السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل
يُعلّمنا المشهد السياسي لمنطقتنا بمعادلة التقارب والتهديد : حين يسخنُ الحراك في العلاقات السعودية الايرانية وتقترب الجهود نحو أعادة العلاقات ، تشدّدْ وتيرة التصعيد والتهديد الاسرائيلي الامريكي تجاه ايران ، و بذريعة الملف النووي . والهدف من ذلك واضح و سهل الادراك ، وهو الحيلولة دون علاقات بنّاءة بين قوتيّن اقليميتيّن سياسياً و اقتصادياً و عسكرياً ،لأنَّ في هذه العلاقة خطر على هيمنة اسرائيل ، وهذا الكيان الغاصب هو جزء لا يتجزأ من الامن القومي الامريكي . وسياسة امريكا واسرائيل قائمة ،كما يعلم الجميع ،على مبدأ " فرّق تسدْ " ، وقائمة ايضاً على مبدأ " التوريط " او " التشبيك " ، أَولمْ تتورط بعض الدول الخليجية في دعم الجماعات المسلحّة في المنطقة وفي سوريا و بطلب او بأمر من امريكا ؟ أولمْ تتورط تركيا في ذات الموضوع ، تقرّباً منها للاستراتيجية الامريكية و أملاً بمكاسب وبمصالح ، وقد بدت اليوم اوهاماً وسرابا.
أَولمْ توّرط امريكا صدام حسين في حربه مع ايران وفي احتلاله للكويت ؟
سوّقت و روّجت امريكا و وظّفت اكبر خدعة ، الا وهي " أمن و استقرار منطقة الشرق الاوسط " ، وغرضها كان ولا يزال أمن وهيمنة اسرائيل وخراب الشرق الاوسط ، و زجّه في اقتتال وحروب و معارك بينيّة وفتن طائفية و ارهاب .
عاملان يدفعان اسرائيل و امريكا لارتكاب حماقة اشعال حرب في المنطقة : العامل الاول هو التقارب بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية . ترى اسرائيل في اعادة العلاقات بين المملكة و ايران خطراً استراتيجياً على وجودها ومصالحها . ظّنت اسرائيل بان التطبيع الخليجي الاسرائيلي سيخلق جفاء و عداء بين الدول الخليجية المطّبعة وايران ، وسيساهم في عزل ايران عن بيئتها و عن محيطها ، وكان هذا احد اهداف التطبيع . لم تقعْ ايران في الفخْ .
تتحدث وتنقل مصادر رسمية وصحفية مرموقة عن لقاءات مُثمرة بين مسؤولين رفيعي المستوى من كلا البلدين ، وعن تصريحات ودّية متبادلة بين وزير خارجية المملكة و وزير خارجية ايران ، ولقاءات بينهما ( عن ذلك ،انظر رأي اليوم ،بتاريخ ٢٠٢٣/١/١٦ ) . تدركُ المملكة اليوم و اكثر من ايّ وقت مضى بأن الاولويّة لمصالحها الاقتصادية والامنية ، ولن تترّددْ بخارطة علاقات اقليمية و دولية ، مهّمة لمصالحها ،حتى وان كانت هذه الخارطة تخلو من مصلحة لامريكا او تُزعجْ امريكا . اصدقاء المملكة اليوم ( الصين ،روسيا ) هم حلفاء لايران ، و هولاء ( روسيا والصين ) يفكرون فعلاً بأمن وبأستقرار المنطقة ، وبطريق الحرير و بخطط لتمنية دول العالم الثالث ، وهذا ما صرّحَ به في الامس وزير خارجية الصين في مؤتمره الصحفي مع وزير خارجية مصر ،خلال الزيارة التي يقوم بها الآن لجمهورية مصر العربية .
العامل الثاني الذي يدفع اسرائيل و امريكا للتفكير بشّن حرب على ايران هو الوضع المتأزم في اسرائيل ؛ متأزّم سياسياً و اجتماعياً و أمنياً . انقسام عميق في المجتمع الاسرائيلي بين مؤيد و معارض للحكومة المتطرفة ،برئاسة نتنياهو ، دعوات منظّمة و مبرمجةً لهجرة عكسيّة من اسرائيل الى امريكا و دول اخرى ، مقاومة باسلة في الضفة الغربية ، وتوسّع وتعدّد في فصائل المقاومة . ادراك اسرائيلي وصهيوني بأنَّ الزمن اصبح يمضي لصالح ايران و المقاومة في المنطقة ، وايران تتقدم ،ليس فقط على الصعيد النووي ،وانما في كافة المجالات العسكرية و التقنية وتشارك المقاومة في فلسطين وفي لبنان انجازاتها . وتعتزم ايران ،كما اعلنت رسمياً ،بنشر قوات بحرية لها في قناة بنما ، والتي تعتبر الفناء الخلفي لامريكا ولتجارة امريكا ،وسيكون لايران وجود عسكري في المحيط الهادي ، ويرى محللون بان الخطوات الايرانية ستكون استفزازية لامريكا ،لاسيما في ظل التحالفات الايرانية الروسية الصينية .
وستمتلك ايران قريبا طائرات سو ٣٥ ومنظومة الدفاع الجوي الروسي س 400 .
هذه الانجازات العسكرية الايرانية يمكن ان تكون عامل استفزاز لامريكا ولاسرائيل وتدفعهما بشّن حرب على ايران ،وممكن ايضاً ان تكون عامل ردع وتوازن قوى ، وتجعل اسرائيل و امريكا يترددا في شّنْ حرب على ايران .
لن تجرأْ اسرائيل في شّنْ حرب ، رغم حاجتها للحرب في ايقاف مسار التدمير الذاتي الذي تمّرُ به ( هذا ما نعتقده ) .
الحرب ،إنْ وقعت ، لن تكْ كالحروب السابقة التي ساعدت اسرائيل في التضخم و قّوة شوكتها ، ستكون حرب مفتوحة جغرافياً و زمنياً . لن تستطعْ امريكا برعاية و ادارة حربيّن في آنٍ واحد ؛ حرب في اوكرانيا وحرب في الشرق الاوسط ، وحرب لاسرائيل دون دعم و دون مشاركة امريكا ستكون نهاية اسرائيل . ولن تستطعْ امريكا ولا الغرب المتحالف تحّمل خسارتينّ استراتيجيتّن ؛ احدهما في اوكرانيا والاخرى في الشرق الاوسط .
لتغريدات الشيخ حمد بن جاسم آل ثان ،رئيس وزراء و وزير خارجية قطر الاسبق ،على حسابه في تويتر ، في الامس ، والتي يتوقّع عمل عسكري اسرائيلي امريكي وشيك على ايران ، رسائل ،اهمها التحذير و ابطال مفعول المبادرة و المباغتة ؛ تحذير لاسرائيل اكثر من ايّة جهة اخرى ، وتحذير لجهات اخرى قد تدفع اسرائيل لارتكاب هذه الجريمة بحق المنطقة وبحق شعوب المنطقة .
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha