ناجـي امهـز ||
منذ اكثر من عقدين وانا اخبركم بانكم ستكونوا عام 2022 مع نظام عالمي جديد، ومن لم يشاهد هذا النظام حتى هذه اللحظة هو ضرير واصم.
فروسيا التي كانت بالامس تتفاخر بنشر الفيديوهات عن ضخامة صواريخها البالستية وقوتها التدميرية، بعد ان اخذت توحي للعالم بانها هي التي انتصرت على الارهاب في سوريا بفضل طائراتها السوخوي، تبين بعد علميتها العسكرية في اوكرانيا، ان كل هذه الاسلحة لا تنفع بل مضيعة للوقت واستهلاك لمقدرات البلاد والعباد، حيث نجح بضعة الاف من المقاتلين الاوكران بوقف التقدم الروسي وتكبيده خسائر خلال شهر تجاوزت الف مليار دولار، اضافة الى وضع روسيا بعزلة دولية وتحت عقوبات وحصار تجاوزت خسائره ايضا الالف مليار دولار.
ولم تنتهي الازمة الروسية عند هذه الحدود، بل حتى اوروبا التي تحيا على الغاز الروسي صرخت باعلى صوتها لا نريد ان نستمد الطاقة من روسيا، والسبب ان السياسة الروسية ليست مقبولة، فالسياسة الروسية لا تختلف عن سياسة كوريا الشمالية، والدول التي تهتم فقط بصناعة الاسلحة بعيدا عن بناء الانسان، هي دول لن تجد انسان يستخدم هذه الاسلحة، فالدفاع عن الدول مرتبط بالانتماء بظل ما تقدمه من رفاهية وعيش حر وكريم.
ومن يرفض مقولة ان روسيا انتهت، فانا اقول له ان امريكا ايضا انتهت، وان انتهت قوة روسيا اليوم، فقوة امريكا انتهت عام 2000 في لبنان،
وحتما سيشكك كل من اتباع الطرفيين بكلامي، فالذي مع روسيا يرفض ان يصدق ان روسيا هزمت في اوكرانيا، وايضا الذي مع الامريكي لن يصدق بان امريكا هزمت في جنوب لبنان.
وانا كي لا اضيع وقت الاثنين ساقدم نموذحا بسيطا عن هزيمة امريكا في جنوب لبنان:
اولا: جيش العدو الاسرائيلي في فلسطين المحتلة، هو الجيش الامريكي نفسه انما ناطق بالعبرية، فكل المقدرات العسكرية واللوجستية والاستخبارتية والاقمار الاصطناعية والمالية والسياسية الامريكية هي بخدمة الجيش الاسرائيلي.
يعني بصورة اوضح ان هناك ولاية امريكية اسمها اسرائيل متواجدة في فلسطين المحتلة، عدد سكانها 9 مليون امريكي يحملون الجنسية الاسرائيلية، وهذه الولاية هزمت امام حزب الله عام 2000، وعام 2006 .
وهناك دراسات معقدة للغاية نشرت في معهد The Washington Institute يمكن جمع هذه الدراسات تحت عنوان "عندما ألحق حزب الله خسائر فادحة بالقوات الإسرائيلية" وهي تتجاوز المائة دراسة، فحوى هذه الدراسات، انه ماذا كان بامكان امريكا ان تفعل اكثر مما فعلته وقدمته لاسرائيل، فالجيش الاسرائيلي يمتلك كل ما تمتلكه امريكا من صناعات وتقنيات عسكرية واستخباراتية، وايضا اهم ما انتجته الصناعات العسكرية في مختلف دول العالم، يعني لو امريكا ارسلت عشرة الاف جندي امريكي الى اسرائيل فانهم سيكونون عاجزين عن حمايتها لان اسرائيل اصلا لديها ما يقارب ال نصف مليون جندي، وهم يتدربون على ذات التقنيات والاساليب التي يستخدمها الجيش الامريكي، واذا فشل الجيش الاسرائيلي الذي يعرف طبيعة الارض بهزيمة حزب الله فان الجيش الامريكي حتما سيهزم لانه سيكون كالاعمى في بيئة غريبة عليه.
يعني الذي هزم في جنوب لبنان هي امريكا نفسها، انطلاقا من هذه النقطة علينا ان نفهم ان امريكا غير مستعدة للدخول ابدا باي حرب مباشرة مع حزب الله في لبنان، وايضا هي اعجز من الدخول في حرب مباشرة مع ايران.
وقد حاول اللوبي الصهيوني ان لا يعترف بهزيمة اسرائيل امام حزب الله، مع انه السيدة كلينتون في مؤتمر ايباك عام 2010 واجهتهم بهذه الحقائق، بانه يجب على اسرائيل ان تتخذ خيارات صعبة كونها ضرورية والا لن تستقر بالشرق الاوسط، رغم الدعم الامريكي والالتزام المطلق بحماية امن اسرائيل.
وقد تقدم اللوبي الصهيوني بمخطط كان اعد مسبقا بالتعاون مع بعض الدول العربية، حيث ضغط على ادارة اوباما ان تؤجل البدء بالاتفاق النووي الذي كان مقررا البدء فيه عام 2010 ، حيث اكد اللوبي الصهيوني للادارة الامريكية ان المخطط الجديد سيقضي على محور المقاومة ويمزق سوريا وينهي ايران وحزب الله.
وقد وضعت الاستخبارات العالمية كل مقدراتها في خدمة هذا المشروع الصهيوني، حيث تم الافراج عن غالبية المجرمين بالعالم واشدهم فتكا ودموية، اضافة الى حشد كل المتشددين التكفيريين الاسلاميين الذين يؤمنون بقتل المسيحي والشيعي والسني الذي لا يشبههم، بل يؤمنون بقتل وتدمير كل شيء لا ينتمي الى ثقافتهم.
واهم مقومات هذا المخطط، هو ان كان مقاتلين حزب الله وايران لا يهابون الموت، فان التكفيريين الاسلاميين ايضا لا يهابون الموت، وفي عام 2011 اطلقت امريكا داعش بضغط من اللوبي الصهيوني، وبعد خمسة اعوام بدا المشروع الداعشي ينهزم، امام وعي وحكمة وصلابة وايمان حلف المقاومة، وهكذا خسرت امريكا كل اوراقها. ولم يبق لديها الا الاعتراف بقوة حلف المقاومة والذهاب الى توقيع الاتفاق النووي مع ايران.
وبعد هزيمة المشروع الامريكي بالمنطقة، تغيرت المعادلات العسكرية، وبعد ان كانت امريكا هي التي تخرج نخبة الضباط في العالم، اصبح العالم يراجع تكتيكاته، واخذ يدرس الخطط العسكرية التي وضعتها الجمهورية الاسلامية في ايران، يعني اليوم ان الجندي المثالي هو نتاج ايراني.
وما نشاهده في اوكرانيا هو يحاكي حروب الجيل الجديد، وهو نسخة عن الحروب التي خاضتها المقاومة ضد اسرائيل، انما باسلحة امريكية، بمعنى اوضح انه الحروب الكلاسيكية انتهت، فلا الطائرات ولا الصواريخ اصبح لديها اي فعالية تذكر الا بالتدمير.
وقد اعترفت امريكا بهزيمتها واعلنت انسحابها من المنطقة، لكن العقل العسكري الروسي لم يتعلم من تجارب امريكا بل حاول ان يستنسخ المشهد الامريكي باوكرانيا، فواجهه الاوكران باستنساخ تجربة المقاومة في جنوب لبنان.
وهذه الحرب التي دخلها الدب الروسي، تعني حرب استنزاف طويلة لروسيا الاتحادية اضافة الى المزيد من العقوبات والعزلة الدولية وتوقف غالبية الدول ان استيراد موارد الطاقة من روسيا، وامام هذا المشهد لا يبق امام العالم الا مصدر واحد للطاقة وهي الجمهورية الاسلامية في ايران.
فالعالم اليوم يتحرك نحو الجمهورية الاسلامية في ايران، التي اثبتت صلابة بالمواجهة وحكمة وحنكة بالسياسة، وصبرا مذهلا على العقوبات القاسية التي فرضت عليها، حيث تجاوزتها بخلق توازن دقيق بين التطور العسكري والصناعي، والتنمية البشرية.
ومع تراجع الدور الروسي والخروج الامريكي نهائيا من المنطقة حكما بان ايران هي التي ستقود المنطقة، بتوجه جديد يحكمه حوار الاديان والذي هو نقيضا للمشورع الصهيوني صراع الحضارات.
بالختام كلمة للبنانيين النظام العالمي تغير، وامام اللبنانيين فرصة حقيقية ان يكونوا شركاء بحكم المنطقة،
ان كان من خلال الغاز الذي يعتبر اليوم هو الذهب الذي يبحث عنه العالم، وهذا الغاز لا يمكن الاستفادة منه الا ان استطاع لبنان حمايته، والمقاومة قادرة عل حمياته.
او بقاء لبنان على هذه الحالة والمزيد من التدهور والتراجع الاقتصادي والانهيار الاجتماعي.
معادلة سلاح حزب الله اصبحت خارج المعادلة اللبنانية والعربية، لذلك يتوجب على المعارضين لحزب الله ان يقتنعوا بان اهدافهم يجب ان تتناسب مع المتغير العالمي.
والمتغير العالمي يقول: ايران ستحكم الشرق الاوسط.