت تعد افضل الخيارات المتاحة لتجنب الانزلاق نحو الفوضى، وتوفير الارضيات الملائمة لانهاء الوجود الاجنبي في البلاد بدلا من تكريسه في ظل انعدام الاستقرار. ومثلما شددت المرجعية الدينية  في بيانها نهاية عام 2019، على "أهمية اجراء الانتخابات النيابية المبكرة كسبيل للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب الى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي".

قد لاتأتي الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق بنتائج ومعطيات وارقام، من شأنها ان تقلب الموازين وتؤسس لمعادلات جديدة، تغيب فيها او تضعف هيمنة القوى التقليدية من المكونات الرئيسية الثلاث، الشيعية والسنية والكردية، وقد تشهد عمليات تلاعب وتزوير، وتواجه حملات تشكيك وتخوين، رغم حزمة الاجراءات المتخذة لاضفاء اكبر قدر من النزاهة والشفافية والمصداقية عليها، الا ان اجرائها بات يمثل تحديا حقيقيا، وخيارا لابد منه، حتى وان تقاطعت المصالح، وتباينت الحسابات، واحتدمت الصراعات بين الفرقاء ضمن حدود المكون الواحد، او ضمن الفضاء الوطني العام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك