السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
· رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل
لعّلَ الانتخابات التركية القادمة خير فرصة و مناسبة للرئيس اوردغان لتبرير تحّوله تجاه سوريا مِنْ حالة الاعتداء و العداء الى حالة سلام و تعاون ، ولكي يخرجُ من ورطة العداء الى واقع المصالح السياسية و الامنية و الاقتصادية المشتركة بين تركيا و سوريا .
بطبيعة الحال ،عوامل اخرى ، ذات بُعد عقائدي و أستراتيجي ،ساهمت في قرار الرئيس اوردغان بالاستعجال في مّد جسور التواصل ،وعلى مستويات أمنية و دبلوماسية رفيعة مع حكومة سوريا ، فبعد لقاء واجتماع وزير الدفاع التركي و السوري و الروسي في موسكو ،الاسبوع الماضي ، سيشهد الاسبوع القادم او الايام القادمة اجتماع آخر لوزراء الخارجية ،وسيكون تمهيداً للقاء قمّة و برعاية ومشاركة روسيا .
فما هي تلك العوامل الاخرى ؟
لم يخفْ الرئيس اوردغان مَلَله وسأمه من الامريكيين ، وسياساتهم في المنطقة ، وقد عبّرَ عن خيبة امله منهم ،في خطاباته و تصريحاته .لم يعُدْ يميّزهّم هل هم حلفاء ام خصوم ام اعداء ؟ يجمعهم الناتو و تفرّقهم المصالح و الديانة و انعدام الثقة .
يجدُ الرئيس اوردغان اليوم بأنَّ تركيا مُحاصرة جنوباً و شمالاً بالقوات وبالقواعد الامريكية و الاوربية ، والتي تقّدم دعماً و اسناداً عسكرياً لاعداء و لخصوم تركيا : ففي شرق الفرات ،في سوريا تدعم القوات الامريكية ، الكُرد ( قوات سوريا الديمقراطية ، قسد او وحدات حماية الشعب الكردي ) ، والذين يسعّون الى تأسيس اقليم كردي انفصالي ، على الشريط الحدودي السوري التركي ، و يدعمون حزب العمال الكردي ، الامر الذي تراه تركيا خطراً استراتيجياً على الامن القومي ، وتصنّف تركيا القوات الكردية ، المدعومة من امريكا و فرنسا والدول الغربية ، بتنظيمات ارهابية .
تلاحظ و تراقب تركيا ايضاً ما يجري في شمالها الغربي ،على حدودها مع اليونان ،مِنْ توسّع في عديد القوات و القواعد الامريكية ، لاسيما في المناطق المحاذية للحدود البرية التركية وفي جزر مختلفة في بحر ايجه و شرقي البحر الابيض المتوسط . أعتبرت تركيا التوسّع الامريكي في جنوب وفي شمال غرب تركيا و الدعم الامريكي للتنظيمات الكرديّة ،والموصوفة من قبل تركيا بالارهاب ، خطراً أمنياً و استراتيجياً على تركيا ، وقررت مواجهته ؛ سياسياً بالسعي نحو اعادة العلاقات مع سوريا ،من اجل تعاون مشترك و مصالح مشتركة ، و السعي لانهاء تواجد القوات الامريكية في الشريط الحدودي السوري التركي ، قوات امريكية تسرق النفط السوري بالتعاون مع " قسد " و تدعم " قسد " عسكرياً بحجّة محاربة داعش ! كما اتخذت تركيا ، في شمالها ، وعلى الصعيد العسكري ، خطوات استراتيجية حيث زادت من عديد و عتاد القوات التركية المنتشرة في جمهورية شمال قبرص الشمالية ، و اجراءات بانشاء قاعدة جويّة للمسيرات .
اخراج القوات الامريكية من سوريا هو هدف مشترك ويجمع تركيا وسوريا و روسيا و ايران و العراق ، ولكل مصالحه الاستراتيجية . المستفيدون من بقاء القوات الامريكية هم الكيان الاسرائيلي و الارهابيين و الكرد الذين يطالبون بالانفصال وتأسيس اقليم كردي على الشريط الحدودي السوري التركي ،و العملاء ، وكذلك مُهربي النفط السوري ،من شركات امريكية و قطاع طرق و عصابات .
عامل آخر ، ذو بعد عقائدي ، ساهمَ في دفع الرئيس اوردغان باستبدال حالة العداء و الاعتداء على سوريا بحالة السلام والتعاون ، وهو فك الارتباط بين مصالح تركيا ومصالح حركات الاخوان المسلمين ، في تركيا وفي المنطقة .أدركَ الرئيس بأستحالة دعم حركات وتنظيمات الاخوان ، والدفاع عنهم في المنطقة والحفاظ على مصالح تركيا العربية و الاقليمية . وبرهّن الرئيس اوردغان عن جديته وحسن نيتّه في اتجاه ايقاف الدعم و الاسناد السياسي والمالي للحركة والتنظيمات الاخوانية بتطيب الاجواء مع مصر و ارضاءها حين طالب التنظيمات الاخوانية بالرحيل و اغلاق اذاعاتهم و قنواتهم الاعلامية .
واعتقد تسعى تركيا الآن بأيقاف دعمها واسنادها للجماعات الارهابية المسلحة كهيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة سابقاً ) والمنتشرة في ادلب ، وقد استشعرت هذه التنظيمات بقرب نهاية آجلها ،فبدأت بتنظيم مظاهرات في ادلب وفي غيرها من المناطق التي لا تزال خارج سيطرة الجيش العربي السوري ، تنّدد بالتقارب التركي السوري .
يضع الرئيس اوردغان اليوم في كفتي ميزان الانتخابات القادمة فئتيّن : اصوات العلويين و الشيعة ، و تعدادهم لا يقل عن ١٠ مليون نسمة ، وبعض التقديرات تعدهم ب ٢٠ مليون نسمة ، وهم سياسياً يدافعون عن التقارب و التعاون مع سوريا ، وضّد الجماعات المسلحة الارهابية ، ولا يخفون ،في الوقت الحاضر دعمهم للدولة السورية في حربها ضدً الارهاب ، وفي الكفة الاخرى التنظيمات الاخوانية ، وبعضها متعاطف و داعم لجبهة النصرة وبعض الجماعات المسلحّة الاخرى ، هذا الوضع يضع الرئيس اوردغان في حيرة من امرهِ فلا هو قادر على المضي قدماً في ايقاف دعمه للجماعات المسلحة في ادلب او التضيق عليها وجودياً و سياسياً و عسكرياً ، خشيّة خسارة الاصوات الداعمة لهم او الاصوات الاخوانية ، ولا هو مستعد للتضحية بأصوات العلويين و الشيعة و الاحزاب اليسارية ، والتي تدعم التعاون مع سوريا و احترام سيادة اراضيها .
موعد التعاون التركي السوري قريب ، وقريب جداً وسيخدم مصالح استراتيجية لكلا البلديّن ،وسيمثّل هذا التعاون نجاح سياسي و دبلوماسي لروسيا ولايران ، وسيمهّد الطريق نحو اعادة العلاقات القطرية السورية .
ستكون سوريا مُلتقى ومركز تعاون روسي ايراني تركي ، و ستكون لها علاقات ليست فقط استراتيجية و انما مصيرية مع هذا الثلاثي ( روسيا ايران تركيا ) ، وستتميّز عن العراق مثلاً بتحررها من الاملاءات و العلاقات الامريكية ،علاقات مشوبه بالحذر وبانعدام الثقة سواء كنت حليفاً او صديقاً او خصماً او عدواً .
ستتميّز سوريا عن غيرها من الدول ، ايضاً بعلاقات استراتيجية و مصيرية ،و مبنيّة على الثقة مع دول اقليمية فاعلة و مؤثرة في المنطقة و في العالم . ستعزّز سوريا دورها الفاعل في محور المقاومة ضّدَ اسرائيل ، وما يساعد تنمية هذا الدور هو الوعي و الادراك العربي و الاقليمي و الدولي بالمخططات الصهيونية و الامبريالية و الرجعيّة ضًد الدول وشعوبها بذريعة الديمقراطية و الحرية و حقوق الانسان .
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha