د. جواد الهنداوي *||
لمْ و لنْ تتوقفْ بعد التداعيات السياسيّة و العسكريّة و الاقتصاديّة لهذه الحرب ، وهي تداعيات ذات بعد استراتيجي وستعّجل في تغيير العالم واوربا نحو تعدّدْ و تنوّع طبيعة القوى ،لنْ تكْ الهيمنة لمنْ يمتلك القوة العسكريّة فقط ، وانما لمنْ يمتلك القوة الاقتصاديّة التي تسمح له باستخدام قوتهّ العسكريّة ، ولمنْ يمتلك قوة الارادة و الصمود .
علمّتنا مشاهد و مواقف سياسية وعسكرية مِنْ واقعنا وليس من تاريخنا بأنْ ما مِنْ حربٍ او حصارٍ او أزمة في العالم تحدثْ او تتفاقم الاّ و للولايات المتحدة الامريكية دورٌ فيها ؛ دور مباشر او دور غير مباشر .لا روسيا و لا الصين و لا ايران و لا حزب الله هُمْ فقط من يتهم ويفترض دوراً امريكياً في مسببّات او في تفاقم هذه الحرب ،اعضاء من الحزب الجمهوري الامريكي وجهّوا اللوم للرئيس بايدن و اتهموه بتوريط اوكرانيا في مواجهة مع روسيا ، من خلال اصرار ادارته والناتو على ضرورة انضمام اوكرانيا لحلف الناتو .
الحرب الروسيّة -الاوكرانية هي مشهد آخر لسياسة امريكا المبنّية على ( مبدأ القيادة من الخلف ) ، و قتال الآخر و محاربته بواسطة وكلاء ،دول او ارهابيين و مرتزقة . الحرب الروسيّة الاوكرانية هي مشهد آخر للفوضى الخلاقّة و بساحة ليست عربية او اسلامية وانما اوربيّة مسيحيّة ،تستهدف اوربا و روسيا . هذه الحرب هي حرب استباقية روسيّة امريكية : استباقية لروسيا قبل ان تقع في مخالب الناتو وتحت رحمته من البوابة الاوكرانية ، استباقية لامريكا قبل ان يستفحلُ هوانها وضعفها ، وقبل ان يستكمل تحالف استراتيجي روسي صيني مدعوم بدول اخرى ساندة و واعدة كايران والهند .
يدركُ الاوربيون حقيقيتين ؛ الاولى هو قرب زوال الهيمنة الامريكية الغربية ، وهذا ما صرح به الرئيس الفرنسي علناً في لقاء متلّفز مع سفراء فرنسا ، قائلا" نحن نعيش نهاية الهيمنة الغربية على العالم " ، والحقيقة الثانية هو استحالة قبول و رضوخ روسيا لتعامل اوربي معها وفق سياسة العقوبات والحصار ، وكأنها دولة غير عُظمى و ليس عظواً دائماً في مجلس الأمن . عدم قبول روسيا لهذا المصير يعني استمرارها في مشاكستها لدول اوربا الشرقية والتي انضمت حديثاً لحلف الناتو ، ويعني ايضاً ترسيخ وجودها العسكري وحضورها السياسي في سوريا وفي المنطقة العربية .
اصبحَ لروسيا في منطقة الشرق الاوسط حلفاء و اصدقاء ،من دول وحركات ( حزب الله والحوثيون وفصائل المقاومة الفلسطينية ) ، اكثر مما لامريكا و للغرب . و سيكون الحصار الامريكي المفروض على النفط الروسي اختبار لقوة ومتانة العلاقات العربية الروسيّة ، وكذلك اختبار لدور وتأثير امريكا على الدول العربية المصدّرة للنفط . هل ستستجيب هذه الدول للطلبات الامريكية و الغربية في الخروج عن قواعد الاتفاق في اطار الاوبك وتوافق على زيادة هائلة في الانتاج من اجل تعويض النفط الروسي ؟ لن يترّدد الرئيس بايدن بزيارة المملكة العربية السعودية و جلوسه مع الامير محمد بن سلمان من اجل النفط ، ومن اجل تعويض السوق العالمي بما سيفقده من النفط الروسي ! وهل ستوافق المملكة أمْ ستحتج بقواعد الاوبك والاتفاقيات و الاطر الفنيّة ؟ وهل ستتجاوز المملكة مصالحها السياسيّة و الاقتصادية مع روسيا ، لاسيما و أنَّ روسيا لم تتردّدْ ، في ٢٠٢٢/٢/٢٨ من التصويت على القرار رقم ٢٤٢٦ الصادر من مجلس الامن ، والذي يضع الحوثيين في اليمن تحت طائلة الفصل السابع ويحظر توريدهم السلاح ، ويدينهم لقصفهم الامارات .
لم تعُدْ وسائل الحرب الروسيّة الاوكرانية الطائرات والمدافع والمُسيرات ، اصبحَ النفط والغاز سلاح ادخله الامريكان في المعركة ، و توسعّتْ جغرافياً ساحة المعركة لتشمل نفط وغاز منطقتنا ، وتجدُ الدول المعنية ( السعوديّة و قطر ) في حيرة ، بين طلب حليف متجبّر و متكبّر ( امريكا ) عرفهم عند الحاجة ، وبين صديق متفهّم ( روسيا) عرفهّم في الوّدْ وفي الجفاء .
اصبحت منطقتنا جزء من المعركة : بسبب نفطها وغازها ،و بسبب استهلاكها اكثر من انتاجها للقمح والزيوت والمواد الاساسية الاخرى ، وبسبب التواجد والاحتلال الامريكي في سوريا والعراق ، وبسبب التواجد العسكري الروسي في سوريا .
لنْ ينتفعُ الامريكان بمكسب او بانجاز من ادانة لبنان " للاجتياح الروسي لاراضي اوكرانيا" ، ولكن امتناع دول عربية صديقة وحليفة لامريكا من اتخاذ موقف ازاء الحرب الروسيّة الاوكرانية ،يًرضي امريكا والغرب مؤشر يقلقُ امريكا ، وينذرها بأنَّ لا كُلّ ما تريده امريكا ستدركهُ ، الآن " تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ " .
* سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل .
في ٢٠٢٢/٣/٩ .