السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات
و تعزيز القدرات /بروكسل / في ٢٠٢٢/١٠/٤ .
لن يهمل المؤرخون و السياسيون تاريخ ٢٠٢٢/٩/٣٠ ، يوم القى الرئيس بوتين خطاباً فاصلاً بين ماضي علاقات و توجهّات روسية الدولية و الاستراتيجية ومستقبلهما .
توّقفَ المحلّلون الاوربيون والاميركيون كثيراً ازاء ما وردَ في الخطاب ، وكررّت قنواتهم التلفزيونية الخطاب او مقتطفات منه مع تعليق وتحليل مُسهبْ عن ما جاء فيه .
وينبغي على سياسينا و فواعل المشهد السياسي في العراق وفي المنطقة الاهتمام اكثر من الامريكيين و من الاوربيين بما جاء في الخطاب ،لأنَّ الامر يهمهم بقدر او اكثر من اهتمام الاوربيين و الامريكيين ،لانهم ( العراق و دولنا العربية ) هم الطرف الاضعف في المعادلة الدولية ،وهم المستفيدون من الرفض الروسي لماضي امريكا و الغرب المهيمن و المستغِلْ لثروات الشعوب ، وهم المستفيدون ايضاً من خطاب التحدي ،الذي تبنّاه الرئيس الروسي ،لرسم خارطة السياسة الدولية ، والتي ستكون سياسة قائمة على التعددّية القطبية و على المحور الاسيوي ( روسيا ،الصين ، ايران ، واخرى ) ، في مواجهة المحور الامريكي الغربي .
كانَ خطاباً خالياً من المجاملات ، و مليئاً بالحقائق و الشواهد الفاضحة لماضي ولحاضر امريكا و الغرب ، وكما كتبَ الصديق الدكتور عدنان منصور ، وزير خارجية لبنان الاسبق ، في جريدة البناء ،بتاريخ ٢٠٢٢/١٠/١ ، « تاريخ امريكا طويل ،يعود لاكثر من قرنين ونصف القرن من الزمن ، حافل ومشبع بالتسلط ، و التحريض ، والسيطرة ، والهيمنة ، والحروب ، و الاحتلال ، و الاستغلال ، والاستبداد ، وتأجيج الفتن ، والفوضى ، و الوقوف وراء الانقلابات ، و الاغتيالات ، و الاضطرابات ، وتحريك النعرات القومية والعرقية والطائفية ، و اشعال الثروات بغية الاطاحة بالانظمة الوطنية المعارضة لسياسة وشنطن ." .
كان خطابهِ مصارحة للعالم بماضي وحاضر امريكا الامبريالية ، وتعبير عن تقيم روسيا للسياسات الامريكية .
لمْ يكْ الرئيس الروسي ، الاول ما بين رؤساء العالم ، في تبني مثل هذا الخطاب تجاه امريكا و الغرب ، ولكن اهمية الخطاب و آثاره المستقبلّية تكمنان في ان الخطاب يُقال بلسان رئيس دولة عظمى ،تُعّدْ نداً للولايات المتحدة الامريكية ، و لها حق الفيتو في مجلس الامن ، ومن هنا تأتي ايضاً اهمية ماوردَ في الخطاب في مستقبل العلاقات الدولية و السياسة الخارجية .
الزَمَ الرئيس بوتين شخصه و روسيا بالدفاع عن حقوق الشعوب وتطلعاتها ازاء الاستبداد و التسلط الامريكي و الغربي ، و ان يكون معارضاً لسياسة ازدواجيّة المعايير التي تتبعها امريكا في سياساتها الخارجية ، ومعارضاً للتدخلات الامريكية الغليضة في شؤون الدول،
و ستكون التزامات اخلاقية ومعنوية تجاه الدول المغلوب على أمرها ، والتي ليس لها صوت او مُعين في مجلس الامن .
سيكون المستقبل محطة اختبار لارادة روسيا ، وعلى الدول والشعوب التي عانت وتعاني من ظلم سياسة ازدواجية المعايير و العقوبات غير الانسانية و غير القانونية ، ومن الاحتلال و الاعتداء على السيادة ان تغتنم هذه الفرصة وهذا التوجّه الروسي نحو عالم اكثر عدالة و انصاف ، و أن تنسّق جهودها السياسيّة والدبلوماسية مع روسيا اليوم ، من اجل انتزاع حقوقها .
يبدوا أنَّ محاربة روسيا للارهاب في منطقتنا والعالم ، والمُسند و المدعوم من امريكا و حلفائها ، وباعترافهم وتصريحاتهم العلنيّة ، كان ممارسة ميدانيّة ( دبلوماسيّة و عسكرّية ) قادت روسيّا و أهّلتها الى الوصول لهذه المصارحة و المنازلة مع امريكا .
أدركتْ روسيا - بوتين مُبكراً بأن الارهاب صناعة امريكية ، ومنذ سبعينيات القرن الماضي ، وكانت جغرافيته افغانستان ، وساهمت هذه الصناعة في تفكيك الاتحاد السوفيتي ، وأصبح بعدها ( واقصد الارهاب ) جوّال في منطقتنا والعالم وهدفه ليس فقط العراق وسوريا ولبنان وانما ايران و روسيا .
نجحت روسيا في صّدْ المّد الارهابي في اسيا الوسطى وعلى حدودها ، ونجحت ايضاً في انقاذ ودعم حلفائها ، وستتوجهّ ،كما اعتقد ، في مواجهة الارهاب السياسي و الدبلوماسي الذي تمارسه الامبريالية و الصهيونية ، من خلال مجلس الامن ، ومن خلال مخالفتها للقوانين الدولية ، ونصرتها للحروب ولدعمها المطلق للكيان الصهيوني .
https://telegram.me/buratha