السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات
بروكسل /٢٠٢٢/٩/٢٢ .
مِنْ خصائص سياسة امريكا الخارجية هو عدم تردّدها في تبني مواقف متناقضة في آنٍ واحد و تجاه طرف واحد . الامريكيون يصفون ذلك "بالبركماتيّة " ، و آخرون ، ونحن منهم ، يعتقدون بأنّ امريكا لا تلتزم ولا تحترم المبادئ . ومن شدّة تقديس المصالح في سياسة امريكا ، أُهملتْ كُلياً المبادئ و القوانين الدولية و مبادئ الديمقراطية و معايير الانسانية . فهي لا تستحي عندما تسرق النفط وعلناً من الحقول السوريّة ، حتى أصبحَ الحديث عن سرقة النفط امراً متدوالاً ،ليس فقط في الصحف و نشرات الاخبار ،و انما ايضاً في اروقة الدبلوماسية ، وعلى لسان ناطقين رسميين لدول عظمى ؛ ها هو الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الصينيّة السيد يونغ يصرّح قائلاً " امريكا تسرق ٨٠٪ من النفط السوري ،والسوريون يقفون طوابير للحصول عليه …"
و اضافَ ، في مؤتمر صحفي ، ان امريكا تسرق ٦٦ الف برميل يومياً ، وان اعمال السرقة ، والتي تقوم بها القوات الامريكية و مرتزقتها المتواجده في الاراضي السورية ، اصبحت اكثر تهوراً ( انظر جريدة رأي اليوم الالكترونية ، لندن ،تاريخ ٢٠٢٢/٩/٢٢ ) . وتسيطر القوات الامريكية وقوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) ، وهي مجموعات مسلّحة متنوعة ،اغلبها كُرديّة ، على منطقة شرق الفرات ذات الحقول النفطية ، ويقوم الطرفان ( قسد و الامريكان ) بادارة وبيع النفط المُستخرج من الحقول في شرق الفرات ؛ فتتولى قسد ببيع جزء من النفط الى سوريا ،عبر وسطاء و اتفاق مع الدولة، ويتولى الامريكان تهريب صهاريج نفط من الحقول الى خارج سوريا عبر شمال العراق ، وللاسف تتناقل وسائل الاعلام و التقارير الرسمية الدولية هذا الاستخدام غير القانوني وغير الشرعي لثروات دولة ذات سيادة ، وكأنه امراً طبيعاً .
هكذا تتعامل امريكا وعلناً مع نفط سوريا ، ولم يخفْ الرئيس ترامب ،في مؤتمر صحفي في ٢٠١٩/١٠/٢٨ ، ارادته و رغبتة بتأسيس شركة تتولى ادارة النفط السوري وبيعه ، وصّرح حينها بانه سيتحدث مع شركة اكسون للبترول عن كيفية استثمار النفط السوري .
وتجدر الاشارة ايضاً بأنّ قسد تبيع النفط الى سوريا و بعلم وبموافقة امريكا ،ثّمَ تتولى شحن ما تستخرجه و بحماية وبرعاية القوات الامريكية ، و بيعه وبالتعاون مع الشركات والقوات الامريكية .
نأتي الى حالة العراق ، والذي يعيش، ومنذ عام ٢٠٠٤ ، حالة ضُبابيّة وغير طبيعية مع الوضع الدستوري و الواقعي لاقليم كردستان ومع موضوع النفط .
الاقليم ، لا هو في حالة انفصال او استقلال ( مثلما يقول الاخوة الكُرد ) ، ولا هو في حالة أتحاد كجزء جغرافي واقتصادي وسياسي من العراق ، و تتعامل الدول مع الاقليم ككيان شبه مستقل ، وهكذا تصفه صحف العالم و وكالات الانباء حين تتناول شؤون العراق او الاقليم .
حالة الاقليم و النفط و العراق ، وبالصورة الضبابيّة التي نراها ، والتي قادت الى قتال بين القوات الاتحادية و قوات البشمركة في شهر تشرين الثاني عام ٢٠١٧ ، خلال حكومة السيد حيدر العبادي ، هي حالة اللا استقرار ، ونتائجها على حساب مصلحة الشعب العراقي بكافة اطيافه و مكوناته ، و آخرون ، وهم كُثرٌ ، المنتفعون من استمرار هذه الحالة ، وفي مقدمة هولاء " الاخرون " امريكا و اسرائيل .
جميعنا نتذكّر استفتاء استقلال اقليم كردستان ، الذي أجرته حكومة اقليم كردستان ، في ٢٠١٧/٩/٢٥ ، ونتذّكر اصرار و جهود القيادات الكردّية على اجراءهِ ،بالرغم من معارضة الحكومة الاتحادية ، ونتذّكر ايضاً التصويت و باغلبية ساحقة على استقلال الاقليم . كيف كان موقف امريكا وكذلك موقف الدول الغربية من الاستفتاء ومن نتائج الاستفتاء ؟
عارضت امريكا الاستفتاء ، و تبعها في الموقف ، الدول الاوربية ، ولم يعترفوا بنتائج الاستفتاء . برّرت امريكا موقفها بحرصها على وحدة الاراضي العراقية وحرصها على سيادة العراق و استقرار العراق . ولكن ،امريكا تدرك جيداً بان لاسيادة للعراق على النفط المُستخرج من اقليم كردستان ، والمُستَثمرْ من قبل شركات اجنبيّة و امريكية .
وتدرك الادارة الامريكية ايضاً بان التفاوت كبير بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم بشأن القرارات القضائية الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا ،لدرجة ان حكومة الاقليم لا تعترف بدستورية المحكمة الاتحادية . مع ذلك تتوسط الادارة الامريكية لدى الحكومة الاتحادية ، وتسعى من اجل عدم تطبيق قرار المحكمة الاتحادية العليا والقاضي بتسليم النفط المستخرج من الاقليم الى وزارة النفط في الحكومة الاتحادية ، لتتولى شركة سومو للنفط تسويقه وبيعه ، ولتدخل ايراداته في الميزانيّة الاتحادية .
ما يهّمْ امريكا ليس مصلحة الكرد ،في العراق وفي سوريا ، و ليس مصلحة العراق و سوريا ، وانما مصلحتها واسرائيل و ربح شركاتها العسكريّة والنفطيّة .
وما يهّمْ امريكا ايضاً بأن لا يتوقف ضخ النفط الى تركيا من اقليم كردستان ، لانّّ ذلك سيدفع تركيا الى اللجوء الى النفط الايراني و الروسي .
امريكا للاسف تسرق و تتاجر بالنفط سياسياً و مالياً وعلى حساب سيادة ومصالح الدول ، وحالة سوريا و العراق خير شاهد .
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha