د. جواد الهنداوي *||
* سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل
يبدوا أنَّ استمرار حكومة تصريف الاعمال ،برئاسة السيد الكاظمي ، ولأجل طويل ، هو الحل المفروض و المطلوب : مفروض بحكم الظرف السياسي ، و مطلوب بحكم مصالح الجميع داخليا ( مصالح الاحزاب ، مصالح المكونات ، مصالح القيادات السياسيّة ) ، وخارجياً ( دول عربية واقليمية و عظمى ) .
و لولا تأخرّ موازنة العراق ( ونحن في النصف الثاني من العام ) ، والتداعيات السلبيّة لهذا التأخير على مصالح الدولة والشعب ، و لولا أرتفاع سعر صرف الدولار ، و غياب التعيينات ، لأصبح استمرار حكومة تصريف الاعمال متماشياً مع مصلحة و رغبة الشعب ايضاً.
لنْ تُشكّلْ الحكومة قريبا ، وكلمّا تمّرُ الايام ،يزداد الامر تعقيداً .اليوم ، لم يعُدْ المشهد السياسي حكراً على الاحزاب السياسيّة التقليدية ، حضرَ في المشهد السياسي لاعبان اساسيّان : المستقلون بعددهم و المحكمة الاتحاديّة بقراراتها الدستورية السياسية الجريئة ، وهي أهّلاً لذلك ولها كل الحق في حضورها ،لانها و ببساطة ، تمارس ما عُهِدَ اليها بموجب الدستور ، و لا تقرّر لارضاء السياسيين ،والمشاركة معهم في توافقاتهم ،التي ،بعضها ،على حساب مبادئ الدستور و مصالح الشعب ( مبدأ التوزيع العادل للثروة ،و مبدأ السيادة ).
كُنّا في الامس نتحدث عن مسألة توافق بين الاحزاب او المكّونات , واليوم نفقدُ التوافق والتفاهم بين فصائل او احزاب المكّون الواحد .كُناّ في الامس نسترشد بخطابات يوم الجمعة لممثل المرجعية الرشيدة ،والتي فيها اشارات وملاحظات عن انسدادات المشهد السياسي ، واحياناً توجيهات غير مباشرة ،واليوم نفتقدها .
اليوم نشهدُ و نعيش عملياً الطعن في قرارات المحكمة الدستورية ، والطعن بدستورية المحكمة ،حين تكون قراراتها ليست في صالح الاحزاب الكردية .
اذاً مسافة التباعد ،اليوم ، بين الاحزاب و قيادات المكونات ،اطول ، والخلاف بينهما أعمّق .اصبح التوافق بينهم على تأليف الحكومة شبّه معدوم .لا يمكن لأيّ حزب ،او ايّ مكّون ( شيعي او سني ) تجاوز قرار المحكمة الاتحادية بخصوص نفط وسيادة العراق ، من اجل اقناع المكوّن الكردي للتحالف معه في تشكيل الحكومة .
لا أظّنُ ،للاسف الشديد ، بجدوى المبادرات السياسيّة ، وتشكيل حكومة مؤقته ، وتنظيم انتخابات الخ … ، الحكومية الآن هي اصلاً مؤقتة ، وقد اتممت الانتخابات ، وتمّ المصادقة على نتائجها ،رغم الاعتراضات . الخلاف بين الاحزاب وبين القيادات اعمّق و استراتيجي ،لاسيما بين ماتريده بعض القيادات الكردية سياسياً و اقتصادياً وبين ما ينّصُ عليه الدستور وما تتخذه المحكمة الاتحادية من قرارات ،وما يطمح له الشعب العراقي بكافة مكوناته ، بضمنهم المكّون الكردي .
لم يعُدْ للاطراف الخارجية الاقليمية و الدولية الرغبة و الوقت و المصلحة ، من اجل التدخل في تأليف الحكومة ، ولكل طرف همومه واهتماماته وظروفه الداخلية و الخارجية . فاذا كان لامريكا و لاسرائيل مصلحة في النفط القادم اليهما من اقليم كردستان ،اصبحت هذه المصلحة ،بعد تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية و الاجراءات المتخذة من قبل وزارة النفط العراقية ، في دائرة المساءلة والمحاسبة القانونية و القضائية الدولية . كما انَّ انحسار الارهاب و داعش في العراق ، والتظاهرات التي خرجت في العراق و بشعارات " ايران بره بره " ، و الفساد المستشري في العراق تدفع ايران على التفكير الف مرّة قبل ابداء ايّة مبادرة . ما يهّمْ ايران اليوم تجاه العراق هو أمنها القومي و عائداتها من تصدير الغاز الى العراق ، والموقوفة الدفع بسبب العقوبات الامريكية . وكلاهما ( الامن القومي الايراني ، وعائدات تصدير الغاز ) في مسار الحل و التسويّة ، فالارهاب في العراق لم يعّدْ يشكل خطراً على ايران ، كما تبنّت ايران ،على ما يبدوا ، اسلوب تركيا في معالجة ما تواجهه من خطر امني اسرائيلي يردها من اقليم كردستان .
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha