د.علي المؤمن ||
تشهد الساحة السياسية الاجتماعية العراقية، أحداثاً يومية متلاحقة بعد العام 2003، وكثير منها خطير ومهم؛ لكنها ليست مفصلية وقاصمة لظهر الواقع الجديد، كما قد يتصور بعض الناس أو يتمنون، ولن تغير في المعادلة الكلية؛ بل أنها تغير في أسماء وحظوظ الأشخاص والجماعات الموجودين في المعادلة؛ فتصعد أسهم هذا، وتهبط أسهم ذاك، وتتقدم تلك الجماعة، وتتراجع ذلك الحزب، وهلم جرا؛ بينما تبقى المعادلة الاجتماعية السياسية التي رشحت عن التغيير الأكبر في تاريخ العراق منذ 1350 عاماً؛ تبقى كما هي، وستبقى ثابتة لعقود طويلة، ربما للثلاثين عاماً القادمة حداً أدنى.
وتنبئ العقود العراقية القادمة عن مجموعة من الممكنات السياسية، وهي المتغيرات، وأخرى من المستحيلات وهي الثوابت. وأعتقد أن أهم المستحيلات العراقية الثابتة هي العشرة التالية:
1- من المستحيلات عودة النظام الطائفي العنصري الى حكم العراق.
ربما تزداد المحاولات بشكل مكثف من المكون السني بدعم المحيط الإقليمي العربي لإعادته، لكنها لن تنجح.
2- من المستحيلات عودة حزب البعث الى السلطة، حتى بصفة مشارك.
ربما يستمر البعثيون في النفوذ في بعض مفاصل الدولة، عبر بعض الأحزاب الرسمية، ولكن بشكل مستتر كالعادة، وسيبقى تخريبهم للدولة وللنسيج الشيعي محدوداً وليس عميقاً، مهما بلغت قوتهم ونفوذهم.
3- من المستحيلات نهاية المشاكل والخلافات بين المركز وإقليم كردستان، وخاصة في قضايا المناكق المتنازع عليها وحصة الكرد في قرار الحكومة المركزية وميزانية الإقليم من المركز، وإيوائه للعناصر المطلوبة والمعادية للمركز.
ربما تهدأ الخلافات أحياناً، لكنها ستستمر، وتتصاعد أحياناً أخرى.
4- من المستحيلات رضوخ الأحزاب السنية، ودول الجوار المحيط العربي الطائفي، وأغلب حواضنها؛ للواقع الجديد الذي استتب بعد 2003. وستبقى جغرافيا المنطقة الغربية حاضنة للجماعات التكفيرية الإرهابية.
ربما تسكن هذه الأحزاب والأنظمة وتتعايش، لكنها لن تسلِّم للتغيير أبداً، وتبقی تتحین الفرص للعودة الى ماقبل العام 2003؛ لكنها لن تنجح.
5- من المستحيلات انهيار التيار الإسلامي الشيعي، ممثلاً بتياراته الرئيسة الثلاث: تيار الدعوة والتيار الصدري وتيار المقاومة
ربما يضعف بعضها، وربما تبقى حاضنته الإجتماعية في الوسط والجنوب مستهدَفة للعمل ضده، لكنه يبقى فاعلاً رئيساً.
6- من المستحيلات سيطرة التيارات العلمانية الشيعية على السلطة. ربما يتوسع حضورها في أجهزة الدولة، ويتعمق تغلغلها، تبعاً لنوعية الحكومات؛ لكنها تبقى أقلية مشاركة في السلطة وأقلية مشاغبة في الشارع.
7- من المستحيلات عودة الروح الى الحزب الشيوعي، حاله حال كل التيار الماركسي.
ربما ينفع الأوكسجين السياسي لإنعاشه، ولكن بشكل إدواري وليس ثابت.
8- من المستحيلات سلب الشعب العراقي عقيدته الدينية، وخاصة في إطار الاجتماع الديني الشيعي.
ربما يتساقط قسم منه من قطار العقيدة، لكن الأكثرية تبقى على أصالتها.
9- من المستحيلات ضعف موقع المرجعية الدينية النجفية في الواقع العراقي عموماً والشيغي خصوصاً.
ربما يتراجع موقعها مؤقتاً برحيل المرجع الأعلى، لكنه يستعيد وضعه سريعاً تدريجياً.
10- من المستحيلات نجاح النظام السياسي العراقي وتقدم انتاجيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، في حال بقيت الديمقراطية التوافقية التوازنية كما هي، أو بقي النظام برلمانياً لايحظى بأغلبية.
ربما تنجح بعض حكوماته في النهوض بالواقع تكتيكياً، في ظل ظروف معينة؛ لكنه نهوض عابر وليس سترتيجياً.
في الحد الأدنى هي مستحيلات للثلاثين أو الخمسين عاماً القادمة. وينبغي أن تكون هذه الثوابت محل تأمل ستراتيجي لأحزاب المكونات الشيعية والسنية والكردية، لكي تبني قواعد حراكها السياسي الاجتماعي في إطار تلك الثوابت؛ رحمة بالعراق الملتهب وشعبه المتعب الذي يستحق أن يكون أحد أفضل الشعوب المستقرة الآمنة المكتفية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha