التقارير

العراق وحكومة السوداني بعد عقدّين من الديمقراطية .


السفير الدكتور جواد الهنداوي ||

 

رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات / بروكسل /

              

              ليس من غير المألوف أنْ يشكو العراق ، دولةً و شعباً ،من عهد الديكتاتورية و ويلاتها ، ولكن أن تستمر شكوى العراق ،مصحوبة بمعاناة قاسيّة ،عميقة و طاغية على لقمة العيش ، وعلى المستلزمات الاساسية للحياة و طاغية على الاخلاق و الكرامة والسيادة ، في عهدٍ و العراق موصوفٌ بالديمقراطية ، و بالتحرّر من الديكتاتورية ،يصبحُ هذا الامر " امرٌ  غير مألوف " !

         وكّلُ ما هو غير مألوف ، يدعو الى التوقف و الاستفهام ، ويستدعي اكثر من دراسة و محاولة لمعرفة الاسباب و اقتراح الحلول ،حيث يتحوّل " الامر غير المألوف " الى ظاهرة سياسيّة و اجتماعية ، تُهدّد المجتمع و الدولة بالزوال .

      بعد تحّرر العراق من الديكتاتورية عام ٢٠٠٣ ، دخلَ العراق عهد " الاحتلال و الفوضى " ، ويبدوا انه ( اي العراق ) كان حينها ، سياسياً و أجتماعياً  مُستعداً لكليهما ،اي للأحتلال و للفوضى ، و كانا كلاهما " ثمن التخلّص " من الديكتاتورية .

      كانَ بمقدور القوات الامريكية ان تحتل العراق ،بعد تحريرها الكويت في ١٩٩١/٢/٢٦ ، و لكنها لم تفعلْ ذلك .

 لماذا ؟ لسببيّن احدهما تكتيكي و الآخر استراتيجي .

       السبب الاول هو رغبة الجوار العربي بالابقاء على نظام صدام وهو محاصر و ضعيف ، و خوف هذا الجوار من وجود نظام في العراق موالي لايران .و السبب الثاني الاستراتيجي  هو عدم دراية الادارة الامريكية و عدم معرفتها الكافية ببنيّة و مزاجات واهداف  المعارضة العراقية ،والمنتشرة والموزعّة بين بريطانيا وايران و سوريا وبعض الدول الاوربية .عقدٌ من الزمن كان كافياً للأدارة الامريكية ان تستكمل رؤيتها و ادواتها كي تبدأ باحتلال العراق عام ٢٠٠٣. خلال السنوات العشر التي تلت تحرير الكويت ( عام ١٩٩١) ، استنتجتْ الادارة الامريكية ،من خلال متابعتها لمسار النظام السابق في العراق ، ومن خلال تعاملها مع المعارضة العراقية ،حقيقتّين : الحقيقة الاولى هو ان النظام السابق في العراق تعافى ، و أكّدَ من جديد قوته وسيطرته على العراق و ادرك اخطاءه الاستراتيجية وبدأ يغازل  اعداء الامس ( سوريا و ايران خاصة ) ، وهذا التوجّه من قبل النظام السابق ( صادقاً كان ام تكتيكاً منه ) لا يخدمُ مطلقاً المصالح المشتركة لامريكا ولاسرائيل ، فلا بُّدَ اذاً مَنْ التخلص منه قبل صلابة عودهِ و تنمّره من جديد ، و قبلَ ان يعيد بناء علاقات متينه مع ايران و مع سوريا .

الحقيقة الثانية هو ادراك وتأكّد الادارة الامريكية من حجم الخلافات و الانقسامات المكبوته و المتجذّرة في جسم وعقل المعارضة العراقية ،خلافات و انقسامات ذات طابع قومي ( عرب ،كرد ) و ذات طابع مذهبي ( شيعة سنّة ) ، واخرى ذات طابع نفعي و مصلحي على صعيد الافراد و العوائل و العشائر الخ … تعايشت الادارة الامريكية والبريطانية و الدوائر الغربية الاخرى مع المعارضة العراقية وهي خارج السلطة فأستنتجت بأنَّ ما يجمعهم هو هدف واحد لا غير ،الا وهو ازاحة واسقاط النظام السابق و الوصول الى السلطة ،الى سدة الحكم ، وما يفرقهّم هو اكثر من خلاف و مصالح ، و أنَّ هذا الخلاف و التناحر و الانقسام سيزداد و سيتفاقم عند تجمعهم على مائدة السلطة ، وستقوم الاجندات الخارجية بتفعيل دورها كي تستمر معارضة الامس وسلطة اليوم مهتمة بتقاسم منافع و مكاسب السلطة دون الاهتمام ببناء الدولة و المجتمع .

      بعد ادراك امريكا و حلفاءها هذه الحقائق ،اقدموا في عام ٢٠٠٣ على احتلال العراق ، رافعين ، زوراً ، شعارات الديمقراطية والتمنية و بناء العراق ، و ناصرهم في تضليل هذه الشعارات ، تجربة المعارضة في ممارستها الخاطئة للسلطة ومنذ ما يقارب عقدّين من الزمن .

   ما يعيشه العراق الدولة و الشعب شاهدٌ على ما سعت اليه الادارة الامريكية ، و ما ارتكبته من اخطاء استراتيجية معارضة الامس وسلطة اليوم ،تجاه العراق دولة وشعب .

و من كبائر تلك الاخطاء هو التضحية بالدولة من اجل السلطة ، والتضحية بالدولة من اجل القومية ، والتضحية بالدولة من اجل الطائفة ،والتضحية بالدولة من اجل العشيرة ، والتضحية بالدولة من اجل العائلة او من اجل الشخص ، وكل هذه التضحيات و القرابين تُمّرّر وتعنّون باسم الديمقراطية و الحريات و حقوق الانسان .

    حكومة السيد السوداني امام فرصة مواتيّة لتصحيح مسار العملية السياسية ،وقد بيّنا في مقال سابق بعنوان ( حكومة السيد السوداني : فرص النجاح اكثر من فرص الفشل ،بتاريخ ٢٠٢٢/١٠/٢٩ ) ،لماذا الفرصة مواتيّة ، ولماذا فرص النجاح اكثر من فرص الفشل .

و اعتقد قبل بدء خطوات  اصلاح العملية السياسية ، والنظام السياسي ،لابُّدَ من البدء بتعزيز كيان الدولة ،لأنَّ الدولة هي وعاء العملية السياسية ، وخطوات تعزيز كيان الدولة تبدأ بمحاربة الفساد و وضع الرجل المناسب في المكان المناسب و الاستعانة برجال دولة وليس بهواة سلطة ، والسعي الى تحقيق العدالة الاجتماعية ، من خلال تشريعات عادلة وفرص متكافئة امام المواطنين ، وتوزيع عادل للثروات .

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك