السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /
فلسطين شهداء و شعباً و مقاومة وسلطة وتاريخ ،جميعهم ينتظرون اجراس محكمة العدل الدولية في لاهاي ، لانصافهم من سياسات امريكا و احتلال و مجازر اسرائيل و جرائمها ، و لابداء رأيها بالاحتلال الاسرائيلي و انتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني ، وبضّم الاراضي الفلسطينية .
ستنظرُ محكمة العدل الدولية في قرار اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة ( وهي اللجنة المختصة بالشؤون السياسية و انهاء الاستعمار ) ، فما هو هذا القرار ؟
وافقت اللجنة المذكورة على طلب السلطة الفلسطينية ،القاضي ، بعرض احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية و استمرارها بضم الاراضي الفلسطينية وفقاً لسياسة الامر الواقع ،على محكمة العدل الدولية في لاهاي لابداء الرأي بخصوص شرعيّة الاحتلال وضّمْ الاراضي الفلسطينية ، وتّمَ عرض طلب السلطة الفلسطينية المشفوع بموافقة اللجنة الرابعة للجمعية العامة للامم المتحدة على التصويت من قبل الدول الاعضاء في الامم المتحدة . نال الطلب وبالتصويت موافقة الدول الاعضاء في الامم المتحدة بواقع ٩٨ صوت ، ومن بين الدول التي صوّتت للقرار بلجيكا و اوكرانيا ، فيما صوتت١٧ دولة ضد التوجّه الى محكمة العدل الدولية، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الامريكية وكندا والمانيا و ايطاليا ، وأمتنعت ٥٢ دولة عن التصويت .
مُقدمات او مُمهدات قانونية و اجرائية و سياسية دولية سبقت القرار الاممي وساهمت في اتخاذهِ ،فما هي ؟
مثلما صرّحَ السيد وزير الخارجية الفلسطيني بقوله أنّ القرار هو انتصار وانجاز دبلوماسي وقانوني فلسطيني و دولي ويجسّدُ عملاً تراكمياً للدبلوماسية الفلسطينية ،بقيادة الرئيس محمود عباس . ومن ابرز المحطات التي مرّت بها هذه الجهود الدبلوماسية والقانونية هي اولاً دعوة الرئيس محمود عباس الى عقد مؤتمر دولي للسلام و اعلانه التوجّه الى محكمة العدل الدولية ، وذلك في كلمة مُسّجلة القاها في مداولات الدورة السادسة و السبعين امام الجمعية العامة للامم المتحدة ،بتاريخ ٢٠٢١/٩/٢٤ . وكانت كلمة الرئيس عباس سرد تاريخي و واقعي و موثّق بالاحداث و بالتواريخ عن الاحتلال الاسرائيلي و جرائمه و منذ عام ١٩٤٨ ، وكانت ايضاً ( واقصد الكلمة التي القاها ) اساساً و مرجعاً لجهود الدبلوماسية الفلسطنية و للجهود الدولية و الاممية القانونية و السياسيّة . أختَتَمَ كلمته سائلاً المجتمع الدولي والامم المتحدة و دول العالم " ما الذي يمنع الدول التي تعترف باسرائيل ان تعترف بدولة فلسطين ، ما دامت تعترف بحل الدولتيّن " ؟ ستستطيع الدول الممتنعة عن الاعتراف بفلسطين من الاجابة عندما تتحرر من الهيمنة الصهيونية على قراراتها السياديّة ، ومن تبنيها مبدأ ازدواج المعايير وسياسة النفاق .
محطّة اخرى ساهمت ايضاً في صيرورة قرار الجمعية العامة للامم المتحدة ، والقاضي بأحالة طلب السلطة الفلسطينية الى محكمة العدل الدولية ،وهذه المحطة هي ادانة لجنة خبراء في اعلى هيئة لحقوق الانسان في الامم المتحدة ،بتاريخ ٢٠٢٢/١٠/٢١ ، احتلال اسرائيل للاراضي التي يسعى الفلسطينيون اقامة دولتهم قائلين " ان الاحتلال مخالف للقانون الدولي و يتأصل بشكل متزايد " وفي بيان هولاء الخبراء و في تقريرهم المرفوع الى الامم المتحدة ،يطالبون محكمة العدل الدولية الى ابداء الرأي في قضية الاحتلال الاسرائيلي ، و خلصَ التقرير الى " وجود اسباب معقولة تدعو للاستنتاج ان الاحتلال الاسرائيلي للارض الفلسطينة بات غير قانوني بموجب القانون الدولي نظراً لاستمراره وسياسات الحكومة الاسرائيلية للضم بحكم الامر الواقع " .
مِنْ ضمن المقدمات السياسية التي ساعدت ، بشكل او بأخر ، في اتخاذ القرار هي الحرب في اوكرانيا ، والتي فضحت مواقف الدول التي تتبنى ازدواج المعايير ، والتي تصف الدفاع عن اوكرانيا مقاومة لاحتلال و تصف مقاومة الفلسطينين ارهاب . لم يعُدْ الرأي العام غافلاً عن نفاق بعض الدول وعن حقائق الواقع ، حيث يدين الاحتلال في اوكرانيا ويدعم الاحتلال في فلسطين.
ما المطلوب وما هو المتوقعْ من محكمة العدل الدولية ؟
المطلوب هو ان تنظر المحكمة في :
الاثار القانونية لانتهاك اسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير .
وعن احتلالها طويل الامد للاراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ ، واستيطانها وضمها لها ؛
كيف تؤثر سياسات اسرائيل و ممارساتها … على الوضع القانوني للاحتلال ؟
الاثار المترتبة لهذا الوضع القانوني للاحتلال ،والذي سوف تعرّفه المحكمة ، بالنسبة لجميع الدول و الامم المتحدة ؟
كما يطلب القرار من الامين العام للامم المتحدة ان يقدّم للجمعية العامة في دورتها ٧٨ ، تقريراً عن تنفيذ القرار ،بما فيه تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الارض الفلسطينية المحتلة ،بما فيها القدس والاراضي العربية المحتلة .
ويطلب القرار ايضاً ان تقدم محكمة العدل الدولية استشارتها وفقاً للمادة ٩٦ من ميثاق الامم المتحدة ، و عملاً بالمادة ٦٥ من النظام الاساسي للمحكمة ، مع مراعاة قواعد ومبادئ القانون الدولي ، والقانون الانساني الدولي ، والقانون الدولي لحقوق الانسان ، وقرارات مجلس الامن والجمعية العامة ومجلس حقوق الانسان ذات الصلة ، وفتوى محكمة العدل الدولية في ٩ تموز ٢٠٠٤ .
قرار الجمعية العامة للامم المتحدة أصبحَ بمثابة مرافعة قانونية امام محكمة العدل الدولية ؛ مرافعة تتضمن عناصر واقعة وحقيقة الاحتلال وضّمْ الاراضي و انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني ، وتتضمن ايضاً مقاربة لعناصر واقعة الاحتلال و ضّمْ الاراضي و الانتهاكات مع مبادئ القوانين الدولية والانسانية وقرارات مجلس الامن الدولي والجمعية العامة ،والتي توصي بحّل الدولتيّن .
لا يمكن لمحكمة العدل الدولية أنْ تجازف و تجامل وتبدي رأياً و تفتي بما لا يتطابق مع الحقائق والوقائع وما تنصُّ عليه القرارات الدولية والشرائع الدولية الانسانية .
سيكون رأي المحكمة تعزيزاً للحق الفلسطيني و
و صفاً قانونياً لاحتلال مخالف لمبادئ القانون الدولي و الانساني و مخالف لقرارات الامم المتحدة ذات الصلة .
واهم من هذا ومن ذاك هو رأي المحكمة بشأن مواقف الدول تجاه الاحتلال الاسرائيلي و اثاره القانونية ! كيف سيكون موقف الدول التي تواصل دعمها السياسي و الاقتصادي و العسكرى لاسرائيل ، وهي تعلم بأنها تدعم كيان محتل للاراضي الفلسطينية و منتهك لحقوق الفلسطينيين ومخالف للقوانين الدولية ، وبموجب الرأي القضائي الذي ستصدره محكمة العدل الدولية .
صحيح ان رأي محكمة العدل الدولية غير مُلزمْ التطبيق قانونياً ، ولكن له اثره ونتائجه المهمة جداً على الصعيد السياسي والمعنوي و الاعلامي على الدول و على الرأي العام الدولي.
سيكون رأي محكمة العدل الدولية رافعة قانونية وقضائية وسياسية مهمة في مسار اعتراف الدول في الدولة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني .
لن تستطعْ اسرائيل من فعل شئ الآن ،بعدما وصل امر الشأن الفلسطيني الى ابواب محكمة العدل الدولية ، وهي ( اسرائيل ) تدرك انها خاسرة و امام مواجهة تأريخية فاصلة و حاسمة . ادركت اسرائيل الآن انها هي بين فكيّ الفم الفلسطيني فّكْ المقاومة بالسلاح وعلى الارض و فّكْ
المقاومة بالقانون وفي اروقة الامم المتحدة .
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha