د . جواد الهنداوي *||
لم يمضْ على رحيل الامريكان عن افغانستان ،( برضا او بأكراه ) الاّ اياماً معدودة ، حتى بدأ الغرب ، حُماة و رعاة ألاستراتيجية الدولية الامبريالية ، بتنفيذ خططهم الطارئة و المستعجلة لملئ الفراغ السياسي والعسكري ، الذي تركته الادارة الامريكية ، والقوات الامريكية ، وقوات الناتو في افغانستان .
أمريكا الجريحة عاجزة الآن عن التفكير والتدبير في الشأن الافغاني ، بريطانيا و فرنسا هما مَنْ توليا المهمة .
امريكا الآن منشغلة بالتداعيات السياسية و بالانتقادات اللاذعة من الصديق و من الحليف للادارة و مسوؤليها عن هزيمة القرن . اصوات لسياسين و لنخب تطالب الرئيس بايدن بالاستقالة ، لاسيما بعد مقتل ١٢ عسكري امريكي في الانفجار الذي وقع مساء يوم ٢٠٢١/٨/٢٦ ، في مطار كابول ؛ ادعّت داعش مسؤوليتها عن الانفجار .
مَنْ هو نابليون افغانستان ؟
هو احمد شاه مسعود ( الابن )، او احمد الثاني تمييزاً عن والده احمد شاه مسعود ، و الملّقب " اسد بنشير " ، الذي اغتالته طالبان بتاريخ ٢٠٠١/٩/٩ ، في معقله اقليم " بنشير " في افغانستان ، بواسطة انتحاري ،انتحلَ صفة صحفي ، ونُسِبَ التفجير و الاغتيال الى المخابرات الباكستانية المتعاونة و المتحالفة مع طالبان حين كانت الحركة تُقيم وتنمو وتنشط في باكستان . كان احمد الابن يبلغ من العمر ١٢ عام ،عند اغتيال والده . تعّلمَ و درسَ في الكلية العسكرية البريطانية في لندن ، وله علاقات مع نخب و سياسين في بريطانيا وفرنسا و الولايات المتحدة الامريكية ، وللاستدلال على طبيعة هذه العلاقات ،يكفي الاشارة الى انَّ " احمد الثاني " و اقصد احمد شاه مسعود الابن يستقبلُ ، ومنذ يوميّن الفيلسوف الفرنسي ، برنارد ليفي، شخصية مُثيرة للجدل ليس لطروحاته الفكرية وانما لعلاقاته و نشاطاته السياسية ،والتي تُحسبْ دائماً لصالح اسرائيل و الصهيونية ،كما يُعرفْ عنه دوره في تأليب فرنسا وحلف الناتو للهجوم على ليبيا و اسقاط نظام معمّر القذافي ، وزياراته المتكررة الى ليبيا ، وكذلك بؤر النزاع ذات البعد القومي و الطائفي ،والتي تخصُ من بعيد او من قريب مصلحة اسرائيل ، ومصلحة الصهيونية . سيصدر كتاب في نهاية شهر ايلول القادم يتناول سيرة و مسيرة و قصة شاه مسعود ، في قتاله لقوات الاتحاد السوفيتي حين كان الجيش السوفيتي مُحتلاً لافغانستان ، في سبعينيات القرن الماضي ،و كذلك قتاله لقوات طالبان في تسعينيات القرن الماضي ، عنوان الكتاب هو " نابليون افغانستان " ،ومؤلفّه ساندي غال .
ما كتبناه اعلاه من معلومات عن " اسد بانشير " ، و اقصد احمد الثاني ،هو لغرض تبيان جهود فرنسا و بريطانيا من اجل تهيأة الرجل و تعريفه للعالم و للاعلام و الرأي العام ، وحتماً لاغراض سياسية و استراتيجية تهّم مصلحة امريكا و الغرب .
لن يدعْ المحور الغربي افغانستان و لا طالبان في منآى عن رصدهِ و توظيفاته ،لما ما لكليهما من ادوار تسمح للمحور بالتخطيط لمواجهة المحور الاسيوي ( الصين ،روسيا ،ايران ) . فَشلت الخطة أ او الاولى الامريكية في السيطرة على افغانستان و القضاء على طالبان ، انتقلت امريكا و بمبادرات من حلفائها ( بريطانيا ،فرنسا ) الى تبنّي الخطة ب او الخطة الثانية ، بالعمل على توظيف الطائفية و القومية لتهديد حركة طالبان ،و زعزعة استقرار وعمل حكومتها ،كي تعّمُ الفوضى و يعّم الاقتتال العرقي والطائفي في افغانستان .
أقليم باشير وقياداته المعروفة بأستعصاءهم على الاحتلالات والاستسلام ، و بصلابة مقاومتهم ،مُرشّح لأن يكون اداة فاعلة في محاربة طالبان ،إنْ اقتضت مصلحة المحور الغربي وتلاقت مع مصلحة اقليم باشير .
لن يعولْ المحور الغربي و لا حلف الناتو على دور او تأثير كبير لتركيا في افغانستان ، رفضت حركة طالبان بقاء قوة عسكرية تركية لا للتدريب و لا لحماية المطار ،طالبان تعتبر القوة العسكرية التركية المتواجدة في افغانستان جزء من الناتو و دخلت الى افغانستان بأعتبارها قوة ناتويّة وليست قوة تركية ، فهي اذاً غير مُرحّب ببقاءها وستُعامل بأعتبارها قوة محتلة ،وقد فهمت تركيا الرسالة وشرعت بسحب قواتها ،و يأستْ من امكانية ابقاء قوة لها لحماية المطار .
تعمل حركة طالبان لاستمالة المعارض احمد شاه مسعود واشراكه في الحكم ، و وساطات بين الطرفيّن و عروض طالبانيّة بعدم الدخول في قتال او نيّة لدخول اقليم باشير . تدرك حركة طالبان صعوبة او استحالة القتال في اقليم باشير لتضاريسه الوعّرة ولعدم معرفتهم في جغرافية الاقليم ، كما انهم فشلوا في السيطرة على الاقليم في تسعينيات القرن الماضي ابان فترة الحكم الاولى لحركة طالبان . وكثير من الوحدات و القيادات العسكرية الافغانية ،التي هربت من افغانستان لجأوا الى اقليم باشير و انضموا الى صفوف المقاومة مع احمد شاه مسعود .
لحركة طالبان شأنٌ في مناسبتيّن قادمتيّن، ستشهدهما في النصف الاول من شهر ايلول القادم ؛ المناسبة الاولى هو يوم ٢٠٢١/٩/٨ ،ذكرى اغتيال القائد احمد شاه مسعود عام ٢٠٠١ ،والمناسبة الثانية هي ذكرى تفجيرات نيو يورك في ٢٠٠١/٩/١١ ، والتي نفذتّها القاعدة ،بقيادة اسامة بن لادن .
لنرى كيف تتعامل حركة طالبان مع الذكرى ؟
هل ستمجّد ذكرى هذه المناسبات ( تفجيرات نيويورك و اغتيال احمد شاه مسعود ) ؟
*سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل
في ٢٠٢١/٨/٢٦.