عدنان علامه *||
حمل وزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور أحمد ناصر المحمد الصباح، والذي وصل للبنان مساء السبت 22 يناير/كانون الثاني إلى بيروت، ورقة أفكار إلى المسؤولين اللبنانيين، تحت عنوان "إعادة بناء الثقة بين دول المنطقة ولبنان".
والورقة التي حملها الوزير الكويتي تحتوي على لائحة شروط خليجية مؤلفة من 12 بنداً، على أن يجيب لبنان عنها نهاية الشهر الجاري، حيث موعد انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب في الكويت.
وبما أن الرسالة تقرأ من عنوانها فقد تهرّب وزير الخارجية الكويتي من الرد على سؤال يتعلق بقصف مبنى سجن صعدة وقال : " الذي طالبنا فيه ان لا يكون لبنان منصة لأي عدوان لفظي أو فعلي ضد دول الخليج وتنفيذ قوانين الشرعية الدولية". فالوزير نقل رغبة الدول الخليجية في القضاء على حرية الرأي الدستور اللبناني ويبدو أن ما يسمى بالشرعية الدولية قد أعطوا ملوك وأمراء دول الخليج وكالة حصرية لمتابعة تنفيذ قرارات مجلس الأمن.
فلطالما تدخلت السعودية في الشأن الداخلي اللبناني فلا يعين أي رئيس للوزراء إلا بموافقة ومباركة السعودية. وقد تم الكشف عن الدور السعودي في متفجرة بئر العبد بتاريخ 08/03/1985 وفي تمويل عدوان نيسان 2006. وقد وجهت السعودية إهانة لكل اللبنانيين عندما احتجزت رئيس الحكومة اللبنانيية الشيخ سعد الحريري في العام 2017 وأجبرته على الإستقالة. ولكن لبنان وقف وقفة واحدة ورفض الإستقالة؛ والسعودية منذ ذلك الوقت وهي تتحين الفرص للإنتقام من لبنان. فبدأت السعودية تضخم الأمور إلى أقصاها لدى اي تصريح يخالف هواها. وقد بان الَمستور حين صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، يوم السبت بتاريخ 30 تشرين ألأول 2021 "إن أحدث أزمة مع لبنان ترجع أصولها إلى التكوين السياسي اللبناني الذي يعزز هيمنة جماعة "حزب الله" وأضاف محرضًا الشعب اللبناني على حزب الله مدعيًا بأن المشكلة هي بين الشعب اللبناني وحزب الله الذي يهيمن على القرار السياسي في لبنان، وعلى الشعب ان يتحرك للتخلص من هذه الهيمنة . فالسعودية قد عيّنت نفسها وصية على لبنان ولا يعجبها التكوين السياسي اللبناني وتريد تغيير ذلك التكوين. ومن المتفق عليه بأن التكوين السياسي يتغير عبر عدة وسائل أهمها :-
1- الفوضى الشاملة وإسقاط النظام : وقد تم إفتعال عدة حوادث منذ 17 تشرين 2019 من خلال قطع طرقات والتعدي على المارين على الطرقات وخصوصًا في خلدة ومفرق شحيم برجا لجر حزب الله إلى ردة فعل تكون مقدمة لحرب مذهبية ولكن حزب الله بفضل بصيرة قيادته لم ينجر إلى فخ الفتنة وفشل المخطط. وقد تنطح جعجع لمحاربة حزب الله وادعى ان لديه 15 ألف مقاتل، وافتعل مجزرة الطيونة لجره إلى حرب طائفية؛ ولكن بفضل العناية الآلهية وبصيرة قيادتي حزب الله وحركة امل سقط مشروع الفتنة الداخلية.
2- التغيير الديموغرافي : وذلك يتم بتجنيس مئات الآلاف من النازحين السوريين وتوزيعهم في المناطق ذات الأكثرية الشيعية لتغيير موازين نتائج الإنتخابات. وللسعودية تجربة رائدة في التغيير الديموغرافي في البحرين ؛فراجعوا التاريخ. وللعلم كان هناك مخطط للتغيير الديموغرافي َاثناء عدوان العام 2006 حيث كان المخطط بنقل سكان الجنوب إلى العراقأو إلى إيران ؛ولكن إنتصار المقاومة أفشل المشروع. ونحن نلاحظ بأن هناك ضغط من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على لبنان لعدم عودة النازحين بالرغم من ان الهدوء عاد إلى معظم المناطق في سوريا. والغريب أن صندوق دعمهم من الأمم المتحدة لم يتقلص بينما نضب مشروع دعم اللاجئين الفلسطينيين والجوعى والمرضى في اليمن.
3- الأنتخابات النيابية : يبدو أن السعودية اوكلت مهام تجميع السنّة إلى سمير جعجع؛ وهذا ما دفع الرئيس سعد الحريري إلى إبلاغ جعجع ان يدع السنّة و شأنهم. ولا أعتقد بان إغتيال السعودية للرئيس سعد الحريري سياسيًا سيصب في مصلحة السعودية ودذلك بسبب عدم وجود شخصية سنية وازنة تستطيع ان توحد جميع السنة في كل لبنان. لذا قذ تدفع السعودية بإتجاه ترشيح وجوه جديدة محسوبة على ريفي وجعجع وكل من يدور في الفلك الأمريكي السعودي.
وسأذكر أهم الوقائع التي اتخذتها السعودية كذريعة لتصعيد الموقف مع لبنان وأبتزازه بإسلوب مافياوي غير مسبوق :-
1- أثارت تصريحات شربل وهبة، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، جدلا كبيرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان وبعض دول الخليج بسبب تصريحات أطلقها خلال حوار تلفزيوني بتاريخ 18 مايو/ أيار 2021. وجاءت التصريحات خلال مقابلة على قناة الحرة ضمت أيضا المحلل السياسي السعودي، سلمان الأنصاري.
وقال وهبي: "دول المحبة والصداقة والأخوة، أوصلوا لنا تنظيم الدولة الإسلامية وزرعوه في سهول نينوى والأنبار وتدمر"، في إشارة إلى الأراضي التي سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق. ولدى سؤاله عما إذا كان يقصد "بتلك الدول" دول الخليج ، قال وهبي إنه لا يريد ذكر أسماء. ولكن ردا على سؤال حول ما إذا كانت دول الخليج قد مولت الحركة الإسلامية قال: "من الذي مولهم إذا، أنا؟".
وقدم الوزير وهبة استقالته نزولًا عند رغبة السلطات السعودية.
2- قدم وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي استقالته من منصبه بتاريخ 3 ديسمبر /كانون الأول 2021 وقال إن أكثر مَن تحامل عليه في لبنان هو "أول من كان ينادي بالسيادة والاستقلال". وكانت الإستقالة نزولًا عند الرغبة الملكية السعودية إثر تصريح سابق لوزير الاعلام، جورج قرداحي، حول الحرب الدائرة في اليمن، امتعاضاً دبلوماسياً في بلدان الخليج العربي وردود فعل محلية، علما ان الوزير قرداحي في التصريح الذي يعود الى 5 آب الماضي اي قبل شهر من توليه منصبه الحكومي، والذي تداولته وسائل الاعلام حيث اعتبر ان الحرب في اليمن اصبحت عبثية ويجب ان تتوقف. احتجاجا على مواقف قرداحي، استدعت سفارات كل من السعودية، الكويت، البحرين واليمن سفراء لبنان لديها، مهددة من تبعات العلاقات بين لبنان والبلدان الخليجية، في حين ذكرت صحيفة الديار نقلا عن مصادر ان السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، اتصل بالرئيس ميقاتي وطلب منه العمل على اقالة الوزير قرادحي.
3- ونزولًا عند رغبة مملكة البحرين وجه وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، الأربعاء، كتابا إلى المديرية العامة للأمن العام بتاريخ 15 ديسمبر 2021 طالبا بـ"اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الآيلة إلى ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية (المعارضة) من غير اللبنانيين إلى خارج البلاد، بحسب وكالة الأنباء اللبنانية.
وفي اليوم نفسه، تلقى مولوي اتصالا من وزير الداخلية في مملكة البحرين، الفريق أول ركن راشد بن عبدالله آل خليفة، وتم تداول الملفات الأمنية المشتركة، وخصوصا ما يتعلق بالمؤتمر الصحافي الذي عقد في بيروت، من قبل جمعية الوفاق.
وأكد مولوي خلال الاتصال "حرصه على ضمان أمن مملكة البحرين واستقرارها، ورفضه القاطع لأن يكون لبنان منصة لبث الكراهية أو العداء باتجاه أي دولة عربية ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي"، بحسب الوكالة اللبنانية.
وأوضح مولوي، في متن كتابه المرسل إلى الأمن العام، أن قرار الترحيل "نظرا لما سببه انعقاد المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجمعية المذكورة في بيروت بتاريخ 11 ديسمبر الماضي من إساءة إلى علاقة لبنان بمملكة البحرين الشقيقة، ومن ضرر بمصالح الدولة اللبنانية".
4- وخضوعًا للإرادة الملكية السعودية علق وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي بتاريخ 11 يناير/ كانون الثاني 2022 على ندوة يقيمها "حزب الله "في ذكرى إعدام المعارض السعودي،الشيخ نمر باقر النمر، مؤكدا "أننا سنعمل على تطبيق القانون اللبناني".
وقال المولوي: "التعاطي يجب أن يكون وفق الدستور اللبناني الذي يمنع تعكير علاقات لبنان بالدول العربية الشقيقة، وسنعمل على تطبيق القانون اللبناني".
وأضاف: "سنصدر التعليمات اللازمة وسنبلغ جميع من هم في الإجتماع بعدم التعرض للمملكة العربية السعودية تحت طائلة تطبيق القوانين، وسوف نتأكد من الإقامات ومن قانونية وجود غير اللبنانيين على الأراضي اللبنانية وسنعمد إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".
إن التازلات التي قدمتها الحكومة اللبنانية شجعت السلطات السعودية على طلب المزيد والمزيد والمزيد. كان خطأ الحكومة اللبنانية بأنها قالت "ألف" للإملاءات وعليها ان تكمل حتى الياء والسؤال المطروح، ما هي ورقة شروط الدول الخليجية؟
وقد حصل "عربي بوست" على لائحة البنود الخليجية التي قدمها وزير الخارجية الكويتي، والتي شملت:
"انطلاقاً من السعي إلى رأب الصدع في العلاقات الخليجية-اللبنانية، وبناء جسور الثقة مع الجمهورية اللبنانية الشقيقة، ووفقاً للمعطيات الناتجة عن الأزمة الأخيرة، والتي تتطلب اتخاذ إجراءات وخطوات ثابتة لإزالة أي خلاف، متمثلة في التالي:
1- التزام لبنان بكافة استحقاقات اتفاق الطائف.
2- التزام لبنان بكافة قرارات الشرعية الدولية وقرارات جامعة الدول العربية.
3- التأكيد على مدنية الدولة اللبنانية وفق ما جاء في الدستور اللبناني.
4- سياسة النأي بالنفس يجب أن تكون قولاً وفعلاً.
5- وضع إطار زمني محدد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 1559 (2004) والخاص بنزع سلاح الميليشيات في لبنان، والقرار رقم 1680 (2006) بشأن دعم سيادة واستقلال لبنان السياسي والتأييد التام للحوار الوطني اللبناني، والقرار 1701 (2006) الخاص بسلاح حزب الله ومنطقة الجنوب اللبناني وفق المبدأ الأساسي في سيطرة الدولة على وجود السلاح خارج سلطة الحكومة اللبنانية.
6- وقف تدخل حزب الله في الشؤون الخليجية بشكل خاص والشؤون العربية بشكل عام والتعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون.
7- وقف كافة أنشطة الجماعات المناوئة لدول مجلس التعاون وملاحقة كل من يحاول التحريض على العنف أو يشارك فيه من المواطنين أو المقيمين في لبنان ضد حكومات مجلس التعاون الخليجي.
8- الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في شهر مايو/أيار 2022 ومن ثم الرئاسية في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022 وفق المواعيد المقررة دون تغيير.
9- التدقيق على الصادرات اللبنانية إلى دول مجلس التعاون عبر آلية تواجد مراقبين بشكل ثنائي لضمان خلو الصادرات من أي ممنوعات، وبشكل خاص المخدرات التي تستهدف الأمن الاجتماعي لدول المجلس، ويمكن في هذا الصدد اعتماد نفس الآلية الأوروبية.
10- بسط سيطرة السلطات الرسمية اللبنانية على كافة منافذ الدولة.
11- وضع نظام تبادل معلومات أمنية بين دول مجلس التعاون والحكومة اللبنانية.
12- العمل مع البنك الدولي لإيجاد حلول لمسألة عدم تمكين المواطنين اللبنانيين من تسلم ودائعهم في البنوك اللبنانية".
فإذا دققنا في هذه الشروط على ذمة "عربي بوست"؛ نجد ان معظمها تدخل سافر في الشؤون الداخلية اللبنانيةً ويتعارض مع الدستور اللبناني، والبعض الآخر يجعل لبنان تابعًا للدول الخليجية. لذا أترك حرية التعليق على هذه الشروط التي أراها تعجيزية في إعطاء الرد عليها حتى آخر الشهر.
وإن غدًا لناظره قريب
* عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
26/01/2022
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha