الشيخ محمد الربيعي ||
▪️الحمد لله شافي الصدور، وقاضي الأمور، باعث الأمل في نفوس عباده المؤمنين، وناشر رحمته بين عباده الموحدين، فقال تعالى: [ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ذمَّ اليأس والقنوط في القرآن الكريم، واعتبرهما من لوازم الكفر والضلال، فقال تعالى على لسان نبيه يعقوب عليه السلام: [ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ]، وقال على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: [ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ].
وصلى الله على نبي الخاتم محمد ( ص ) واله الطيبين الطاهرين ( ع )
محل الشاهد :
▪️فيا أيها المؤمنون، لقد ابْتُلِيَت الأمة بنَكبات كثيرة على مَرِّ الدهور والأزمان حتى يومنا هذا، وأشد أنواع النكبات التي قد تُبتلى بها الأمة أن يتسرَّب اليأس إلى القلوب، وتتفرغ القلوب من الأمل واليقين، فيتخلص المرء من حياته عن طريق الانتحار، ولقد ظهر في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية جريمة تُعَد من أبشع الجرائم على الإطلاق، وهي جريمة الانتحار.
▪️اذن يعد الانتحار مِن أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع، وأشد الأسى على الاُسر ، لما يتركه مِن آثار سلبية وخيمة بعد موت المنتحرين.
والمنتحر: هو الشخص الذي له نظرة تشاؤمية عن كل موضوع، فيقمع ارادته مِن التحرك والسعي لتحقيق الأهداف، ويحكم عليها بالنفي من الحياة.
▪️للانتحار أسبابٌ عديدة, منها:
1- ضعف العقيدة :فمن ييأس مِن رحمة الله فهو مِن الخاسرين.
2- الأسباب النفسية :كالتوتر الزائد ، والاكتئاب، والقلق.
3- المشكلات الشائكة : كتراكم الديون، وسوء التدبير.
4- عدم تحقيق الأهداف : كعدم تحقيق النجاح أو الوظيفة ، أو الزواج ، أو الترقي بالمنصب.
5- تناول الخمر وادمانه.
6- الحسد وكثرة مراقبة الآخرين.
7- الفراغ وانعدام الشخصية.
8- التأثر بالإعلام الهابط.
9- الكفر بالله تعالى.
10- سوء فهم عاقبة الانتحار.
محل الشاهد :
▪️للانتحار طرق عديدة منها: الشنق, الحرق, الغرق, تناول السموم, تناول المبيدات, قطع الأوردة الدموية, الحوادث المتعمدة المرورية, السقوط مِن مكانٍ شاهق, حبس النفَس, تناول أشرطة الدواء بأكملها, وغيرها من الطرق.
▪️إنّ ما نواجهه اليوم هو تزايد حالات الانتحار بين أبنائنا عموماً وطلبة الصف السادس خصوصاً نتيجة إخفاقهم في الدراسة, أو عدم حصولهم على المعدل المتوقع, أو لوم الأهل لهم على المستوى العلمي, ومما يؤسف أنه بات البعض يقلّد الآخر حتى تفشت هذه الحالة وإن لم تصل إلى حد الظاهرة.
▪️وللانتحار احكام خاصة نتعرضها لها بالجملة :
1-الانتـحار مِن المحرّمات
لاشك أنّ الانتحار مِن المحرّمات؛ إذ هو إزهاقٌ للنفس بغير حق ، وأنّ الدّين الإسلامي قد حرّم قتل النفس، كما في قوله الله تعالى: [ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ].
والنهي هنا بمعنى الانزجار والحرمة, ومن هذه الآية استنبطت الروايات الحكم الشرعي لإزهاق النفس بغير حق.
2- الانتحار مِن الكفر
قد عدّ الله تعالى الانتحار مِن الكفر كما قال سبحانه: الله تعالى: [...وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون ].
نــعم إنّه مِن الكفر؛ لأنّه تشكيكٌ بقدرة الله تعالى الــلامتناهية، وتوهينٌ مِن علم وهيمنة وسلطنة وتدبير وحكمة الله سبحانه لأمور عباده، فهو الحكيم بتدبير شؤون عباده, العليم بمصالحهم ، فيكون يأس الانسان متعرض مع الآية الكريمة:
[ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ] .
3- المنتحر مصيره النار
كما قال تعالى: تعالى: [ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نــَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ].
▪️والسؤال الاهم ماهو علاج الانتحار ؟
1- تعزيز جانب العلاقة بالله تعالى, وقراءة الآيات الكريمة التي تبث روح التفاؤل والنجاح.
2- ضرورة اتخاذ مرشد صالح للتردد عليه وطلب المشورة منه.
3- الابتعاد عن رفقاء السوء.
4-توعية الناس بمخاطر المخدرات وآثارها.
5- العدالة في تقييم مستوى الطلبة واعطاء كلّ ذي حقٍ حقه.
6- القضاء على أوقات الفراغ واستثمار الوقت بما هو نافع.
7- تشخيص الهدف والتأمل بتحقيقه.
8- ضرورة معرفة أنّ من تأخرت عليه استجابة الله تعالى، فهو عبدٌ يحب الله سبحانه سماع صوت دعائه ، روي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (ع ) قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَدْعُو فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَكَيْنِ قَدِ اسْتَجَبْتُ لَهُ وَلَكِنِ احْبِسُوهُ بِحَاجَتِهِ فَإِنِّي أُحِــبُّ أَنْ أَسْـمَعَ صَوْتَهُ
وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَدْعُو فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَجِّلُوا لَهُ حَاجَتَهُ فَإِنِّي أُبْغِضُ صَوْتَهُ".
وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ قُلْتُ لأبِي الْحَسَنِ (ع) جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ الله حَاجَةً مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً وَقَدْ دَخَلَ قَلْبِي مِنْ إِبْطَائِهَا شَيْءٌ فَقَالَ يَا أَحْمَدُ إِيّــَاكَ وَالشَّيْطَانَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْكَ سَبِيلٌ حَتَّى يُقَنِّطَكَ إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (ع ) كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْأَلُ الله عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً فَيُؤَخِّرُ عَنْهُ تَعْجِيلَ إِجَابَتِهِ حُبّاً لِصَوْتِهِ وَاسْتِمَاعِ نَحِيبِهِ... فَلا تَمَلَّ الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ وَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ وَطَلَبِ الْحَلالِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِيَّاكَ وَمُكَاشَفَةَ النَّاسِ فَإِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَصِلُ مَنْ قَطَعَنَا وَنُحْسِنُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْنَا فَنَرَى وَالله فِي ذَلِكَ الْعَاقِبَةَ الْحَسَنَةَ...
فَكُنْ بِالله أَوْثَقَ فَإِنَّكَ عَلَى مَوْعِدٍ مِنَ الله أَ لَيْسَ الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ وَقَالَ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله وَقَالَ وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً فَكُنْ بِالله عَزَّ وَجَلَّ أَوْثَقَ مِنْكَ بِغَيْرِهِ وَلا تَجْعَلُوا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا خَيْراً فَإِنَّهُ مَغْفُورٌ لَكُمْ .
9- ضرورة مراجعة طبيب نفسي لبعض الحالات.
10- تعزيز الشخصية والثقة بالنفس.
▪️ختام القول :
عظِّموا رجاءكم بالله، وأيقنوا برحمته سبحانه التي وسعت كل شيء، وجدِّدوا صلتكم بالله، وأكثروا من الطاعات، والجؤوا إليه سبحانه بالدعاء والتضرع أن يصرف عنكم السوء، وأن يحبِّب إليكم الإيمان، وأن يُزينه في قلوبكم، وأن يُكرِّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلكم من الراشدين، وتفاءَلوا بالخير تَجدوه، واعلموا أن الحياة نعمة عظيمة أنعم الله بها عليكم، وفرصة لا يمكن تعويضها، فاغتنموها في العمل الصالح؛ حيث به تَحْيَوْن حياة كريمة؛ كما قال تعالى: [ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ].
واعلموا أن كل شيء ممكن وليس هناك مستحيل، وأنكم مَن تصنعون الظروف، لا الظروف التي تصنعكم، فكونوا متفائلين وإيجابيين، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى: [ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ]
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha