ناجي امهز ||
منذ اكثر من عقدين وانا ابحث عن مكامن القوة في هذه القوة التي اسمها امريكا، وهي للحقيقة جعلت الجميع يفتتن بها كما جعلتهم يكرهونها.
فأمريكا تحذرك من المساس باي مواطن امريكي تواجد على اي بقعة في العالم، لكنها بالمقابل تسمح لنفسها باستهداف اي شعب او شخص، وفي اي بقعة بالعالم.
امريكا مستعدة ان ترسل كل فرقها لإنقاذ كلب، داخل الحدود الامريكية، وبالمقابل مستعدة ان ترسل كل جيوشها وتستخدم كل اسلحتها ونفوذها لتجعل اي شعب بالعالم يعيش حياة الكلاب.
لو عدنا فقط للأفلام التي انتجتها امريكا في منتصف تسعينات القرن الماضي، لشاهدنا افظع وابشع الجرائم التي ارتكبت بحق السكان الاصليين لأمريكا، الهنود الحمر، لكن اليوم من يتكلم عن الهنود الحمر، حتى الباحث والمهتم، يشعر بقرارة نفسه ان امريكا قتلتهم بحب، لقد غسلوا ادمغتنا.
امريكا استعبدت المهاجرين السود ونكلت بهم طيلة قرنين، وحرمتهم اقل حقوقهم، وبين ليلة وضحاها حولتهم الى مواطنين، يموتون في سبيل امريكا، وانزال النورماندي عام 1944 كان مشهدا لا يتوقعه احد، بينما نحن نعيش مع بعضنا وبيننا قرابة دم ومصاهرة، منذ الف عام ولم نعرف ان نحب بعضنا ولا حتى ان نصبح مواطنين.
ما هذا السر والسحر "الابراكادابرا"
لقد بحثت في كتب التاريخ والاثار والاشارات، بين النصوص والخرافات، بين الطلاسم والرقوقات، في الاديان والميثولوجيا وتعدد الأيدولوجيات، بين الساسة والسياسة والمنظمات السرية من الماسونية حتى بين فلسفة الفلسفات، وما كتب عن اسرار الصحون الطائرة، وغزو الفضاء، وسر منطقة 51، ولغز مثلث برمودا، حتى حضارة اطلانتس، وكنت ما ان اخرج من لغز حتى اجد نفسي في سر اكبر، وما يفتح باب حتى اجد متاهة اكبر والالاف من الابواب الموصدة، لا احد يستطيع ان يصدق شيء، ولا يمكن لاحد ان يكذب شيء، لكن الجميع سيجد في امريكا، وامريكا في كل شيء.
اطفالنا متسمرين امام انتاجها من الرسوم المتحركة، وعندما يتعلمون القراءة سيكونون اسيرين قصصها المصورة، وما ان يكتمل نموهم، حتى تجدهم في خيالهم يعيشون كما يعيش المرهقين فيها، ويلعبون العاب الفيديو لشخصيات واشكال لا تشبهنا، لكنهم مندمجين بها، يحفظون اسماء شوارع امريكا اكثر من زواريب الشوارع في اوطاننا، وعندما يكتمل نضوجهم يحلمون بالهجرة اليها، ويتمنوا لو انهم يحملون جنسيتها.
عليك فقط ان تسمع عن رواتب والمناصب التي يحظى بها خريجي جامعات ومعاهد امريكا في كل العالم، وكيف يحكمون ويتحكمون، كيف يصنعون يستثمرون، يبنون يخترعون، لماذا دائما هم السباقون، ويصبح كل حلمك ان تبيع كل شيء تملكه بوطنك لتعليم اولادك فيها...
حتى اوراقها النقدية بالرغم انها ذات الاوراق التي نطبع عليها عملتنا الوطنية، الا انها تفوقها اضعافا مضاعفة، وعندما تتأملها كثيرا تسال ما هو السر، ولماذا هذا الفرق.
امريكا، جعلتك تخشى حتى معجون الاسنان، وانهم يستطيعون ان يتحكموا بتفكيرك من خلاله "نظرية الفلورايد"، ما من مصيبة تحدث في العالم الا ويقال ان امريكا خلفها، كورونا قالوا عنه صناعة امريكية، وعلاجه ايضا امريكيا، حتى التصحر والاعاصير التي تصيب العالم يقولون صنعتها امريكا، الرأسمالية امريكا، الامم المتحدة هي امريكية، الخديعة امريكية، الديمقراطية والعنصرية صنعتها امريكا، امريكا تمارس الاستعباد عالميا وعندما تسال العالم عن محرر العبيد يقولون لك إبراهام لينكولن، امريكا تسرق ثروات العالم، وعندما تسال عن شرطي العالم يشيرون اليك انها امريكا.
السلام وان كان مزيفا يشكرون امريكا عليه، والحرب ايضا يشكرون امريكا عليها.
كل شيء امريكا، بل اصبح لأمريكا الهتها واخيارها واشرارها، فاليوم امريكا لديها الاله سوبرمان القادر على الطيران وانقاذ العالم وهو لا يموت، وايضا انبيائها امثال باتمان الذي يحارب الجريمة ليقيم العدالة، والجوكر الذي حل مكان الشيطان، وبالرغم من اعمار هذه الديانة القصير، لا تتجاوز السبعين عاما، الا ان غالبية الكرة الارضية تعرف عنهم اكثر مما تعرف عن الانبياء والرسل والقديسين الذين ارسلهم الله منذ الاف الاعوام، غالبية المسلمين اسالهم عن اسماء القديسين لا يعرفون، وايضا المسيحيين اسالهم عن ال البيت وغالبية الصحابة ايضا لا يعرفون، انما اسال اي طفل مسيحيا كان او مسلما، وحتى لو كان بوذيا، عن اسم باتمان السري وحياته وسيخبرك كل شيء، او الجوكر وسيضحك مثله.
لقد غيرت امريكا العالم وقلبت المفاهيم.
يمكن ان يكتب يوميا عن امريكا عشرات الكتب، بالدين والسياسة والاقتصاد والفلسفة والصناعة والتكنولوجيا والاكتشافات، وهي لم يتجاوز عمرها ال مئتاي وخمسون عاما، بينما كل هذه الامم منذ نبي الله ابراهيم حتى يومنا هذا لا يمكنها كتابة كتاب واحد عن اي ديانة، بل ستجد ذات التكرار والنصوص ونفس الاسماء، حتى الذين يدعون الحداثة بالدين امثال زغلول النجار، فكل همهم ان يثبتوا ان هذا الدين اكتشف هذا الاختراع قبل ان تكتشفه امريكا، وكأنهم يضعون الله بسباق مع امريكا.
لقد بحثت طويلا في سر امريكا التي لم تكن قبل قرنين من الزمن، الا عبارة عن مليونا شخص، بينما كانت الامة الاسلامية والعربية مائة وعشرين مليون شخص واكثر، واين كانت واين اصبحت امريكا اليوم، واين اصبح العرب والمسلمون اليوم.
ولم اجد الا امرا واحدا، وهو سبب تفوق امريكا، انها تركت الناس تتكلم، وخلاصة حكمة الكلام خطته الاقلام، والاقلام ايقظت الاحلام ودعمت امريكا كل مبدع ومنتج ومخترع، كي يحول هذه الاحلام الى افلام، والافلام الى حقيقة، فمن يصدق ان رواية الخيال العلمي ستار تريك عام 1966 للكاتب جين رودينبيري التي لم يكن يتقبلها عقل عن الهاتف بكاميرا والتحدث مباشرة، بوقت كان تسعون بالمائة من العالم لا يملك التلفاز الابيض والاسود، ان تصبح حقيقة عام 2000.. ونحن منذ الف عام لم نعرف حتى هذه اللحظة ان ننتج فيلم عنتر وعبلة، مع انه عبارة عن بيتين شعر.
لذلك لن ننتصر على امريكا حتى نطبق ما قاله العالم المصري الشهير، أحمد زويل — '«الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل...
وعذرا على الاطالة